فضاءات

عمالة الأطفال في العراق تنتج أجيالًا من الأميين وتهدد المجتمع ! / وسيم باسم

تهدد ظاهرة عمالة الأطفال المجتمع العراقي، إذ يهجر الأطفال مدارسهم لتأمين القوت، بسبب شظف العيش، فيغدون أميين لا مكان لهم في عالم مهني يعتمد الشهادات والعلم.
تتوسع ظاهرة عمالة الأطفال غير المشروعة في العراق مع اطلالة جديدة لليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي يصادف في الثاني عشر من حزيران من كل عام. وعلى الرغم من أنها ظاهرة قديمة في العراق، لكن اتساعها أصبح مثيرًا للقلق في الوقت الحاضر، يهدد المجتمع في ظل حاجة الاسر إلى تأمين لقمة العيش، مع غياب التشريعات المنظمة، لانها تخرّج اطفالًا أميين ليس لديهم القدرة على التعلم مستقبلًا، اضافة إلى فقدانهم قدرات التواصل مع العصر الرقمي المعاصر.
شظف العيش
تبدو الظاهرة جلية اليوم في كراجات السيارات، ومعامل الطابوق الأهلية، وأماكن جمع القمامة، ومناطق الطمر، اضافة إلى الساحات العامة في مراكز المدن. يعمل راشد حسين (13 سنة) منذ ثلاث سنوات مع والده في معمل طابوق أهلي جنوبي بغداد، بعدما ترك المدرسة. ومن أجل خمسة دولارات في اليوم، يجهد راشد نفسه في العمل من السادسة صباحًا حتى الثالثة ظهرًا. ويعترف راشد انه نادم على ترك المدرسة، ويأمل أن يبدأ في الدراسة المسائية في السنة القادمة، بحسب والده الذي قال إن تأمين لقمة العيش اضطره إلى هذا الخيار الصعب. فوالد راشد يعمل في ?عامل الطابوق منذ سبع سنوات ولا يتجاوز دخله الشهري منها 300 دولار.
قال: «لا رقابة على عمل الأطفال، فالكثير من الصبية يعملون في المعامل المجاورة. ويجر راشد الطوب الجاف في عربة جاهزة إلى مكان التجهيز، كما تقع على عاتقه مهمة حمل الطوب الرطب وتجهيز الفرن به. وعلى الرغم من أن المهمة شاقة لفتى بعمر راشد، لكنه يقول إنه يعمل بسرور طالما انها تساهم في اعانة الاسرة على العيش.
عمالة رخيصة
تقول منظمة يونيسيف في تقرير لها: إن نسبة العمالة بين الأطفال في العراق تزيد عن 11 بالمئة من الأيدي العاملة، في حين تشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء وجود مليون ونصف المليون طفل يتيم في العراق. لكن صاحب العمل هاشم سلطان يؤكد: انه لا يرغم احدًا على العمل معه، وان رفضه عمل هؤلاء الأطفال معه معناه قطع ارزاقهم.
يضيف: «في كل الاحوال انا ابحث عن الايدي العاملة الرخيصة، والأطفال والفتيان هم الاقل كلفة في الوقت الحاضر، وتأتي بعدهم النساء». وأطلقت منظمة العمل الدولية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في العام 2002، لتسليط الضوء على مدى انتشار الظاهرة في العالم، والعمل على وضع حد لها.
ويخرج عليوي كاظم يوميًا في الصباح الباكر مع زملائه إلى مناطق جمع النفايات والطمر الصحي في الحلة، لجمع قناني البلاستك والعبوات الزجاجية لبيعها إلى مخازن تدوير النفايات. وبحسب كاظم، فان معدل دخله في هذه الصنعة غير الدائمة حوالى خمسة دولارات في اليوم، إذا تمكن من الحصول على مخلفات ثمينة، مثل علب الألمنيوم و البلاستيك والنحاس.
دخل شحيح
يعمل الفتى ياسر حسن في معمل لصناعة البلوك الاسمنتي، وتتلخص مهمته بحمل الحصى والرمل إلى القوالب في عربات. يقول حسن (13 سنة): إنه ترك المدرسة منذ أربع سنوات، ليعمل اولًا في معمل تدوير النفايات البلاستيكية، حيث تصنّف وتباع إلى اصحاب المعامل.
ومنذ حوالى السنة، عمل في هذه الصنعة لانها توفر له دخلا اكثر، سبعة دولارات في اليوم، «وهذا المبلغ يكفي والدتي لشراء الخبز والطماطم والخضراوات».
ولدى ياسر شقيق آخر هو علي (16 سنة)، يعمل في مطعم في مدينة المحمودية، فيوفر الشقيقان مبالغ بسيطة لتأمين لقمة العيش حيث يعيشان مع والدتهما في بيت من الطين والطوب في اطراف المدينة، على ارض متجاوز عليها.
ويجمع الفتى سعد هاشم على حماره بقايا المواد الغذائية، لكنه لا يتلقى على عمله دخلا، لأنه يجمعها إلى الماشية التي يربيها والده في البيت حيث يتم تأمين جزء من علفها من أماكن الطمر الصحي.
تهدد المجتمع
تقول الاكاديمية والباحثة في علوم الاجتماع هدى الخفاجي: أن الدراسات التي اعدها طلابها في الجامعة وباحثون آخرون تتفق على: أن عمالة الأطفال تهدد مستقبل المجتمع العراقي بكامله، «لأنها تخرّج اطفالًا اميين ليس لديهم القدرة على التعلم في المستقبل.
اضافة إلى فقدانهم قدرات التواصل مع العصر في المستقبل، في ظل حياة تتحول شيئا فشيئا إلى حياة رقمية تعتمد على العلم والدراسة».
وبحسب الدراسات، اغلب البالغين الذين قضوا طفولتهم في العمل مصابون بأمراض نفسية وتنتابهم عدائية شديدة ورغبة في الانتقام من مجتمع لم يتح لهم التعلم وتذكر طفولة سعيدة.
أضافت: «تؤكد الدراسات: أن الطفولة السعيدة وقضاء الطفل فترتها الزمنية في المدرسة هي الاسلوب المثالي للتربية، لكن الحياة العصرية تغيرت، ففي السابق كان الاباء يدعون ابناءهم الصغار يعملون لأن الحياة كانت تعتمد على الاعمال والمهن العضلية والخشنة، اما اليوم فأغلب الاعمال تعتمد على التفكير والعقل».
وأقر الدستور العراقي في العام 2005 حقوق الأطفال، وجاء في المادة 29 منه: «يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال كافة وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم». وترى الخفاجي أن ما يقلص الظاهرة هو توفير فرص العمل، وشمول الاسر الفقيرة بالحماية الاجتماعية، وتطبيق الزامية التعليم بشكل جدي على ارض الواقع، ومحاسبة الاسر التي لا تلتزم بذلك.