مجتمع مدني

في خضم تدهور العملية التعليمية مدارس طينية تهدد سقوفها رؤوس التلاميذ

ظاهرة المدارس الطينية، التي تنتشر في العديد من المحافظات والمدن والمناطق الريفية، تعد مثالا صارخا على تدهور المنظومة التعليمية في العراق. وتشكل تلك المدارس خطورة كبيرة على التلاميذ، لا سيما في موسم الأمطار، إذ انها معرضة للسقوط على رؤوسهم.
وكانت وزارة التربية قد كشفت في العام 2011 عبر وسائل إعلامية، ان عدد مدارس الطين في العراق يبلغ أكثر من 1000 مدرسة تقع النسبة الأكبر منها في محافظات البصرة وذي قار وميسان والمثنى والقادسية والنجف، ويخدم فيها حوالي 7000 معلم ومدرس. وما يؤسف له إن هذا الرقم في تزايد مستمر منذ ست سنوات، لا سيما في محافظتي بابل وذي قار، حيث تنتشر المدارس الطينية بكثرة، وغالبا ما تبنى على طلب أهالي المناطق النائية، بعد توفيرهم قطع أراض لإنشاء مدرسة من الطين أو أعواد القصب أو جذوع النخيل.
ومعلوم ان العراق كان من الدول المتقدمة في مجال التعليم، حيث حقق تقدماً كبيراً وطفرة هائلة في هذا القطاع، أما اليوم، وبالرغم من أن البلد يطفو على بحيرة من النفط والثروات، نجد أن أعداد الأميين وصلت إلى خمسة ملايين شخص.
وفي الوقت الذي تأخذ فيه الدول المتقدمة بأسباب التطور وتعمل على تعميم استخدام الكومبيوتر بدلا من الكتب والدفاتر، وتربط تلاميذ الصف الواحد بشبكة الكترونية مع مجمل المعلمين والقائمين على العملية التربوية والتعليمية، لنقل المعلومة في جزء من الثانية، نرى ان تلاميذ العراق وطلبته يتلقون تعليمهم في مدارس طينية بالية.
أجواء تعليمية صعبة
ويعاني الطلبة في المدارس الطينية شدة حرارة الجو في الصيف وبرودته في الشتاء القارس. فلا وسائل تدفئة ولا حماية لهم من تقلبات الجو. لذلك يثير هبوب الرياح أو سقوط الأمطار فزع الطلبة والأساتذة معا، حيث تفتقد غالبية المدارس في أرياف العراق الى الشروط الصحية اللازمة والخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، إضافة إلى انعدام وسائل التعليم الحديث. ومن المفارقات اعتماد تلك المدارس على الدوام المزدوج، حيث يستقبل المدرسون وجبتين من الطلبة يوميا!
الأمم المتحدة تساهم والحكومة تتقاعس
التقاعس الحكومي عن إعادة تأهيل المدارس، خاصة تلك التي طالها الدمار في المناطق التي احتلتها عصابات داعش الإرهابية، دفع بعض المنظمات الدولية إلى سد هذا النقص. فقد أقر قائممقام قضاء الفلوجة عيسى ساير العيساوي، عبر وسائل إعلامية، بمباشرة منظمة UNDP التابعة للأمم المتحدة بإعادة اعمار وتأهيل ثلاث مدارس متضررة جراء العمليات العسكرية في احياء مختلفة من القضاء، مضيفا أن نسبة الاضرار في الابنية المدرسية في الفلوجة كبيرة، ما يتطلب جهودا كبيرة لإعادة اعمارها.
بابل وذي قار.. نقص كبير في الأبنية المدرسية
رئيس مجلس محافظة بابل علي الكرعاوي، كان قد صرح عبر وسائل إعلامية، بان الحكومة المحلية ارتكبت خطأ فادحا حين قررت تهديم بعض المدارس على أمل بنائها وترميمها، مشيرا إلى حاجة المحافظة إلى أكثر من 500 مدرسة. وفي سياق ذي صلة، كشف رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس محافظة ذي قار شهيد الغالبي، في حديث صحفي، عن وجود 95 مدرسة طينية لم تشملها عملية الاعمار والتطوير في ظل الازمة المالية والتراجع في مجال البنى التحتية الخاصة بالتعليم، مضيفا ان البنى التحتية في قطاع التربية تعاني ازمة كبيرة في الوقت الحالي بالاضافة الى وجود مدارس آيلة للسقوط ولا تصلح للدراسة فيها.
التخصيصات المالية في جيوب الفاسدين
لم يساهم القائمون على التعليم منذ 2003، في تأسيس بيئة مدرسية نظيفة وصحية، في وقت تذهب فيه ملايين الدولارات الى جيوب الفاسدين ويفترش أبناء المستقبل الأرض. فقد كانت قد خصصت مبالغ مالية طائلة لقطاع التربية خلال السنوات الماضية، تقدر بعشرات المليارات، فيما لم يلحظ تطور ملموس في المباني المدرسية ولا في الأثاث والمختبرات، بسبب إسناد بناء تلك المدارس والتحديثات إلى فاسدين يستولون على الكثير من المبالغ. ان استبدال المدارس الطينية بأخرى عادية عملية تواجه دائما حقيقة الفساد الذي يقف لها بالمرصاد. فمشروع بناء 1550 مدرسة بدل مدارس طينية آيلة للسقوط في العام 2011، والذي تم عقد اتفاق فيه بين وزارة التربية ووزارتي الإعمار والإسكان، والصناعة والمعادن، توقف بسبب وجود تلكؤ وفساد تتحمله الوزارات الثلاثة، في حين لم يتم التعامل مع هذا الوضع او اتخاذ اجراءات حياله.
تردي البيئة التعليمية
من يتأمل حال التعليم في المدارس الحكومية لا يستغرب استمرار ظاهرة المدارس الطينية. فمعظم بنايات التعليم الحكومية لا تتوافر فيها دورات مياه صحية، وان وجدت فهي قذرة ومتآكلة، ناهيك عن عدم كفاية الصفوف, ووجود الجدران العفنة والقذرة. وتفتك الامراض بالاطفال من سوء البيئة المدرسية جملة وتفصيلا، بدءا بالبنايات وانتهاء بالمناهج واساليب التعليم القديمة التي تعتمد عل تلقين الطالب دون المشاركة في النقاش، ولا يوجد اي نشاط لا صفي لضيق الوقت في المدارس المزدوجة والثلاثية، فلا يمكن رعاية مواهب الاطفال، وليس للمعلم وقت لاكتشاف مواهبهم اصلا.
دروس الرياضة والفنية والرسم، هي الأخرى ملغية في معظم المدارس، فضلا عن ذلك ان التلاميذ يفترشون الأرض في العديد من المدارس، لعدم وجود ما يجلسون عليه.
أزمة النازحين تلقي بظلالها على التعليم
أزمة أخرى ساهمت في تفاقم مشكلة نقص المدارس في العراق، والتي تتمثل في نزوح آلاف المدنيين من المناطق التي سيطرت عليها عصابات داعش. فاتخذ الكثير من النازحين، من أبنية المدارس ملاجئ لهم، الأمر الذي ألقى بظلاله على العملية التعليمية وفاقم نقص الأبنية المدرسية.