مجتمع مدني

الحصة التموينية.. آخر قوت للفقراء مهدد بالانقراض

قسم التحقيقات (طريق الشعب)
للطوابير قبالة شبابيك الدوائر قصص وحكايات وطرائف. وفي ضنك ذلك الانتظار المقيت تنمو الحسرات مع تنامي الضجر، ويشهد الحر الشديد "مهاف" للتنفيس عن عسر الحياة بكل منغصاتها، وتبدأ الصدور تزيح صخرة الواقع بكل ثقلها، وبسخام مشاهدها، لعل التكرار يقلل من جذوة لهيبها ولو بالتمني.
من داخل احد الطوابير توغل رجلان في الخمسينيات من العمر "أفنديّه" في عمق التاريخ السومري، وشرعا في حوار مقارن بين مشاهده القديمة وما يشبهها الآن في أحزانها ومآسيها، فاستعرضا تاريخا من النواح والألم وذكرا عددا من الأسماء الغريبة والرموز والمصطلحات، وهو ما أربك حواس امرأة عجوز كانت تتابع حوارهما باستغراب دون أن تفهم شيئا، عدا اشارات عن المراثي والمناحات، والغريب أنها التصقت بالمشهد الحواري وكأنها تراهن نفسها على مسك خيط منه.
تطرق أحدهما الى هجوم الجحافل العيلامية على مدينة "أور" وتدميرها ونهبها، ثم استشهد بأبيات شعرية تفسر قسوة ذلك الهجوم، فقال:
دعا إنليل العاصفة
والشعب ينوح
ودعا رياحا شديدة
والشعب ينوح
وعهد بها إلى "كنكالود" راعي العواصف
والشعب ينوح
ودعا رياحا مدمرات
والشعب ينوح
ودعا زوبعة السماء
والشعب ينوح...
ربما لاقت مفردة "ينوح" صدى في قلب العجوز، فاقتربَتْ منهما وظلت تحدق في وجوههما مندهشة، لكنها لم تحافظ على صمتها حالما سمعت أحدهما يقول مستشهدا بشاعر سومري يرثي مدينته: كانت "الحصة" المقررة للبشر هي الحرمان والألم.
هنا داهمت العجوز حوار الرجلين وسألتهما بلهفة وتوجس:"بعد خالتك اشبيهه الحصة"؟
توقف الرجل عن الحوار وابتسم وهو يحدق في وجه صاحبه، ثم رد عليها مازحا:"حجيه، يمكن رح ايكصوهه"!
- " يمن تنكص أعمارهم انشالله.. هيَّه تمنات واطحينات، شهر ينطوهن وشهرين ايغلسون عليهن، وهم لحكونه عليهن"!
أطلق الرجلان قهقهة عالية ثم عادا وتوغلا في مشهدهم السومري لتزجية الوقت بانتظار أن ينتهي وقت صلاة السادة الموظفين الصائمين ويتكرم أحدهم بفتح الشباك!
السيدة "الحصة"
بدأ العمل بنظام البطاقة التموينية على أساس برنامج مجلس الأمن "النفط مقابل الغذاء" في 14 نيسان من 1995.
ومرت الحصة التموينية بتحولات ارتبطت إلى حد كبير بتحولات البلد أمنيا وسياسيا خلال عقدين من الزمان.
وقد ألقى انتشار حالات الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة بعد 2003 ظلالا ثقيلة على سلة الأغذية، فخف وزنها إثر اختفاء معظم موادها، فضلا عن شكاوى المواطنين المستمرة من تأخر تسلميها، وتدني نوعية فقراتها، لا بل أن الحصة التموينية شهدت فضائح اختلاسات وتبديد اموالها.
وتعد الحصة التموينية العمود الفقري للحياة المعيشية لأغلب العوائل العراقية، وبعد ما حصل عام 2003 والتغيير الذي رافق تلك العملية كان المواطن يمني النفس بحصة ادسم من حيث العدد والنوعية، لا سيما وان الكثير من الوعود التي اطلقت في ذلك الوقت تؤكد وتسعى الى زيادة عدد المفردات شاغلة الفقراء الى اربعين مادة بحيث تشمل حتى العصائر والمشروبات الغازية ناهيك عن اللحوم الحمراء والبيضاء وغيرها من الاشياء التي يسيل لها لعاب الغني فكيف الحال بلعاب الفقير.
ولكن وعود عرقوب هي من حسم الامر واصبحت الوعود شأنها شأن مكرمات البائد الضرورة في ايهام المواطن المتخم بالأزمات لتتحول الاربعين مادة الى اربعة فقط، لأن الصفر يذهب الى مصارف الفساد والتخطيط الفاشل من قبل الجهات ذات الاختصاص، ووصل الحال اليوم بان الاربع المبشرة بالتوزيع باتت مهددة باللحاق بسابقاتها من المواد، بعد تأخر مادة السكر لمدة سبعة اشهر ومادة الرز لمدة شهرين والزيت لشهر واحد في ظل تذمر وشكوى المواطنين دون ايجاد اية حلول منطقية للمشكلة التي لا تقل اهمية عن التداعيات الامنية.
أين الأموال؟
يؤكد الوكيل أبو عادل، ان الحصة التموينية اختصرت الى اربع مواد فقط، هي الطحين، والرز، والسكّر، والزيت.
واعرب عن اسفه من ان "اغلب المواد من نوعية رديئة"، لافتا الى ان "الكيس الواحد من الرز المجهّز بالحصة التموينية يباع في السوق المحلية بعشرة آلاف دينار". ويؤكد ابو عادل "لا يوجد ارخص من هذا السعر".
أما الطحين، كما يقول المتحدث، فهو "خلطة من مجموعة انواع من الحنطة والشعير"، ويوصف عند خبزه في البيوت بـ"الخبزة السمرا"، ولا يمكن عمل الصمون منها.
والزيت، حسب ما يذكر ابو عادل، يكاد يقترب من نفاد صلاحية الاستعمال، وهو "من الدرجة الثانية"، ويتساءل عما اذا "كانت وزارة التجارة لديها اماكن خزن بالمواصفات العالمية تحفظ المواد الغذائية".
ويتساءل وكيل غذائية آخر، من بغداد أيضا وطلب عدم ذكر اسمه، عن سبب عدم استيراد مواد غذائية ذات جودة عالية، وتوفير مخازن صالحة لحفظ المواد الغذائية. إلا ان المتحدث يرى ان "الموضوع لا يخلو من فساد وسرقات".
وكيلة المواد الغذائية ام محمد: تحرر صكا لصالح وزارة التجارة بكامل مبلغ الحصة التموينية، ثم تعطي نسخة من "وصل القطع" الى الناقل، الذي يتولى بدوره تجهيز ونقل المواد الغذائية الى محلها في منطقة بغداد الجديدة.
وتتساءل ام محمد: أين الاموال؟ لماذا لا يستطيعون توفير المواد شهريا؟ لماذا لا يعلنون عن المواد المتوافرة في مخازن التجارة شهريا؟
وتقول الوكيلة ام محمد ان الاجابة عن هذه التساؤلات شيء مهم بالنسبة للوكلاء "حتى نستطيع تحرير الصك على اساس المواد المتوافرة".
ويرى مراقبون ان لو جرى تصرف وزارة التجارة بالمبلغ المخصص للحصة التموينية بمسؤولية وأمانة، لخفت كثيرا معاناة أكثر من سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر.
ام علاء، ربة بيت من بغداد، تقول انها "مضطرة إلى استلام الحصة التموينية من الوكيل على الرغم من رداءة موادها". وتوضح ام علاء ان وضع عائلتهم المعيشي غير جيد، وانها مرغمة على "شراء مواد غذائية اساسية اخرى من السوق كي تسد حاجات عائلتها"، التي لا يكفيها ما توفره الحصة التموينية، فضلا عن المواد التي غابت عن التموينية، مثل الشاي، والصابون، والبقوليات، والحليب، ومسحوق الغسيل.
بالاضافة الى هذا، يقوم الكثير من وكلاء المواد الغذائية باستقطاع مبالغ من المواطنين اكثر بكثير من المبالغ المستحصلة عن كل فرد مسجل في البطاقة التموينية، وسط انعدام وجود فرق رقابية على عمل الوكلاء.
لا يصلح علفاً للحيوانات
وكيل المواد الغذائية "م. ن" قال: ان بعض تلك المواد الموزعة مثل الرز لا يصلح كعلف للحيوانات، لكونه من اسوأ المناشئ في العالم وهو الرز التايلندي، ولم يستبعد ان هناك جهات قد تستبدل الرز المستورد من قبل الوزارة بنوعية اخرى من الاسواق المحلية، موضحا بان بعض المواد قد تكون منتهية الصلاحية ويقوم البعض بتزوير تاريخ الانتاج، وبين ان اغلب المواطنين يقومون ببيع مادة الرز لعدم صلاحيتها للبشر، والدليل بان سعر الكيس من الرز التايلندي زنة "50" كيلو لا يتجاوز الثمانية الاف دينار في الاسواق.
معاناة العوائل المهاجرة
احد المواطنين الذي جاء لتسلم حصته من الوكيل هو رب اسرة لعائلة مسيحية هاجرت الى اربيل خشية الاوضاع الامنية كما يقول وبيّن المواطن الذي رفض ذكر اسمه، ان معاناتهم الكبيرة هي عدم وجود نظام ثابت ومدروس لتوزيع المواد الغذائية، فأحيانا "والحديث للمواطن" يأتي الرز ويغيب الزيت واحياناً بالعكس، أما بقية المواد فقد نسيناها تماما لذا نضطر الى المجيء كل ثلاثة اشهر الى بغداد لغرض استلام ما وصل من الحصة، لأن الاجرة من بغداد الى اربيل وبالعكس لا تسد سعر المواد الغذائية في حال بيعها للوكيل، واضاف المواطن ان الغريب في الاجراءات التي تحصل الآن هي انه عندما تضيف مولودا جديدا الى البطاقة التموينية وتحاول ان تجعل حصته غذائية بدلا من الحليب، يرفض مركز التموين ذلك ويضيفه على مادة الحليب، في حين ان الحليب لم نتسلمه منذ سنوات، فضلا عن وجود امر آخر ان الطفل لا يضاف من تاريخ ميلاده الى الحصة، بل يضاف من تاريخ اصدار هوية الاحوال الشخصية التي يستغرق اصدارها سبعة أشهر على الاقل.
تلكؤ في التوزيع
تقول ام شاكر: "من سكنة الحرية" انني اشعر بدوامة لا اعرف لها بداية ولا حتى نهاية فأنا للحين لا اعلم وقتاً محدداً لتوزيع مفردات الحصة التموينية ففي كل مرة نتسلمها بتاريخ مختلف اي ان هناك تذبذباً في التسلم يرافقه على طول الوقت نقص في المفردات ما يتطلب جهداً اضافياً للعائلة عندما تضطر الى شراء بقية المواد لسد الاحتياجات الضرورية التي تعاني النقص منها. فمثلا لا يمكن الانتظار حتى قدوم الرز وهناك افواه صغيرة تنتظر من يطعمهم..
وتضيف: هذا التذبذب يؤدي الى قلقلة السوق المحلية وارتفاع اسعار المواد الغذائية التي تحتاجها الاسر العراقية خصوصا ذوو الدخل المحدود. فالسكر والسمن والحليب والشاي كلها اساسيات تحتاجها العائلة بالتالي تسبب خلق إشكاليات عديدة امام تلكم العائلات ذات الدخل المحدود وبالأخص منها الكثيرة الافراد علما ان هناك عوائل كثيرة تعتاش على بيع موادها الغذائية لتمشية امورها الحياتية.
دفتر تذكيري
بعدما تاهت في اشارات الصح والخطأ في دفتر الوكيل التي توضح تسلمها لمادة الرز مثلاً من عدمه او الشاي وغيره من المفردات قررت السيدة "ام سلام" ان تدون ما تأخذه من تلك المفردات في دفتر خاص بها تحتفظ به في المنزل بعيدا عن عين الوكيل قائلة:
لقد اختلطت الامور عندي وتشابكت ولا اعرف اية مادة تسلمت وفي اي تاريخ بالتحديد وكم شهر يرافقه استقطاع متكرر للمبالغ والامر برمته يعود الى الوكيل. عليه وضعت دفتراً تذكيرياً خاصاً بي ادون فيه كل مفردة من المفردات حين اتسلمها وامامه الشهر والمبلغ المستقطع على الاقل لأكون على بينة من امري وغير جاهلة بموضوع اعده مهماً جدا. وانصح بهذا كل ربات البيوت لكي نمنع اي تسرب او تهاون في هذا الموضوع ولا اعني اتهام وكيل معين لكن بشكل عام فالرقابة الشعبية مهمة جدا وتساعد على انتظام الامر.
علما ان المبالغ المستقطعة سابقا كانت رمزية لا تكلف العائلة ولا تشكل عبئا، اما الآن فقد تغير الحال وباتت المبالغ تزداد كل شهر عن سابقه من الاشهر.
مواد مختلفة النوعية والجودة
ويلفت نظرنا ابو فلاح من منطقة الكاظمية الى قضية اخرى تختلف تماما عما طرحناه من المعاناة في تسلم الحصة التموينية قائلاً:
ان موضوع الحصة التموينية يتخذ ابعاداً اخرى مهمة لا تقل خطورة عما يذكر ألا وهي قضية استبدال الحصة من قبل بعض الوكلاء المفسدين حال تسلمها من المخازن: اخي يسكن في منطقة اخرى غير التي اسكن فيها وكثيرا ما نتبادل المعلومات حول نوعية وجودة المواد الغذائية المتسلمة من قبله ومن قبلي خلال السنة. فأجد انه على سبيل المثال قد تسلم سمناً صلباً بينما في الشهر ذاته استلمت زيتاً سائلاً او عندما اتسلم رز عنبر هو بالمقابل يتسلم رزاً امريكياً وعلى هذا المنوال فهناك مناطق جيدة في تسلمها للحصة التموينية في حين هناك مناطق تعاني رداءة المواد المتسلمة. والحال ينطبق على بقية المواد مما يضطرهم في اغلب الاحيان الى بيع ما هو رديء واستبداله بشراء ما هو افضل واجود وصالح للاستهلاك البشري.
وأضاف: نرجو ان تكون هناك اجراءات ادارية احترازية تتعلق بمتابعة ومحاربة الفساد الاداري وكشف المفسدين إضافة الى تفعيل الرقابة الشعبية والاخبار عن كل حالات الغش والفساد الاداري.
الى الوكلاء
حملنا في جعبتنا هذه الهموم والمشاكل وتوجهنا إلى الوكلاء متسائلين عما يجري من فوضى وعدم دقة في الاستلام وللبحث عن أسباب عدم توفير المفردات التموينية على دفعة واحدة دون اللجوء الى الوكيل ذهابا وإيابا عدة مرات. فكانت وقفتنا عند أحد الوكلاء الذي اشار الى جملة من المشاكل وطرح لنا المعوقات التي هي بعيدة عن انظار المواطن العراقي قائلا:
اولا واهم نقطة ان سبب تقطع وتذبذب التسلم راجع الى تأخير تسلمنا للمواد الغذائية فهي لا تأتي على شكل دفعة واحدة بل حسب ما موجود في المخازن إضافة الى ان كل منطقة لديها جدول زمني خاص بمعنى ان مفردات البطاقة التموينية يتم تسليمها للوكلاء تباعا كلاً حسب منطقته فمثلا يتم تسليم منطقة الحرية اولا بعدها يتم تسليم المفردات الى الكاظمية وتتبعها منطقة الدولعي وهكذا فمن غير الممكن ان تأتي الشاحنات بوقت واحد واحيانا يحدث تغيير بالجدول فيقوم الناقل بجلبها الى الوكيل مباشرة وعلى الوكيل دفع اجور النقل في ضوء التخصيصات التي وضعتها وزارة التجارة نحو 50 ديناراً مقطوعة للشخص الواحد في حين التمن وحده يحتاج نقله مبلغ 1000 دينار لكل كيس وكذلك السكر يحتاج الى نقل 500 دينار لكل كيس وهذه مبالغ تثقل كاهل الوكيل كثيرا وامور لا يعرفها المواطن بتاتا اضافة الى ذلك متطلبات الناقل تزداد عن الحد المقرر لانه يدخل الى المخازن اكثر من مرة لنقل بقية المواد المتأخرة .
واشار: ان القرار الأخير بالغاء دور الناقلين سبب لنا مشاكل ومتاعب كثيرة فلقد بات الامر اكثر صعوبة على الوكيل وتحمل مسؤوليات اكبر في كيفية ايجاد السبل لنقل المواد من المخازن الى مناطق سكناهم ، فلقد كان الناقل سابقا متعاقداً مع الدولة فإذا قبض اكثر من المبلغ المقرر تكون هناك رقابة ومحاسبة لكن الآن تغير الوضع والعبء بأجمعه ينصب على اكتاف الوكيل.
رحلة في وسائط متعددة
وشاركه في الرأي وهو يتحدث بألم وابتئاس وكيل آخر قائلا:
هناك جملة امور تتعب الوكيل وقضايا لا يدركها المواطن حتى وان قمنا بشرح العملية كلها ففي عقله مبدأ واحد ان الوكيل مقصر بكل الاحوال بيد ان الامر غير ذلك فأجور العمال الذين يقومون بأنزال المواد من والى الشاحنة ونقلها الى الوكيل تؤثر مثلا في زيادة المبالغ المستقطعة من العوائل كلا حسب عدد افراد اسرته "بمعنى هناك عدة وسائط ومراحل تتم بها العملية حتى تصل الى ايدي المواطن" فمن اين يخرج الفرق الحادث او المبلغ الذي يدفعه الوكيل لإيصال المواد وتوفيرها للمواطنين خصوصا وان تسلمنا للمواد يكون على شكل دفعات متقطعة وهذا الامر لا يعود لنا اطلاقا .
وأضاف: ان جودة ورداءة المواد لا يعود الى الوكلاء نهائيا فالدولة اذا كانت "توزع ذهباً نوزع ذهباً ، توزع تراباً نوزع ترابا" وايضا هذا الامر تابع الى وضعية المخازن من حيث جودتها ورداءتها وكذلك قلة السعة الاستيعابية للمخازن والعجز الحاصل في عدد السايلوات التي تؤثر على تذبذب التسلم لحين تفريغها من المواد تباعا.
وعاد واكد: ان التقلبات التي تحدث في الظروف العراقية من شحة البنزين وغلائه وزيادة اسعار النقل كل هذه الامور يتأثر بها اولا الوكيل وثانيا المواطن بالدرجة الاولى. لكن مع ذلك هناك مناطق تعاني سوءا في عملية التوزيع والتجهيز بسبب وجود وكلاء وناقلين متعبين لا تهمهم مصلحة المواطن الذي يحتاج الى تلك المفردات بشكل مستمر واساسي، وهناك بالمقابل وكلاء المواطن يثمن جهودهم لالتزامهم بالضوابط التي تعتمدها وزارة التجارة سواء في الوقت والنوعية ما يجعل المواطن مستمراً وباقياً على وكيله.
الخوف.. الخوف!
استغربنا ونحن نقوم بتحقيقنا هذا موقف أحد وكلاء الحصة التموينية بعد أن رفض رفضا قاطعا أن يدلي بتصريحاته وشكواه من موضوع الحصة التموينية وتأخيرها، وتحمله لوم الناس له بسبب رداءة المواد وتأخيرها بالأخص مفردة "الرز الهندي المتعفن التي اثارت جدلا كبيرا".
الوكيل كان يخشى بالدرجة الاساس أن تعلم وزارة التجارة بتصريحاته المنتقدة لأدائها الذي لم يخل من صفقات فساد خصوصا فيما يخص موضوع الحصة التموينية، حيث اشار انها ستقوم مباشرة بسحب الوكالة، التي كان قد استلمها بشق الانفس من الوزارة، وبذلك سيخسر مصدر رزقه الذي يعيل عائلته به.
وأضاف: ان الوكيل ملزم باستلام المواد رغما عن انفه ولا يمكن له الاعتراض على الاطلاق، كما اوضح في حديثه ان الحصة التموينية في العراق مرت بحقبة طويلة من الاختلاسات وتبديد اموالها بدون مراقب في الفترة التي اعقبت عام 2003، فخف وزنها إثر اختفاء معظم موادها، فضلا عن شكاوى المواطنين المستمرة من تأخر تسلميها، وتدني نوعية فقراتها.
الخطر القادم
الاخطر في ما يحدث الان في العراق هي محاولة خصخصة قطاعات ترتبط ارتباطا مباشرا بحياة المواطن وتوفير الاحتياجات الاساسية له. ويأتي في مقدمة هذه القطاعات: البطاقة التموينية والكهرباء، وان كانت الاولى لم تعلن عنها الحكومة بشكل واضح الا انها لجأت الى الغائها بشكل تدريجي خلال السنوات الماضية، وبعد انتقادها لكون سلوكها هذا يمهد لخصخصة مفردات البطاقة، تلجأ في كل مرة الى نفي ذلك، الا أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء كشفت الآن عن المستور وأنها بصدد دراسة، لتحويل ملف تأمين مفردات البطاقة التموينية من وزارة التجارة الى القطاع الخاص.
حيث ذكر بيان للأمانة، أن "الأمين العام لمجلس الوزراء، مهدي العلاق، عقد اجتماعا للّجنة العليا لإصلاح نظام البطاقة التموينية وفريق العمل المكلف بإعادة النظر ودراسة إنضاج تجربة اصلاح البطاقة التموينية في العراق".
واستعرضت اللجنة بحسب البيان "نتاجات النظام الجديد للبطاقة التموينية ضمن البيئة التجريبية في محافظة النجف الاشرف/ ناحية الحرية على وفق الإمكانات المتوافرة لدى الجهات ذات العلاقة لضمان تقييم التجربة ضمن التحديات والفرص الممكنة".
واكد الأمين العام لمجلس الوزراء "على اهمية إعداد قاعدة للبيانات، لحصر اعداد المستفيدين، لتضع في اولوياتها المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية، مشدداً على ضرورة تزويد وزارة التجارة بالبيانات الخاصة بالمشمولين بحجب البطاقة التموينية".
وناقش المجتمعون "المبلغ المحدد للحصول على مفردات البطاقة فضلاً عن قيام القطاع الخاص بتوفيرها بديل عن وزارة التجارة وتحديـد الخطوات اللاحقة في سبيل تطبيق النظام المذكور لغرض تثبيت كلفة الفرد الواحد شهرياً لمواد البطاقة التموينية، وقيام الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية بفحص مواد البطاقة التموينية التي سوف توزع في البيئة التجريبية من ناحية النوعية والجودة والآلية ووصول المواد في الوقت المناسب".
وأشار البيان الى ان "الاجتماع يأتي ضمن سلسلة من الاجتماعات لتطبيق نظام تمويني جديد "للبطاقة التموينية الالكترونية" يضمن توفيــر الامن الغذائي للمواطن".
وبالرغم من ان الحكومة الحالية والتي سبقتها تصرح ان الغاء البطاقة التموينية امر مرفوض، لكنها تتقاعس في توفير مفرداتها للمواطن. ثم طرح بعض النواب والوزراء استبدال البطاقة التموينية بمقابل مادي، وبين النفي والاثبات لا تزال البطاقة التموينية مفقودة في العراق الا في نطاق بعض المفردات التي يتأخر وصولها عن موعدها المحدد ما يضطر المواطن الى شراء احتياجاته من السوق الى ان تعود على هذه الحالة، واصبحت مفردات البطاقة التموينية جانبا ثانويا "وهذا ما تريده الحكومة بالتحديد، ان يتعود المواطن على تخلي الحكومة عن التزاماتها". وما يدعم توجهات المسؤولين العراقيين هذه شروط صندوق النقد الدولي الذي يرفض الدعم الحكومي ويدعم الخصخصة.