فضاءات

عائشة خلاف في المقهى الثقافي العراقي بلندن / عبد جعفر

السلالم اللونية والأشكال الموسيقية، هو أسم الأمسية التي أخذت بها المؤلفة والباحثة الموسيقية عائشة خلاف زبائن المقهى الثقافي العراقي في رحلة موسيقية وفكرية ممتعة وذلك يوم 23- شباط (فبراير)2014.
في بداية الأمسية رحب الفنان علي رفيق بضيفة المقهى، مشيرا الى بحثها الدائم في الموسيقى وكتابها الأول
(فلسفة الموسيقى -التجربة الحسيّة والجماليّة للصوت-) ، الذي صدر مؤخرا عن دار الورّاق للنشر، الذي وقّعته في الختام.
والباحثة هي من مواليد عنابة في الجزائر عام 1951، تقيم مع زوجها الفنّان فيصل لعيبي صاحي في لندن منذ عام 1991. وهي حاملة شهادة دبلوم في التأليف و الكنتربوينت ( تقنية التأليف الموسيقي) من جامعة لندن - برباك وحاصلة على بكالوريوس في الاقتصاد السياسي و آخر في العلوم الإقتصادية من جامعة باريس الثامنة.
وهي بصدد إنجاز كتاب ثانٍ في التحليل والتأليف الموسيقي.
وفي حديثها الشيق الذي تخللته مقطوعات موسقية وغنائية وحوار مع الجمهور ، أوضحت الباحثة عائشة خلاف أن محاضرتها تتركز على الأشكال الموسيقية والسلالم اللونية على ضوء تحليل للنماذج الموسيقية: النوبة في الجزائر، والمقام في العراق، والدور في مصر، والموشح، مع عرض لونين موسيقيين لقارىء المقام العراقي يوسف عمر والشيخ الجزائري الحاج محمد الطاهر فرقني ونموذجين موسيقيين للفنانة أم كلثوم والفنان صباح فخري.
وأوضحت أن الشكل الموسيقي هو هندسة الملحن لحيز من الزمن كما يهندس المعماري حيزا من الفضاء. فالشكل الموسيقي هو الشيء الذي يقع على حاستنا السمعية كما يقع الشكل المعماري على حاستنا البصرية. والشكل المعماري هو شكل قائم ودائم في فضاء معين، بينما الشكل الموسيقي هو شكل قائم في زمن معين (الإيقاع) وهو مرهون بظاهرتين طبيعيتين: الزمن (الإيقاع) والطاقة (النغمة).
والسلم الموسيقي هو نغم أُعد ونُظم مسبقا والزمن (الإيقاع) هما عنصران أساسيان في إنشاء الشكل الموسيقي.
وأوضحت أن الأشكال الموسقية أربعة أنواع وهي:

- النوبة في المغرب العربي
- المقام العراقي
- الموشح
- الأدوار المصرية
1) النوبة الجزائرية: خمس حركات
- المصدر
- البطايحي
- الدرج
- الإنصراف
- الخلاصة
2) المقام العراقي: الأقسام الرئيسية
- التحرير
- الجلسة
- الميانة
- التسليم
3) الدورالمصري: أربع حركات
- الإستهلال
- الأغصان
- الأهات
- الردود
4) الموشح: أشتق إسم الموشح من الوشاح وهو رداء موشى بالزخرفة، والمراد بالتسمية هو إضافة تغييرات على شكل القصيدة التقليدية: تختلف الموشحات عن القصيدة بتنوع الأوزان والقوافي وهي خليط بين الفصحى والعامية.
وأشارت في حديثها الى دور السلم اللوني في بناء الشكل الموسيقي، وتساءلت: لماذا أسمي السلم الموسيقي بالسلم اللوني؟ لأنني لقد وضعت في كتابي الموسوم بـ "فلسفة الموسيقى - التجربة الحسية والجمالية للصوت" نظرية السلالم اللونية.
فكل شكل موسيقي يحمل أسم سلم معين يكون بمثابة عنوانه، نقول مثلا: مقام أو نوبة في السلم الأحمر وموشح في السلم الأزرق و أغنية أم كلثوم في السلم الأزرق.
وبعد ذلك قدمت نموذجين للّون الاحمر (الحجاز) وهما مقطع من مقام من أداء قارىء المقام العراقي يوسف عمر، وآخر من النوبة من أداء الشيخ الجزائري الحاج محمد الطاهر فرقني.
وأشارت الى أنه من خلال الاستماع نلاحظ قربهما الشديد والواضح وفي الوقت نفسه الأختلاف الناتج عن أسلوب التأليف و البيئة التي جاءا منها.
موضحة أن المغني صحيح بدأ القطعة الموسيقية في السلم الأحمر(حجاز) ولكنه يجول في السلالم الأخرى ثم يعود الى السلم الأساسي الذي هو عنوان القطعة الموسيقية، مثل الذي يخرج من بيته ويتجول ثم يعود مسرعا أليه.
وأكدت أن الموسيقى الشرقية والعربية بشكل خاص هي نتاج بيئتنا الواسعة والمتنوعة، ولا يفهمها الّا أهلها، والأستشراق غير قادر على فهم ثقافتنا أو تطوير موسيقانا فنحن المعنيين بهذه الأمور أكثر من غيرنا، وعلينا أن نبدأ بتعلم اللغة الموسيقية (النظرية الموسيقية) حتى نفهم هذا التنوع الموسيقي الذي تزخر به كل منطقة الشرق والمغرب العربي.
وأكدت أن الموسيقى هي نتاج حسي وعملي وعقلي، ورغم أن تراثنا سمعي، فأن الموسقيين أجادوا تقديمه عبر المران المتقن والمتواصل.
وفي تناولها لموشح في (السلم الازرق) "جدك الغيث إذا الغيث همى...." لأبي عبد الله إبن الخطيب الأندلسي الغرناطي المتوفي في عام 1374 ميلادي. أداء صباح فخري. اشارت فيه الى الزخرفة الموسيقية التي فيه، وكيف يتجول المؤدي في أجزاء الموشح بإنتقاله من السلم الأزرق، الى الأحمر والبرتقالي. وألاصفر في الجزء الثاني أما في الجزء الثالث يبدأ بالأحمر ثم البرتقالي لينتهي في الأزرق.
وتناولت الباحثة المحاولات الموسيقية الجادة الجديدة في مصر في طرق التأليف المستوحاة من الأدوار التي بدأت في النصف الأول من القرن الماضي على أيدي المؤلفين الموسيقيين أمثال محمد القصبجي، وزكريا أحمد ورياض السنباطي.
وقدمت نموذجا أغنية "أروح لمين" وهي في السلم الأصفر (الرست) من كلمات الشاعر المصري عبد المنعم السباعي،
و تلحين: المؤلف المصري رياض السنباطي وأداء أم كلثوم.
وأوضحت أن السنباطي وضع مجهودا كبيرا في بناء هذا العمل الذي يظهر قوته في إستعمال السلالم الموسيقية التي أختارها. إذ ينتقل في الحركة الأولى من السلم الأصفر الى ألأخضر والأحمر وفي الحركة الثانية ينقلنا من السلم الأزرق الى الأحمر، والبرتقالي، والبنفسجي، والأصفر ثم الأخضر.
أما في الحركتين الثالثة و الرابعة فيبدأ بالأزرق ثم الأصفر، والأحمر وينتهي بالأخضر .
وأشارت الى أن قوام نجاح أغنية "أروح لمين" يعود الى شاعرية النص ولحن رياض السنباطي والأداء الرائع لأم كلثوم، وجميعهم جاءوا في المرحلة التي شهدت نهوض مصر في ذلك الوقت.
وفي معرض أجابتها حول الأسئلة والمدخلات العديدة من زبائن المقهى، اشارت الباحثة الى أهمية الموسيقى في حياتنا فنلاحظ أن الاسلام أعطى زخما كبيرا للموسيقى بحكم دخوله في حياة الانسان بالتفاصيل، فتجويد القرآن والآذان يدخلان في صلب الموسيقى ، وترى أن لكل آذان، أثناء مرحلة الإزدهار الحضاري، سلم خاص به، ففي الفجر نسمع الآذان في السلم الأصفر (الرست)، وفي الظهر في السلم الأحمر (الحجاز) وفي العصر في السلم البنفسجي(الصبا) وفي المغرب في السلم الأزرق (السيكاه) وفي العشاء في السلم الأخضر (النهاوند).
وأكدت أن الموسيقى جزء مهم من الفكر وتعكس مستوى العلم والتطور الذي حققته المجتمعات، وشددت على أهمية أحياء اللغة الموسيقية (النظرية الموسيقية) وتعلمها بشكل جيد كي نحيي الكنوز التي تزخر بها كل المنطقة.