مجتمع مدني

المراهقة.. حاضنة للإدمان والانحراف والتحلل! / فهد شاكر المياح

الأمر بدأ هكذا. وُجهت لنا دعوة من أحد الأصدقاء, لحضور حفل "حناء" شقيقه. شاب يناهز الـ 17 عاما. وبعد وصولنا الى الحفل، ألفينا الحاضرين وهم قعود, وكانوا متباينين في العمر. وعقب انصراف كبار السن منهم, فوجئنا بظهور جمهور كبير من الفتيان المراهقين وهم يحملون بأيديهم, قناني الماء البلاستيكية. لم نكن نعلم في بادئ الأمر أنها مملوءة "بالمشروبات الكحولية", الا بعد أن بدأوا يرتشفون منها, كلما توقفوا هنيهة عن الرقص. وبعد وهلة من الزمن, أخذ بعضهم بالترنح. وآخرون بالتقيؤ, والبعض الآخر راح يتحدث بصعوبة!
ما شهدناه, حفزنا على سؤال المحتفى به, قلنا له "أهؤلاء أصدقاؤك"؟ فقال: نعم
- وهل جميعهم على هذه الشاكلة؟
لم يفهم العريس فحوى السؤال. أعدنا صياغته بصورة أكثر وضوحا. أجميعهم يعاقرون الخمر؟ فقال كلا، ولكن الغالبية العظمى منهم. وفي اثناء حديثنا مع من أقيم لأجله هذا الحفل الصاخب. جاء أحد المراهقين, وجلس الى جانبنا. وبعد مضي بضع لحظات, سألنا الوافد الجديد ان كان "مخمورا" فاكفهر محياه. واجابنا باقتضاب "نعم". ربتنا على كتفه وسارعنا بعد ذلك بمغادرة الحفل.
اليوم الأول من المعايشة
في صباح اليوم التالي الذي أعقب يوم الحفل اتصلنا بصديقنا الذي كان سببا في حضورنا الى ذلك الحفل. وطلبنا منه ان يرشدنا الى الأماكن التي تلتقي فيها تلك "الجوقات" من فئة المراهقين. فأعلمنا انهم في الصباح يمارسون هواية صيد السمك في مكان يطلق عليه "الشلال"، يقع على ضفاف نهر ديالى الذي يمر بمناطق "الفضيلية والأمين الثانية والرستمية". وبعد انتصاف النهار, يرجعون الى منازلهم ويهيئون أنفسهم لممارسة هوايتهم المفضلة الثانية وهي كرة القدم. أما في الليل, فتتباين الأماكن التي يتواجدون فيها, فالبعض منهم يختار المقاهي. والبعض الآخر قاعات الانترنت, وثلة منهم يجوبون الشوارع. وقبل ان نهاتف صديقنا, فكرنا مليا, بالطرق والوسائل التي تمكننا من معرفة ما يدور في خلد المراهقين والوقوف على حيثيات تصرفاتهم وطبائعهم, في زمن مترع بالشوائب. فلم نجد أفضل من دراسة هذه الفئة, عن طريق "المعايشة"، فطلبنا من صديقنا أن يرافقنا الى أماكن تواجدهم الواحد تلو الاخر. وفعلا توجهنا بمعيته الى "الشلال" الذي كان أول محطة نتوقف عندها لتقصي حياة المراهقين.
قطعنا مسافة 3 كم, سيرا على الأقدام, بعد أن تعذر علينا أن نستقل سيارة بسبب وعورة الطرق والبساتين. وما أن وصلنا الى مكاننا المنشود, حتى بدأ المتواجدون هناك بالرقص والتهليل. ترحيبا بقدومنا, واخذ دليلنا بتقديمنا اليهم. واعلامنا بأسمائهم وكنياتهم. وأول من تشرفنا بمعرفته هو "رضا ابو التوت" الذي انيطت به مهمة قيادة تلك الثلة. أعقبه كل من "رضا حمزية, علي طويرني, احمد قرود, علاوي ابن الملاية, مرتضى تركي, سيف بلاكي, كرار ابو اذان".
أول الغيث من "أصول الضيافة", هو تقديم كبسولة مخدرة لكل منا! عمدنا الى الاحتفاظ بها في جيوبنا "الكبسولة" وبعد مضي بضع دقائق, جاءت أصول الضيافة الثانية، حيث بادر "احمد قرود" بسؤالنا: هل ترغبون باحتساء بضع كؤوس من الخمر؟
سارعنا الى سؤاله عن دراسته وطبيعة عمله ان كان يعمل. فبين انه ترك الدراسة في المرحلة الابتدائية, وامتهن "العمّالة" اسوة بسائر أترابه الذين لجأوا الى هذا الخيار. "قرود" وهو من مواليد العام 1999, بدأت النشوة تأخذ منه مأخذاً. الأمر الذي جعله يثب من مكان جلوسه، وراح يقفز ويغني. اما قرينه الانسي "سيف بلاكي" فأطلق قهقهة وهو يتابع تصرفات صديقه. وبعد أن تعب من انتظار الظفر بسمكة "اذ كان ممسكا بصنارة الصيد التي رمى بخيطها الى وسط النهر" رجع الى المكان المخصص لجلوسه بين أصدقائه, وأخرج علبة سكائره واشعل سيكارة منها وراح يعب من دخانها وينفثه بشراهة. وقبل ان تنطفئ, استل أخرى وأشعلها من عقب الأولى!
مازحناه بلهجتنا الدارجة قائلين له:"شنو غركت السفن"؟ فأبتسم "بلاكي" ابتسامة صفراء واردف قائلا: "آهٍ لو تعلمون متاعبي وأوجاعي لطلبتم مني عشرين علبة من السكائر واشعلتموها دفعة واحدة"!
قلنا له: وما هي متاعبك؟
أطرق برأسه, وأخذ يسترسل في كلامه قائلا :"في العام 2005 قتل والدي على يد القوات الأمريكية. وقبل أربعينية أبي استشهد أخي البكر في انفجار سيارة مفخخة في منطقة بغداد الجديدة. وكان عمري آنذاك 10سنوات, ولدي 3 شقيقات، أصغرهن كانت في حول الرضاعة. ألفيت حالي فجأة وقد أصبحت أبا لأسرة من 5 أفراد, وأنا لم أزل في سن الطفولة، مما دفعني الى العزوف عن التعليم والبحث عن عمل ما، فأبتعت عربة خشبية وبدأت العمل في السوق الشعبي لمنطقة الأمين الثانية. ومضيت على ذلك حتى نهاية العام 2013. ثم تطوعت في سلك الجيش.
قبل ان يكمل "سيف" حديثه, خاطب قائدهم "رضا ابو التوت" جوقة المراهقين معلنا وقت الانصراف. فحزموا امتعتهم وجمعوا نفاياتهم ورموها الى وسط النهر.
ما حدث اثناء العودة!
بعد أن أوعز لهم "ابو التوت" بالرجوع الى منازلهم. ارتأينا ان نرافقهم في طريق العودة. آملين من قرارنا هذا, ان نكتشف بعضا من أسرارهم الشخصية. وفعلا, حصلنا على ما كنا نصبو اليه. اذ أخذوا يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم. وراح كل منهم يسأل الآخر عن مكان تواجده في المساء. فقال "كرار" وكنيته "ابو اذان" انه يروم الذهاب الى بيت حبيبته بعد منتصف الليل ويحظى بمداعبة وحفنة قُبلات! أما "علي" والملقب بـ "طويرني" نسبة الى أحد أنواع طيور الزينة. فقد كشف لهم انه قرر الذهاب الى قاعة للألعاب ليلعب "البلياردو" فانبرى له "كرار" قائلا :"في كل يوم تذهب الى هناك وأنت لا تجيد لعبة البلياردو. وأنا أعلم ما تبغيه من عملك هذا. انت تبحث عن تلك "الشخصية الشاذة"!
ارتبك "طويرني" وراح يصفع صديقه على قفاه قائلا :"حسنا, انا أعلم سبب ذكرك هذه المعلومة عني منذ وقت طويل. انها الغيرة التي تسري في عروقك، هي التي دفعتك إلى الافصاح عن السر! نعم فند "كرار" تلك التهمة وسارع الى اخراج مديته, وحاول ان يضرب بها صديقه. فلم يكن منا الا ان تدخلنا لفض النزاع, وبعد وهلة قصيرة، تصافح الاثنان وقبَّل كل منهما الآخر. وقبيل ولوجنا الحي الذي يقطنونه سألنا "كرار" ان يسرد علينا حكاية "حبيبته" وهل ما قاله بشأن ذهابه يوميا الى بيتها هو أمر واقع؟ فقال :"ان شئتم اصطحبتكم معي"!
سألناه عن ذويه, فبين أن أباه يملك سيارة أجرة. وفي اكثر الاحيان يغرق في نوم عميق, في وقت مبكر جدا, وان اخاه البكر تزوج واستأجر بيتا ليبتعد عن اهله. فلم يعد هناك من حسيب او رقيب. وقبل ان نودع ثلة المراهقين, عقدنا اتفاقا على لقاء اخر في اليوم التالي.
اليوم الثاني من المعايشة
في صباح اليوم التالي, اتصل بنا "كرار ابو اذان" وسألنا الحضور مرة اخرى عن مكان تجمعهم الأخاذ "الشلال" اعتذرنا منه, وأخبرناه ان موعد لقاءنا سيكون في المساء, وبعد ان اسدل الضياء ستاره, عاودنا الاتصال بـ "كرار" واستفسرنا عن المكان الذي سيجمعنا مع حفنة المراهقين, فقال "في كوفي شوب روتانا" بالقرب من سوق الامين الثانية, فلم نتردد في الذهاب.
في المقهى فوجئنا بحضور وجوه جديدة, لم نشاهدها في اليوم السابق. حيينا الجميع وجلسنا على احدى الارائك, فجانبنا في القعود "كرار" الذي كانت روائح الكحول تنبعث من فمه اثناء كلامه. واخذ بتقديم اصدقائه الينا, بدءا من "علاوي ابو دعير, مهند واير, عماد سحلية, عمار ابو السحالي, مصطفى المربع, حيدر بزون, ماجد آرتينة" وانتهاءً بـ "ابراهيم ابو زهرة. وكان طويل القامة, عريض المنكبين, دميم الوجه.
بعد مضي دقائق على وصولنا, لفت انتباهنا حديث, من شاركناهم جلستهم, اذ ما فتئوا يتسألون فيما بينهم عن آخر الأفلام الاباحية. اضافة الى عناوين المواقع الاباحية الجديدة, فقطعنا سلسلة احاديثهم وسألناهم: "لم لا نسمعكم تتحدثون عن الدراسة"؟ قهقه الجميع ثم قال "ابو زهرة": لا نرغب في تعكير مزاجنا..
اما الآخرون فقد أوضحوا انهم ودعوا التعليم جراء مشاجراتهم المستمرة مع التدريسيين, فسألناهم عن اسباب تلك الخلافات, فقال احدهم: "أنا واغلب الحاضرين اليوم, كنا في مدرسة واحدة, وبعد اجتيازنا عقبة "بكلوريا" الثالث المتوسط, خيل الينا ان الدراسة باتت اسهل بكثير, فعمدنا الى عدم الاكتراث بالدروس والمدرسين, وفي احد الايام ارشدنا احد الاصدقاء الى بيت قريب من المدرسة, ولم يكن منزلا عاديا, بل كان مخزنا للمشروبات الكحولية, ومنذ تلك اللحظة, كنا نتفق على البقاء خارج المدرسة, والتوجه في بادئ الامر الى ذلك البيت لنبتاع ما يحلو لنا من مشروبات كحولية, وبعد ان نحصل على ما نصبوا اليه من نشوة, نعود لندخل الى المدرسة، ونظرا لإغلاق بوابتها لم يكن امامنا من خيار الا تسلق سياجها الكونكريتي, وفي احد الايام, وتحديدا حين كنا في الصف الخامس الاعدادي, شاهدنا معاون مدير المدرسة, اثناء تسلقنا سياج المدرسة, فتركنا لنكمل مهمتنا, ثم انقض علينا صارخا في وجوهنا, وبعد ان اقتادنا الى غرفة الادارة, اكتشف أننا "ثملون", فطلب منا ان نبلغ اولياء امورنا بقرار حضورهم الاجباري الى المدرسة, فلم نذعن لذلك القرار, وعقدنا العزم على اكمال العام الدراسي, على ذلك المنوال, وشخصيا لم يعلم احد من اهلي بتلك الحادثة, حتى يوم توزيع نتائج الامتحانات النهائية. حين فوجئت بقدوم والدي الى المدرسة, واكتشافه رسوبي في المواد جميعها. وبعد ان اخبر معاون المدير ابي بما جرى, اصطحبني والدي الى المنزل وكبلني بأغلال بلاستيكية "شناطة" وقيد قدمي بسلسلة حديدية. ثبت طرفها الاخر في شباك غرفة الضيافة, في المنزل. وبقيت على تلك الحالة قرابة اسبوعين, وبعد اطلاق سراحي, خيرني والدي بين التعليم والعمل فاخترت العمل".
لذنا بالصمت لبرهة, بعد حالة الغثيان التي انتابتنا عقب حديث "مصطفى المربع". وبعد وهلة وثبنا من مكان جلوسنا وأومأنا لهم مودعين, وقبل ان نصل الى باب المقهى, نادى احدهم بأسمائنا, التفتنا صوبه وعرفنا ان المنادي هو "علاوي ابو دعير" عدنا ادراجنا, ووقفنا قبالة "دعير" فقال: "أدعوكم إلى الحضور يوم غد لنلعب بلياردو معا". توجهنا اليه بالشكر, واجبناه ان الامر منوط بوقت فراغنا. فغادرنا المقهى بعد ان ودعنا الحاضرين مجددا.
اليوم الثالث من المعايشة
في مساء اليوم التالي, ودون ان نتصل بأي احد من حفنة المراهقين, توجهنا الى قاعة الالعاب. التي دلنا على موقعها احد المارة. وقبل ان نلج الى وسط القاعة, وقفنا لبرهة زمن نتأمل المكان ومحيطه, فلم نعثر الا على الظلام الحالك, ومحلات مغلقة, تتاخم العمارة التي توجد فيها قاعة الالعاب. نزلنا على درجات سلم المدخل "اذ كانت بناية قاعة الالعاب في الاصل مخزنا ارضيا" وعند نهاية السلم, استقبلنا شخص لم نعلم للوهلة الاولى, انه من يدير هذا المكان, وسألنا عن اي نوع من الالعاب نبتغي ممارستها, فأجبناه اننا ننتظر قدوم بقية الاصدقاء لكي يكتمل الجمع.
في بادئ الامر لم يلفت انتباهنا جمهور الحاضرين ولا هيئة المكان بشكل عام, حتى انصرفنا عن اول من كان في استقبالنا، واخذنا نمعن النظر في كل ركن من اركان القاعة. تفرسنا بروية وجوه المتواجدين هناك، ومضينا على ذلك حتى ربت احدهم على اكتافنا وقال: "كنا نعلم انكم ستلبون دعوتنا". كان ذلك الشخص هو "علاوي ابو دعير" الذي دعانا في اليوم السابق للحضور الى قاعة الالعاب. صافحنا صديقنا, وطلبنا منه ان يدلنا على اماكن الجلوس, فتوجهنا معا الى الاريكة الوحيدة, الموجودة في القاعة, جلسنا عليها, وفتحنا غطاء قنينة الماء التي اشتريناها قبل مجيئنا, وما ان اخذنا نرتشف منها, قدم الينا مراهق, لم ينبت له شارب او لحية, وقال باللهجة العامية: "رحمة لوالديك اخوك معوز"! رفعنا قنينة الماء نحوه, امسكها بيمينه وارتشف منها جرعة, ثم دمدم قائلا:"شنو هذا مي؟ عبالي..."!
استفسرنا منه عن سبب تذمره, فقال: "اعتقدت ان ما تشربونه هو نوع من انواع الكحول". انتزعنا قنينة الماء منه, وامرناه بالانصراف. بعد ذلك اسلمنا امرنا إلى الصمت, وجلسنا نراقب ما يدور.
مشاهد
اثناء وقت تأملنا ما يدور داخل قاعة الالعاب, لفتت انتباهنا حركات وايماءات مشبوهة لبعض المتواجدين, اثناء ممارستهم لعبة "البلياردو" وتلك الافعال كانت تصدر من اكبرهم سنا, تجاه اصغر مراهق فيهم, فواحد منهم كان يضرب بعصا "البلياردو" على مناطق حساسة لمن كان يقف الى جانبه, واخر يقرص بسباته وابهامه وجنتي من يتكلم معه.
سألنا صديقنا الذي ضّيفنا ان كان ما يجري جزءا من مزاحهم, فقال: "ربما..؟
الموروثات.. والثقافات الموجهة
"زهراء الركابي"، باحثة في علم الاجتماع اوضحت ان اولياء الامور, هم المسؤول الاول والاخير عن تصرفات واخلاق المراهق, فهم من ينثرون بذور الورع والتقوى في شخصية الفتى او الفتاة, وهم انفسهم من يقودونهم إلى المضي على مسار خاطئ, واضافت: "في علم الاجتماع, نقف عند نقطة مهمة, يعزى اليها سبب استفحال بعض الظواهر, الا وهي الموروثات والمعتقدات الاجتماعية, منها على سبيل المثال, الذكورية العشائرية, ومعاملة المراهق, على انه قد بلغ مبلغ الرجال, من ناحية التفكير و"الكاريزما" ومن هذا المنطلق, نجد بعض الاهالي لا يحاسبون ابناءهم على سوء تصرفاتهم, وفي الحقيقة, فان هذا السلوك التربوي, كفيل بخلق اجواء من العبثية والهمجية, والاصح من هذا كله, توجيه الابناء ومراقبتهم, حتى يكملوا ربع قرن من حياتهم على اقل تقدير".
اما اختصاصي الامراض النفسية الدكتور عبد الخضر صبيح فقد عزا أسباب ما يحدث من انفلات اخلاقي لهذه الفئة العمرية, الى تأثير الثقافات الموجهة, بصورة مباشرة وسريعة في عقلية المراهق. وقال ايضا:"من الناحية العلمية, فإن الانسان بهذه المرحلة من العمر, يتخبط بين الطفولة والبلوغ, لذلك تتجلى الحكمة والموعظة في تصرفاته تارة, وتارة اخرى تطغى عليه طفولته التي لم تزل تداعب خلجاته, ولهذا السبب نجد المراهقين, ومن كلا الجنسين, يتأثرون بما يشاهدونه في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي الاخرى. لذلك فأنا اقف الى جانب من يرغب في وضع اسس وقواعد للوافد الجديد على المجتمع العراقي, الا وهو الثقافات الموجهة, التي يقف التطور التكنلوجي المثير, وراء قدومها".
الاحباط والكبت وأسباب أخرى
غالبا ما تبدأ مشكلة الإدمان تحت سن الــ 18 حيث تسهل السيطرة على عقول الشباب في هذه الفترة والتأثير فيهم ولأنهم يمرون بمراحل خطرة في حياتهم ويحاولون جهدهم إثبات ذاتهم بأي طريقة. كما أنهم يتميزون بحبهم المغامرة ولا يحسبون حسابا للعواقب.
ويعتبر الاصدقاء أهم عامل في تشكيل شخصية المراهق الذي يرى في شخصيات المراهقين الاكبر سنا أو الاكثر خبرة جاذبا مهما فيعتبره نموذجا ومدخلا للاستقلالية. وللأسف اصبح مروجو المخدرات أكثر علما ودراية بالحالة النفسية للشباب وبالتالي يستهدفونهم في الصميم من خلال التأثير عليهم وبالذات عن طريق الأصدقاء .
ويشترك المدمنون في مجموعة تصرفات لم تعد خفية على الاطباء ومنها اللجوء إلى السرية ومحاولة الابتعاد عن رقابة الأهل، وكذلك تغيرات صحية وجسدية.
المؤشرات والسلوكيات:
في المنزل:
1. الانعزالية عن أفراد الأسرة:
السرية التامة هو ما يحرص عليه الشاب المدمن فهو لا يريد أن يفتضح أمره أمام الأسرة ولا يريد أن يترك مجالا للأسرة لملاحظة التغيرات التي تطرأ عليه. يظهر الانعزال بسلوكيات مختلفة مثل تناول الطعم في غرفته التي يلازمها طويلا, عدم النظر إلى عين من يكلمه, ملازمة التلفزيون والأنشطة الأخرى التي لا تتطلب احتكاكا بالآخرين. قد تكون نتيجة للاكتئاب الذي يعانيه الشاب .
2. الكذب والمبالغة والمراوغة:
إذ لا يستطيع الشاب أن يبرر كل شيء يسأل عنه بطريقة منطقية فيلجأ لهذه الأساليب. فقد يذكر الشاب لأهله أنه مريض و مصاب بالدوار والصداع والتعب العام ليبرر ما يمر به من ظروف. كما أن الشاب يحتاج إلى المال لشراء المخدر فيبدأ باختلاق الأسباب والمبررات لذلك مثل أنه يريد مراجعة المستوصف الخاص أو أنه يريد شراء أجزاء مهمة لجهاز الكمبيوتر خاصته أو إلصاق هذه المصروفات الزائدة بطلبات المدرسة وهكذا .
3. اضطرابات النوم :
ينام لفترات طويلة جدا أو قد يظل ساهرا لأوقات طويلة أيضا ويعتمد ذلك على نوع المواد المستخدمة في الإدمان وكذلك المرحلة التي وصلت إليها المشكلة .
4. الغياب عن المنزل والهروب ليلا:
بعض الأعراض الانسحابية لبعض أنواع المخدرات تستلزم أحيانا أخذ الجرعة كل ساعة أو حتى نصف الساعة.
5. اتصالات مثيرة للشك والريبة :
فلا بد من التواصل مع المروج للحصول على ما يريده من المواد المحظورة. تتشابه أصوات المتصلين وتختلف الأسماء ومبررات الاتصال من وقت إلى آخر وينبغي التنبيه إلى أن الشاب قد يبدأ بالتواصل مع الفتيات ومعاكستهن هاتفيا كسلوك سيئ يكتسبه ممن يحتك بهم من مروجين ومدمنين.
وهناك أسباب عديدة لتعاطي المراهقين المخدرات وكل مجتمع يخلق أسبابه الخاصة، والمدرسة والاسرة هما الدور الأساسي والرئيس في التعاطي او عدم التعاطي ولكن الأسباب الأكثر شهرة بين الجميع هي أن سن المراهقة يتميز بشكل عام بالفضول وحب الاستكشاف فيدخل المراهق نفسه في تجارب متنوعة في الحياة من اجل الحصول على المتعة او حب التجربة مثل قيادة السيارة بسرعات خارجة عن السيطرة وقد يذهب إلى نشاطات فيها مخاطرة لإشباع حب المغامرة في نفسه مثل تعاطي المخدرات ويكون طريق المخدرات من خلال صديق أو زميل دراسة او عمل او تدريب او أحد أفراد العائلة.
يشعر المراهقون بحب الانتماء إلى مجموعات من العمر نفسه كزملائه أو شلته في المدرسة فالمراهقون يرغبون في الانتماء إلى مجموعة يشعرون معها بالراحة والدعم النفسي والحماية والقوة المعنوية وما يكون خطيرا في هذه النوع من المجموعات ان مبادئها وسلوكياتها تكون على قناعاته أكثر من مبادئ أسرته الخاصة فإذا كان أفراد المجموعة أو الشلة يتعاطون المخدرات فهذا دافع مهم جدا لتعاطيها بل ويخشى ان ترفضه المجموعة فيبقى بدون أصدقاء.
هناك أيضا الإحباط والكبت الذي يتعرض إليه في المجتمع وقهر الاسرة تحت كلمة التحفظ يجعل المراهق يخرج كبته على شكل ادمان على أي شيء خطأ وقليل من الاهل لا يخبرون أولادهم لماذا هذه الأشياء ممنوعة بل يجد الفتى ردا عنيفا جدا على انه أخطأ فهذا يكون سببا في فعل الخطأ.
وتلعب قلة الخبرة مع الناس والخطط الخبيثة التي يفعلها أهل الشر للإيقاع بالمراهق دورا وسببا كبيرا ورئيسا فمثلا عند الامتحانات يجد شخصا يعرض عليه المخدرات من مدخل هل تريد تحصيل علمي أكبر وتجاوب في الامتحان بشكل كبير فهذا القرص سوف يجعلك مستيقظا طوال الوقت وتدرس، ولقلة خبرة المراهق تقع المشكلة ويبدأ الادمان.
ان أهم الأسباب الأخرى هو ضعف العلاقات الاجتماعية والعاطفية بين أفراد الأسرة وقد لاحظ علماء النفس ان كثيرا من الأسر التي يقع أبناؤها المراهقون في ادمان وتعاطي المخدرات هي اسر ضعيفة الارتباط ويكون الأب فيها مهملا لأولاده لا يعلم إلى أين يذهبون ومع من؟ وتجد آباء جاءوا بأولادهم لعلاج الادمان وبعد التحدث مع المريض يخبر الأطباء الأب ان الولد يتأخر خارج البيت كثيرا خلال الفترة السابقة ويكون التأخير لساعات طويلة بدون علم او معرفة بمكان التواجد ولا يكون الأب على وعي كاف ليدرك الأمور من أولها بل لا يدرك إلا عندما تستدعيه الشرطة أو يصاب ابنه بالجنون تحت تأثير المخدر.
آراء أخرى
المواطن "ابو حيدر الفرطوسي" 54 سنة, ويعمل في مجال بناء الدور السكنية, حيث بين ان هذه المرحلة العمرية, تحتاج الى رقابة صارمة, من قبل الاهل, لأنها الفيصل بين الزهد والجشع, وقال ايضا :"رزقني الله أربعة اولاد وثلاث بنات, عمدت الى تزويجهم في سن مبكر, حرصا مني على إبعادهم عن الموبقات والمحرمات, وحقيقة اقولها, ان اولادي لو اكملوا تعليمهم, لما زوجتهم في وقت مبكر من حياتهم, فالإنسان في هذا العمر, ان لم يكن هناك ما يشغل تفكيره, سيدخل في متاهة من الاخطاء, قد تكلفه في نهاية المطاف حياته وحياة ذويه, اما افضل السبل للحد من تسيب المراهقين, فهي الرقابة الشديدة"
اما المواطن "خالد ابو كرار" 44 سنة, فكان له رأي اخر حيث اكد على ضرورة ايجاد علاقة بين الاب والاولاد, مبنية على اسس عالية من الوعي والثقافة, وقال ايضا: "شخصيا, اعتمدت في تربية اولادي, على ما اكتنزته من معرفة وخبرة حياتية مقبولة وكذلك على عنصر "الصراحة" اذ عمدت على رفع جميع الحواجز, المعمول بها وحتى وقتنا هذا بين الاب والابناء, والتي اكتسبها الاخرون من موروثاتنا الاجتماعية, ولم اجد خطأ واحدا في منهجي هذا, بل على العكس من ذلك, اثبت نجاحه".