مجتمع مدني

الألفيون: جيل التقنيات والتواصل الاجتماعي والمشاريع الفردية

عبدالكريم العبيدي
مَنْ هم الألفيون؟ هم الجيل الجديد، جيل الألفية، وهو الجيل الذي ولد بعد عام 1981، والمعروف باسم جيل "Y" بحسب البحوث والدراسات العالمية، وهو أكبر جيل منذ جيل مواليد الخمسينيات، ويقدر عددهم بنحو مليارين ونصف المليار عالمياً من المجموع الكلي للسكان البالغ أقل بقليل من سبعة مليار نسمة. ويقدر عددهم في الدول العربية بنصف العدد الكلي للسكان تقريباً.
فمن هم جيل الألفية وما الشيء الذي يجعلهم متميزين؟
مشهد قديم
"آه، ديكي، نحباني للو". لتكن هذه الصورة الأولى، وهي جملة صنعها الفنان الراحل سليم البصري في مسلسله التلفزيوني الشهير "تحت موس الحلاق"، واختزلت بطرافة مشهد مكافحة الأمية في العراق مطلع سبعينيات القرن الماضي، وسرعان ما غدت مادة للتندر بالأميين المصنفين بأمية قراءة وكتابة فقط، في وقت كانت أمم متقدمة تكافح الأمية الحاسوبية والتكنولوجية والوظيفية وغيرها. هذه الصورة غدت "قديمة"، رغم وجود صورة تراجعية تتناغم معها وهي وجود جحافل من التلاميذ والطلبة المتسربين من المدراس بسبب الفقر والمستوى المعيشي وانتشار البطالة وغياب البرامج الحكومية لمعالج هذه الظاهرة.
مشهد وسطي
صور هذا المشهد تعددت، وهي صور "وسطية" حصلت بين المشهد القديم ومشهد "الألفية" التي سنتناولها، وشهدت تحولات "طريفة" أيضا، وتمثلت صورته الأولى بإقدام "الكبار"، أرباب البيوت من متقاعدين وموظفين "شيّاب" وغيرهم على منافسة أبنائهم في التعاطي بخجل وأحيانا "بمراهقة متأخرة" مع السلع والمنتوجات وسائل التواصل الحديثة تحت تأثير شعور "الحرمان" منها، وبقدر ما يمكن أن نسميه نوعا من النكوص الا انه يبقى مشاكسة من نوع نادر، ربما لن يتكرر في أزمان قادمة، وها نحن ازاء صور طريفة من تلك التي تترجرج بين النكوص والمشاكسة، وقد تمتد لتلامس فضاء "الألفيين".
صورة ثانية
في الصباح، استغل استغراق ابنه في النوم، فمسك الريموت كونترول وراح يضغط على أزراره ويبتسم وهو يشاهد سيارة صغيرة تستدير الى الجانبين، أو تتقدم الى الأمام، أو ترجع الى الخلف طبقا لأوامره، وبعد أكثر من ساعة اكتشف أنه يلهو مع هذه اللعبة أكثر من ابنه الصغير الذي لم يأبه بها كثيرا!
عصرا، وجد صعوبة بالغة في مجاراة ابنه الصغير في احدى دسوت جهاز "الأكس بوكس" المثيرة، وظل ولده يقهقه ساخرا من أبيه الذي بات صغيرا ومتلهفا لتعلم ممارسة هذه الألعاب.
في المساء، جلس لصق ابنه أمام شاشة الحاسوب وراح يتابع حوارا سريعا بين ولده وشخص غريب تعرف عليه عبر أحد مواقع الدردشة وعقد معه صداقة عابرة، وحين نهض الصغير وخرج للعب مع أصدقائه خارج البيت، دخل الأب إلى موقع الدردشة "باسم جديد"، رحب به المشاركون، ثم طلبت منه فتاة أن يدخل معها في دردشة خاصة، وراحت تعلمه كيفية الوصول الى غرفة الدردشة.
سألته الفتاة: كم عمرك؟، فأجاب بسرعة: 16 سنة!
- العمر كله!
وبينما استغرق الأب "أبو 16 سنة" في حوار التعارف والهمس، كانت زوجته تقف خلفه وتتابع باندهاش ضرَّتها الالكترونية الجديدة وسرعان ما حدثت "طركاعة انترنيتيه امعدَّلة"!
صورة ثالثة
من مفاجآت الحب في الانترنت أن فتاة عقدت صداقة مع شاب لمدة ثلاث سنوات، ثم اكتشفت أن صديقها هو رجل في الستين من العمر، متزوج ولديه سبعة أطفال!
ومن قصص الحب في الانترنت، أن متقاعدا "روحه خضره" عقد أكثر من صداقة مع أكثر من فتاة، وكان يعيد نفس "الجنجلوتيه" لكل واحدة منهن، وذات يوم اصطاد فتاة جديدة وبدأ بمسلسله الغرامي معها، وبعد الحلقة الثالثة منه، أكملت الفتاة له بقية الحلقات بالتمام والكمال وأخبرته باسمها المستعار الأول!
ومن قصص الحب في الانترنت، أن موظفا كان "غاوي شات" من الطراز الأول، وكان لديه عشرات الأسماء المستعارة، وكان ينسى صديقاته، وينسى ما اتفق معهن، على مشاريعه "الطياريه"، وذات يوم اكتشف أن ثلث صديقاته لسن فتيات وانما هنَّ شقيقه الأصغر المتنكر بأسماء نسائية، وأثبت بجدارة أنه ورث المهنة من أبيه ووصل الى مرحلة "الاستاديه"!
ولكن تبقى أغرب قصة من قصص الانترنت، أن شابا عراقيا مقيما في دولة أوربية وقع في غرام شابة عراقية واتفق معها على الزواج فجاء الى دولة مجاورة وتم عقد قرانهما وتزوجا فدخلت الحبيبة العولمة من أوسع أبوابها.
مشهد الألفيين
أظهرت عدة دراسات استقصائية أن جيل الألفية، على وجه العموم، هو ظاهرة عالمية، وإنه ذو عقلية مدنية ومجتمعية، وله مشاركة سياسية، ووجهة نظر عالمية تقدمية. ومن ضمن اهتمامات الألفيين الأولية مسألة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية وحالة البيئة.
ونظرا لكون المشهد الألفي مزودا بالتقنيات فإن أبناء جيل الألفية متاح لهم المعلومات والقدرة على التواصل وتكوين شبكات اجتماعية بصورة فائقة. وهم يبذلون مجهوداً مؤثراً ويطالبون أن تؤخذ مطالبهم بجدية.
ووفقاً لبعض الباحثين، فالأفيون أبعد ما يكونون عن الكسل، وهم بطبيعتهم أكثر الأجيال في ريادة الأعمال، فهم "رقميون بالفطرة"، وتسري قوة التقنية في عظامهم، ولا يخشون تسخيرها في التخطيط لمشاريعهم.
يقول أحد الباحثين الأجانب المتخصصين في ظاهرة الألفيين: "لدينا عقلية الميكروويف، يمكننا بناء موقع على الإنترنت في غضون 24 ساعة أو أقل، وإنشاء عمل تجاري في 72 ساعة". ويعتقد أن جيله مدفوع ليكون أكثر ريادة للأعمال بمزيج من اليأس لعدم وجود وظائف، وعامل آخر أسماه "عامل الروعة"، فهو يرى أن الألفيين يرون أن البدء بمشروع مبتكر جديد هو أمر "رائع"، لأنهم قد ولدوا ليغيروا العالم! ولا يمكنك أن تفعل ذلك من حجيرة مكتب صغيرة في شركة عملاقة. إن تغيير العالم يعني خلق الثورة الريادية، فأول ثورة ريادية ولدت في أمريكا في التسعينيات، بقيادة جيل الخمسينيات الذين اندفعوا نحو ريادة الأعمال بسبب ركود اقتصادي دفع الشركات إلى تسريح هائل للعمالة، أما هذه المرة فالثورة عالمية. كما أن ريادة الأعمال توجد في كل أنحاء العالم، حتى تلك التي تبدو خاوية منها، ولا يستطيع أحد أن يجادل في ذلك. فريادة الأعمال تعمل لصالح كل البلاد. وهي أداة قوية، وهي الحل لكثير من المشاكل التي نقابلها كمجتمع، وسوف تتحد المواهب في جميع أنحاء العالم تحت علم واحد هو ريادة الأعمال، فأنت لا تذهب إلى الحرب ضد الناس الذين تربطك بهم علاقات تجارية".
مسح احصائي
في مسح احصائي جرى في عام 2012 وفيه تم التركيز على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عاماً، في 12 دولة عربية - الدول الست في مجلس التعاون الخليجي "السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وعمان وقطر"، بالإضافة إلى العراق والأردن ولبنان ومصر وليبيا وتونس، وكان الهدف من البحث هو قياس وجهات نظر الشباب العربي من الرجال والنساء، فيما يتعلق بأثر ما يعرف بـ "الربيع العربي"، والديمقراطية، والنظرة الى الدول الأخرى، والاهتمامات الاقتصادية والاجتماعية، والقيم الفردية والاجتماعية، واتجاهات استهلاك وسائل الإعلام وعاداتها الاجتماعية، وقد أُجريت 2500 مقابلة وجهاً لوجه، وفيما يلي أهم النتائج التي توصل اليها المسح:
– الأجر العادل وملكية المنزل تحل محل الرغبة في الديمقراطية كأولوية قصوى وتشمل الأولويات الأخرى العيش بدون خوف من الإرهاب، إمكانية الوصول إلى إنترنت عالي السرعة، إمكانية الوصول إلى أفضل الكليات والجامعات، القدرة على تحمل تكاليف الكماليات، العيش في حي آمن، القدرة على الزواج وتأسيس عائلة، والحصول على رعاية صحية موثوق بها.
– غلاء المعيشة يبقى الشاغل الأهم لدى الشباب العربي: تشمل بواعث القلق الرئيسة الأخرى، مخاطر المخدرات، والاقتصاد، وخطر الإرهاب، وفقدان القيم التقليدية، والبطالة، ومستوى المعيشة، والفرص المتاحة للمرأة، الصراعات في الشرق الأوسط، وحقوق الإنسان، والفساد الحكومي، وصعود حركات الدينية المتطرفة، الاضطرابات المدنية، والنقل والسلامة على الطريق، والديون الشخصية، وجودة التعليم.
– يقول الشباب العربي إن غياب الديمقراطية والاضطرابات المدنية هي أكبر العقبات التي تواجههم في المنطقة: وشملت العقبات الإقليمية الأخرى التي ذكرها أفراد العينة، الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وانعدام الوحدة العربية، وانعدام وجود توجه سياسي معين.
– الشباب في المنطقة ينظرون إلى ما يعرف بأحداث "الربيع العربي" على أنه تطور إيجابي، ورغم حذرهم من نتائجها الا أنهم يشعرون بأمل وبتفاؤل أكبر بشأن المستقبل.
– يشعر الشباب العربي بتزايد مشاعر الثقة في وجود حكومة ويؤمنون بدورها في الادارة والاهتمام بالشعب ومتطلباته، ولكن لديهم مخاوف متزايدة بشأن الفساد الاداري والمالي.
– يتحدى الألفيون التوجه الجديد القيم التقليدية بطريقة متزايدة.
– ينظر شباب الألفية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة نموذجية. البلدان النموذجية الأخرى التي ذكرها من شملهم الاستطلاع هي تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر.
– ينظر الشباب العربي إلى فرنسا بنظرة تفضلها على كل الدول الأجنبية الأخرى، كما أن نظرتهم إلى الصين والهند آخذة في التحسن.
– ترتفع مشاهدة الأخبار بنسبة عالية جداً، وتقل مشاهدة الـتلفاز، في الوقت الذي تزدهر فيه المدونات.
- على الصعيد العالمي، يبين المسح أن جيل الألفية عموماً يشعرون بإيجابية وسعادة، وهم متفائلون حيال حياتهم الآن، وليسوا متخوفين من كلمة "فشل"، إذ ينظرون على أنها لا تقتصر على الفشل ولكن تشمل خوض التجربة واكتشاف ما يفيد.
- يعتقد جيل الألفية أن الإنترنت يغير الطريقة التي يفكرون بها بخصوص العالم. على سبيل المثال:"مصر 88 في المائة، السعودية 82 في المائة"، ونجد أن جيل الألفية في الشرق الأوسط أكثر إدماناً على الإنترنت من البلدان الأخرى.. 71 في المائة في مصر يرغبون في قضاء وقت أقل على الإنترنت ولكنهم لا يستطيعون. وفي السعودية النسبة هي 54 في المائة.
- يفضل الكثيرون من جيل الألفية البقاء في المنزل بدلاً من الذهاب في عطلة ليس فيها وصول الى الإنترنت. كما أن أكثر من أربعة من كل خمسة أشخاص في الشرق الأوسط هم على اتصال دائم بالإنترنت أينما ذهبوا.
- الروابط الأسرية هي واحدة من نقاط القوة في جيل الألفية، فهم يقدرون الأب والأم أكثر من المشاهير السطحيين، وهم يعتبرون آباءهم أصدقاء لهم، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يحترمونهم. واحد من كل ثلاثة سيختار أباه أو أمه كأفضل صديق.
- الصورة النمطية للشباب الذين يتمردون على آبائهم ليست منتشرة انتشاراً كبيراً، ففي كثير من الأحيان يكون الآباء هم القدوة النموذجية للأبناء بدلاً من المشاهير السطحيين الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل مصداقية.
- يستطيب جيل الألفية الخيارات المتاحة لهم، ولكن هذا لا يعني أنهم بالضرورة متمردون، بل يفضلون المناورة مع النظام وجعله مستمراً في العمل بدلاً من التمرد عليه. حتى في العلاقة مع آبائهم يكونون أقل تمرداً.
- أهم ما يميز جيل الألفية هو التعامل مع النظام بدلاً من التصادم المباشر معه، وهو نوع مناسب من المناورة مع النظام التي تسمح لهم بالتقدم في آخر الأمر.
- يوافق اثنان تقريباً من كل ثلاثة من جيل الألفية على مستوى العالم على أن خفة ظل المرء تساعده في الحصول على ما يرغب فيه.
- اقبال الشباب من مختلف الفئات العمرية على الانترنت والهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي بدأ مع أول ظهور لشبكة المعلومات العالمية الالكترونية وترسخت مواقعه في المجتمع العراقي بوصفه جسرا يربط بين البشر وبوابة لتدفق المعلومات بحرية. كما بات لها دور مهم في الحياة العامة وحياة الشباب بصورة خاصة، حيث أخذت رغبات الشباب العراقي تتجه نحو التعامل مع المواقع الالكترونية. وكما تشير بعض الاحصائيات العربية والعالمية فان هناك 2 مليار مستخدم للإعلام الالكتروني، 73 في المائة منهم اعمارهم 11ــ 40 و27 في المائة اعمارهم 40 فما فوق حيث اطلق على هذا الجيل جيل الانترنت لان التكنولوجيا غزت العالم في برامجها وأصبحت في متناول الجميع واحدثت تغيرا في المجتمع.
- هناك استخدام فعال في النت وهناك طفرة نوعية من عام 2010 لعام 2012 وزيادة في عدد المستخدمين في العراق حيث وصل الى 81 في المائة، وحصل العراق على المرتبة الثالثة بين الدول العربية في استخدامه للنت بعد قطر ومصر.
- ظهر من سلبيات استخدام الانترنت الابتعاد عن القراءة ومشاهدة التلفاز والتأثير على القيم الاجتماعية، فقد أصبح العالم منفتحا بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، فالحدث ينتقل بصورة سريعة لكل انحاء العالم، في الزمن السابق كان يجد صعوبة في الحصول على المعلومة والخبر الصحفي لعدم وجود النت، وكان الحصول على الاخبار العالمية عن طريق الانصات عبر الاذاعات العالمية، والأن أصبح من السهل الحصول على الخبر بشكل أسرع، ويرون أن صحفيي جيل الألفيون أكثر حظاً، واصبح المتلقي هو صاحب الخبر وكاتب العمود من خلال استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الفيسبوك وتويتر.
- هناك الكثير من الامور السلبية في تعاطي الشباب الألفي مع المواقع الالكترونية بسبب عدم وجود رقابة حقيقية، فيما هناك من ينتحل اسماء شخصيات معينة ويسرق الافكار عن طريق المواقع الالكترونية. بالمقابل وجد ان كثيرا من الاسماء شقت طريقها من خلال المواقع الاجتماعية وحظيت بأعجاب الكثير وان هناك عددا كبيرا من الشباب يرى ضالته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
موجة فنية ألفية
موجة متنامية من الشباب العراقي الألفي يبحثون عن أقصر طريق يوصلهم إلى عالم الشهرة، بعد أن ضاقت عليهم الآفاق وأصبحوا يعيشون في دوامة من العنف.
ولوحظ إقدام المئات منهم على أداء الأغاني وتصويرها، وتسجيل ألبومات غنائية وبثها على مواقع الإنترنت، في محاولة عزاها الباحثون الاجتماعيون إلى البحث عن الذات في وضع اجتماعي وسياسي مشتت ومرتبك.
ويبدو أن من أبرز أسباب هذا التهافت ، رغبة الشباب في الشهرة السريعة وجني الأموال وإغراءات السفر، والعديد من الأمور الشخصية الأخرى التي يتطلعون إليها.
ألفيون فوق العادة!
تستعد اليوم الكثير من الشركات والمؤسسات العربية والعالمية وبجدية للتعامل الواقعي مع طلبات وتبعات هذه الفئة العمرية "الألفيين"، لأنهم دون أدنى شك يُعتبرون الفئة العمرية الأكبر من الناحية العملية، وبالتالي فإن تبعات قراراتهم لها صدى، ولهذا ترى هذه الشركات وجوب تغيير للمسار المهني لموظفيها ليصبح أكثر جاذبية وقبولا لجيل "الألفيين"، لأن لديهم اهتماما أعمق وأكبر بتحقيق المنافع الشخصية لهم أولا، وبعد ذلك تأتي المنافع الخاصة بالشركة التي يعملون فيها. وهذا تماما عكس ما كانت عليه فئة "المواليد القديمة" لموظفيها، فباتت تعتقد أن الألفيين هم تجسيد حقيقي لقيمة النرجسية التي ترتبط مع الأنانية في هذه الفئة العمرية والتي تنحصر في مواليد فترة الثمانينات حتى الألفية، وهم يدخلون الآن أسواق العمل بكثافة، ويشكلون الذوق العام الجديد بقوة في أكثر من قطاع. ولعل أهم ملامح هذا الجيل الألفي هي قدراتهم ودرايتهم العالية بالتقنية الحديثة، والحس والإدراك الاجتماعي المميز والتفكير الأناني الواضح. وهذه الصفات كانت لها نتائج واضحة الملامح على صعيد عالم الشركات والاقتصاد، ومن أبرزها إجبار الشركات على استحداث مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت للترويج والتواصل والتعريف عن نفسها مع عملائها، هذا كان نتيجة الدراية والبلاغة المميزة في مجال التقنية العالية. أما بخصوص الحس والإدراك الاجتماعي وأثره فيكون بأنه يزيد من الإدراك الاجتماعي، وبالتالي الالتزام ببرامج المسؤولية الاجتماعية الناجحة والحذر من الخطأ في التعامل، وحفظ حقوق الإنسان والأقليات والعمال والموظفين وعدم التمييز والتفرقة
يقول جمال حسن، طالب دكتوراه في الهندسة:" بدءاً سأطرح مثالا عن التلفزيون. هناك من يعتقد أن التلفزيون مجرد أداة للتسلية. هذا الاعتقاد بنظري بات قديما، فهناك جملة من الإحصائيات والأرقام التي تدل على حجم استخدام "الألفيون" للتلفزيون ولوسائل التواصل الاجتماعي, ومدى تأثير هذا على الشباب الألفي الذي يتصف بالتمرد أو على صنع حالات تمردية, بما يدل على وجود علاقة تفاعلية كبيرة من فئة الشباب مع تلك الوسائل, ما يستوجب قراءة جديدة لطريقة تفكير هؤلاء الشباب وما يشدهم من المسائل والأمور, فمن المؤكد أننا في زمن تعاظم فيه دور الإعلام بشكل عام، "التلفزيون بفضاءاته المفتوحة على العالم, ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها من الفيس بوك والتويتر والواتساب والانستغرام.. إلخ, إلى جانب مواقع الرأي، سواء في الصحافة أو المدونات أو المواقع الإلكترونية، لذا غدا التلفزيون، على سبيل المثال متجاوزا لطور التسلية في كل دول العالم, حيث أصبحت هذه القنوات إحدى الوسائل المهمة لصناعة الرأي أو لتوجه المشاهدين من خلال استقاء الرأي عبر التحليلات والبرامج الفكرية والحوارية وغيرها. إلى جانب أنها فضائيات مفتوحة على ثقافات وعادات وتقاليد وفنون الكثير من دول العالم, وخاصة مع تحول تلك القنوات إلى ما يعرف بـ "الاستقطاب الإلكتروني" للمتابعين, وكل ذلك يدل - وخاصة في الإعلام غير العربي إلى جانب العربي - على أن الفضائيات "التلفزيون" لم تعد مجرد وسيلة للتسلية, وإنما هي أيضا وسيلة للتوجيه الفكري والسياسي والمعتقدي والثقافي بشكل عام أو لصناعة الرأي والدور"!
وأضاف: "إن دور الإعلام المفتوح بكل وسائله ومنها الفضائيات أو التلفزيون أصبح اليوم هو الأكثر أهمية في تلقي المعرفة والمعلومة لدى الجيل الألفي، وخاصة في ظل "تراجع" تأثير الكتاب أو المطبوعات بشكل عام أو الكتب المعرفية الموسوعية أو العميقة في عصرنا الراهن, وإحصائيات المبيعات للمطبوعات عامة وللكتب العربية خاصة تدل على ذلك"!
من جانب آخر, يرى جمال الحسن أنه "ازداد تأثير الشباب الألفي الذي أقبل بشراهة على وسائل التواصل الاجتماعي تحديدا, في صناعة الرأي, ما يجعل من السؤال عن "الجهات التي تغذي الشباب اليوم بتوجهاته"، سواء في تغيير المجتمع والقيام بحركات تمردية في الشارع, أو تجييش الرأي عبر وسائل التواصل الإلكتروني ، والمثال ما حدث في ما يعرف بـ "الربيع العربي" بحسب التسمية - سؤال مهمًّ عن مدى استيعاب الشباب الألفي، وخاصة لدوره الجديد؟! والذي وجد نفسه فيه من دون أن يسعى إليه, وإنما سعت "مراكز ومعاهد التغيير" إليه لتوظيفه وتوجيهه, وسعت "المافيات الإلكترونية الاستخباراتية" التي تصطاد عقول الشباب, لتوجهات "سياسية أو معتقدية متطرفة أو إباحية", بحيث أصبح هذا الشباب هو ظاهرة ألفية جديدة في كل المجتمعات وعلى رأسها المجتمعات العربية، لأن عقول شبابها في بؤرة الاستهداف ثم التوجيه"!
وحتى لا نطيل، يقول جمال:" فإن دور الفضائيات وجميع وسائل الإعلام في نشر القضايا الأساسية أو التعتيم عليها أو توجيه الرأي فيها وخاصة الشباب الألفي، سلبا أو إيجابا، لم يعد أمرا يستهان به, ولم يعد مجرد تسلية كما يعتقد البعض! بل هو في صلب قضايانا الأساسية اليوم, ومن خلال دور الإعلام عامة تتحدد مصائرنا!
وفي هذا الإطار كان من الضروري أن يخفّ الدارسون إلى رصد وتحليل تلك المستجّدات، التي طرأت، وما برحت تطرأ على العراق، وكما نعرف فأن أفراد هذا الجيل الجديد يزيدون نسبياً عن سابقيهم من حيث أساليب المعيشة الحضرية، وارتفاع مستوى التعليم ومهارات التفاعل مع آليات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فضلاً عن توّجه أكثر عقلانية تجاه العقيدة الدينية.
ورصد الحسن مشاعر الإحباط وربما الاكتئاب التي طالما راودت، بل نقول غمرت، شرائح عديدة من هذا الجيل إزاء ما عاينوه وعايشوه أو حتى تسامعوا به من حالات وأحداث فادحة السلبية انتابت حياتهم، وأعاقت مسيرة التقدم على صعيدها، وفي مقدمة هذه السلبيات استشراء آفة المحسوبية والفساد، لكنه ما زال يراهن على قدرات وطموحات أفراد هذا الجيل الألفي المشاكس الجديد.