مجتمع مدني

ظاهرة التسول تستفحل بمشاركة دولية! / ودود عبد الغني داود

نتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية في العراق، والقلق الشديد الذي انتاب العديد من المواطنين على حياتهم وممتلكاتهم، ازدادت حالات دفع الصدقات والنذور إلى المتسولين بشكل لافت، بوازع دفع البلاء أو التكفير عن الذنوب وغيرها من الأسباب الأخرى التي شجعت المتسولين، وأدت إلى تضاعف أعدادهم بصورة كبيرة جدا، ليصبح التسول مهنة مربحة تفوق بأرباحها أرباح الكثير من المهن التجارية.
وراح العديد من المتسولين يتنافسون في ما بينهم، على تقديم عروض مسرحية متقنة خلال عملية التسول! فمنهم من اصطنع العوق او البكاء والنحيب والتوسل بمشاهد دراماتيكية مؤثرة جداً. كما وصل بهم الحال الى المتاجرة بالبشر، مستعينين بأطفالهم أو بأطفال مستأجرين لقاء مبالغ مغرية، حيث يتم تخدير البعض من هؤلاء الأطفال بمواد مخدرة لتجعلهم يغطون في نوم عميق طيلة فترة النهار. والأخطر من كل ذلك، عندما أقدمت بعض الأمهات المنزلقات إلى الرذيلة، على تجميل بناتهن بالمكياج وهن دون العاشرة من عمرهن، وتدريبهن على مغازلة المراهقين لسحب الأموال منهم. وغيرها من الأساليب الماكرة التي جعلت من عملية التسول مهنة مربحة تزدهر يوما بعد يوم، لتصل أخبارها الى خارج العراق. فقد بدأت اعداد غير قليلة من متسولين عرب وأجانب، تتوافد من بعض الدول الآسيوية المضطربة الى العراق، لتزيد الأمور تعقيداً. فتكاد لا تخلو مفارق الطرق والشوارع والساحات العامة والمراقد الدينية والجوامع والمستشفيات والعيادات الطبية من اعداد كبيرة من المتسولين المخادعين. وراح البعض منهم يصول ويجول في الاحياء السكنية ويطرق الابواب ويتسبب فس إزعاج ساكنيها. كما ظهرت مافيات تتعهد بنقل المتسولين وتوزيعهم وحمايتهم، وتنسيق اعمالهم.
من خلال متابعاتي الميدانية المستمرة للعديد من المتسولين المخادعين ومراقبتهم عن كثب والاستفسار عنهم من قبل سكان المناطق التي يتواجدون فيها، هالني ما شاهدت وسمعت عندما تأكد لي بأن معدل ما يجنيه العديد من المتسولين، يتراوح بين مائة الف الى ربع مليون دينار في اليوم الواحد. كما اصبح البعض منهم صاحب عقارات وسيارات فارهة وأرصدة في البنوك، ما حفز ذلك الكثير من الطامعين لأن يحذوا حذوهم، على الرغم من امكاناتهم المادية الجيدة.
وتم التعرف على بعض النسوة من ربات البيوت، وهن يمارسن عملية التسول متخفيات وراء البراقع لغرض جمع المزيد من الاموال. كما شاهدت بعض المتسولين المخادعين وهم يرتادون المطاعم الفاخرة والنوادي الليلية ويتناولون وجبات غذائية مرتفعة الاسعار. كذلك رصدت بعض الاطفال والصبية المتسولين الذين يقتنون افضل اجهزة الموبايلات، ويتجمعون في ما بينهم لمشاهدة الافلام الاباحية وافلام الجريمة المنظمة والعنف وغيرها من الحالات المؤلمة التي باتت تنذر بعواقب اجتماعية في غاية الخطورة.
اما بالنسبة الى المتسولين بحق وحقيقة، والذين هم بحاجة ماسة إلى المال وعاجزون عن العمل، فأعدادهم قليلة نسبياً، ومن الممكن مشاهدتهم منزوين بهدوء على حافة الطرق، وسرعان ما ينصرفون بعد ان ينالوا ما يحتاجونه لسد رمقهم.
إلى ذلك اخفقت الجهود التي بذلتها الدولة في معالجة ظاهرة التسول المتفاقمة والمستعصية، والتي من المحتمل، لا يمكن حلها حتى لو استقرت الاوضاع فعلاً وتوفرت فرص العمل. ولكن يبقى الحل الوحيد والاكيد حاضراً، وهو مرهون بتضافر جهود جميع المواطنين والمؤسسات الحكومية المعنية، فضلا عن المؤسسات الدينية ومجالس العشائر ومنظمات المجتمع المدني بتخصصاتها كافة، والمحسنين الاخيار. فيمكن استحداث وتأسيس صندوق جباية موحد وإيداعه في ايدي لجان نزيهة، ثم ختمه وتثبيته في الاماكن الدينية وغيرها من الاماكن المناسبة الاخرى، ودعوة وحث المواطن الذي يروم التبرع او دفع النذور او الصدقات او الواجبات، إلى إيداع ما تبرع به في الصندوق الموحد، لغرض قطع دابر المحتالين والمخادعين، وضمان توظيف الوارد من الاموال في بناء دور لرعاية الايتام والمعوقين والمشردين فعلاً.
علماً ان الموازنة التشغيلية الحالية، ستخفض إلى نسب مؤثرة، ما ينسحب على الامكانات المادية والخدمية التي تستفيد منها دور الايتام والمسنين والمعاقين. هذا ما اكده أخيرا وزير العمل والشؤون الاجتماعية.
نأمل ان يجري تأسيس الصندوق الموحد، وان تتضافر جهود جميع المواطنين الغيارى لدعمه، في سبيل الحد من ظاهرة التسول التجاري.