مجتمع مدني

نحو تحقيق مستلزمات تطبيق قانون التعليم الإلزامي / نعمة عبد اللطيف

"إذا لم تستطع إلا أقلية ضئيلة المشاركة في لغة الفهم، وفي إمكانية العمل، اصبحت إنسانيتنا في خطر كبير.. يجب أن نضيف إلى جهد بناء العالم جعل هذا العلم في متناول الجميع، بحيث تواصل الإنسانية مسيرتها في اتحاد كلي، دون طليعة معزولة، وجمهور لاهث وراءها.."، العالم والمربي الفرنسي الجليل بول لانجفان.
التعليم حق من حقوق الإنسان المعاصر، وضرورة من ضرورات حياته، وهذا ما جعل قضايا التعليم تحظى باهتمام متزايد، من قبل الرأي العام، وممثلي مختلف الفئات السياسية في جميع الدول، فقد ناضلت القوى السياسية التقدمية في البلاد الرأسمالية من أجل ضمان حق التعليم لكل إنسان مما أجبر كثيرا من تلك الدول على إجراء إصلاحات في ميادين التربية والتعليم. ونصت قوانينها على مجانية وإلزامية التعليم، في مراحله الأولية، فقد كان للتقدم العلمي والتكنولوجي أثره الكبير في هذا المجال، إذ إن كثيرا من الاصلاحات التعليمية جاءت نتيجة للحاجة الملحة للأيدي العاملة الماهرة التي يتطلبها التقدم الصناعي في الدول الرأسمالية المتقدمة. أما في الدول الاشتراكية اذ يحتل الإنسان فيها مكان الصدارة، فإن الأمر يتوقف بحق الإنسان في التعليم، بل يتعداه إلى توفير جميع الظروف والشروط الاجتماعية اللازمة لتحقيق هذا الحق. وقد ضرب الاتحاد السوفياتي السابق مثلا رائعا في هذا المجال. إذ طبق مجانية التعليم وإلزاميته والثورة ما تزال مثخنة بالجراح.

نبذة تاريخية:

أما بالنسبة للعراق فقد أعلن من الناحية القانونية الشكلية وبقالب مطاط، إلزامية التعليم الابتدائي منذ عام 1940 فقد نصت المادة العاشرة من قانون المعارف العامة لسنة 1940 على إن التعليم الابتدائي إلزامي. وللحكومة أن تعلن الزاميته، حيثما تتهيأ الظروف المناسبة لذلك. وجاء هذا القرار بعد نشر أول دراسة عن التعليم الإلزامي في العراق عام 1937 للدكتور متي عفراوي، بعنوان التعليم الإجباري في العراق.
في عام 1946 وضعت لجنة مشروع العشر سنوات التي ألفتها وزارة المعارف، مخططا بسيطا يهدف إلى إدخال نصف العمر المدرسي (6-12) سنة في المدارس موصية البدء في المدن.
في عام 1951 أوفدت اليونسكو أحد خبرائها لدراسة إمكانية تطبيق التعليم الإلزامي في العراق. وكانت النتيجة التي توصل إليها، إن ما يعانيه العراق من مشاكل اجتماعية واقتصادية، تفرض عليه الانتظار لحين حل تلك المشاكل.
في عام 1952 جاءت بعثة البنك الدولي ووضعت تقريرا عن اقتصاديات العراق ففندت رأي اليونسكو وقالت: "إن عنصر السرعة الذي تتميز به الحضارة الحديثة، لا يأذن بإرجاء البناء الاجتماعي في جوانب معينة، حتى إنجاز تعمير الجوانب الأخرى، وأكدت بإصرار قناعتها، بأن التعليم الإلزامي ذو أثر كبير في الحياة الاقتصادية للمجتمع، بل إنه هو نفسه يمكن أن يكون أداة من أدوات البناء الاقتصادي وتعبيرا من تعابير التقدم الاقتصادي. ولكن هذا الرأي لم يقنع المسؤولين حينذاك، لأن اللجنة التي ألفت في وزارة المعارف عام 1954 لدراسة إمكانية الشروع في تطبيق التعليم الإلزامي، أهملته وثبتت رأي خبير اليونسكو في إرجاء تطبيقه.
إن مسألة تطبيق التعليم الإلزامي لا تتعلق برأي هذا الخبير أو تلك اللجنة، وإنما تتعلق أساسا بموقف السلطة من قضايا الجماهير، إذ لا يمكن أن تعزل الإجراءات المتعلقة بالتعليم عن الإجراءات الاجتماعية الأخرى التي تمس حياة المواطنين وبشكل خاص الطبقات الكادحة، فليس غريبا أن تتشدق حكومات العهود السابقة بالتعليم الإلزامي وتستقدم الخبراء وتؤلف اللجان بدون أن تتقدم خطوة واحدة نحو تطبيقه، لأن موقفها من قضايا الجماهير معروف الاساس وتكمن اهميته الرئيسة في توفير فرص التعليم لابناء الطبقات الكادحة،صانعة التقدم المادي، وصاحبة المصلحة الحقيقية في تعميق الاتجاهات الحقيقية في التطورات الاقتصادية والاجتماعية واستكمال بناء المؤسسات الديمقراطية، والتي عانت الحرمان سنوات طوال، فضلا عن منح فرص لتعليم البنات اللواتي عانين الحرمان اكثر من الاولاد، بسبب قلة تقديم الخدمات لهن، ومكانة المرأة الاجتماعية المتردية، والظروف الاقتصادية القاسية التي عاشتها الطبقات الكادحة، ولذا فانه من الجوانب الاساسية لديمقراطية التعليم ان يوفر التعليم لكل طفل، ويستخدم خير الوطن وثروته من اجل رفاه جميع افراده، اضافة لما تقدم فان له مردوده الاقتصادي الذي يكمن في كونه يساعد في انجاح خطط التنمية الوطنية، ويساهم في صورة فاعلة في محو الامية بقطعه الرافد الرئيس لها.
لقد اصبح التعليم الالزامي ضرورة ملحة تتطلبها مرحلتنا الحالية، كما اننا يجب ان لا ننسى رياض الاطفال التي تشكل قاعدة النظام التعليمي والتي تتطلب الاهتمام والرعاية التامة والاهتمام الكبير من قبل المسؤولين. لقد صدر قانون التعليم الالزامي رقم 118 لسنة 1976 الذي الزم اولياء امور الاطفال في سن ست سنوات بادخالهم المدرسة الابتدائية ابتداء من العام الدراسي 78/ 79.

المستلزمات الاساسية

من اجل ضمان نجاح التعليم الإلزامي في انحاء العراق كافة لابد من توفر المستلزمات الاتية:
اولا: الملاكات التعليمية: ان توفير الملاكات التعليمية للتعليم الالزامي على جانب كبير من الاهمية، ولاسيما نحن نعاني عجزا جزئيا في اعداد المعلمين بعد التطور الكمي في التعليم الابتدائي، فقد بلغ العجز ما يقارب العشرة الاف معلم بعد ايقاف القبول في معاهد ودور المعلمين والمعلمات عام 68/69 وهذا ما دفع وزارة التربية الى فتح دور ومعاهد المعلمين والمعلمات وزيادة عددها، اذ اصبح 43 معهدا وبلغ عدد طلابها عشرة الاف طالب وطالبة وبرغم هذه الزيادة الا ان عددهم لا يسد العجز خلال السنوات الخطة.