فضاءات

مســعود "فلسفة" : حنين لمدينة البرتقال وأهلها / كمال يلدو

لقبه اصدقاؤه بمسعود "فلسفة"، لأنه كان مغرماً بالفسلفة! ولأن عقله تفتق في زمن كان يسوده السلم الأهلي أواسط السبعينات، فقد تصاعد نشاطه الثوري ولفت له الأنظار، سواءً في وطنه، العراق، أو في منفاه الأول اليونان.
ولد مســعود خضرالقس يوحنان بمدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى، وانتقل وهو في التاسعة من العمر الى مدينة بعقوبة حيث كان يعمل أشقاؤه الثلاثة. فنشأ في اجواء عائلة متشربة بالفكر اليساري والشيوعي، ونمى عنده الوعي وهو في سن مبكرة وتفتقت مواهبه واتسعت قراءاته، لاسيما في الفن والأدب، مستفيداً من مكتبة العائلة، والتي كانت تضم أكثر من 3000 كتاب. وكبر نشطاً ومحاوراً جسوراً وعنيدا، ومؤمنا بأفكاره (وما زال كذلك حتى اليوم)، فتربص به بعض رجال الأمن بغية إرهابه وإرهاب عائلته، فلفقوا له تهمة، واعتقلوه وعذبوه واهانوه قبل أن?يطلقوا سراحه. ثم عاودوا ذلك ثانية وأرادوا اختطافه، فهرب، وأجبرته العائلة على الهجرة الى الخارج، فرحل الى اليونان!
في اليونان، عاد "مسعود" لنشاطه الثوري، وكانت اليونان حينئذ قلعة للثوريين في أوربا. والتحق للعمل في مصنع "السا" والذي ضم حينها تجمعاً للعراقيين الهاربين من جحيم النظام او الحالمين بغد افضل، وكان مختصا بصناعة علب الألمنيوم المستخدمة في تعبئة الأغذية، للاستخدام داخل اليونان وخارجه، وكان العراق من ضمن البلدان التي تستلم العلب وخاصة معمل التعليب في كربلاء، فصار العمال يكتبون الشعارات المناهضة للبعث ويضعونها في تلك الصناديق، فتقدمت الحكومة العراقية بالشكوى لصاحب المصنع على هذا العمل، فبادر الى فصل احد العمال الذ?ن اتهموا بكتابة الشعارات. انتفض "مسعود" بسبب ذلك وقاد إضرابا عماليا مطالبا الادارة باعادة العامل المفصول، فما كان من الإدارة الا ان اخبرت الشرطة والسفارة العراقية التي اتت على عجل، وقامت بتسفير "مسعود" الى بغداد. في بغداد كاد أن يفقد حياته، لكن تدخل الأهل والمعارف أنقذه من الموت في المعتقل، وحال خروجه فكر بالرحيل ثانية. وعام 1990، وعبر طرق وعرة وخطرة هرب "مسعود" الى الولايات المتحدة.
في حياة "مسعود" محطات حفرت خطوطها في الذاكرة، مشاركته وهو طفل في مسرحية "النخلة والجيران" وتجربته مع العمالقة الفنانين الكبار، إعتقاله لأسابيع في اليونان، وقسوة العيش في معسكرات اللجوء! لكن أجمل ما بقي في الذاكرة، بعقوبة الغالية ، مدينة البرتقال، وناسها الطيبين. ففي حنين مضن، يتذكر "مسعود" أسماءً لاتزال ترسل صداها بعيدا في المدى الأنساني الذي يلامس الروح التائهة بين حنين الوطن والعصابات التي تقبض بخناقه، الشاعر خليل المعاضيدي، الكاتب ابراهيم الخياط، عبد العظيم الكرادي، جمال محمد سـفر، هشام مطر وشقيقه الراح? عامر مطر، ناظم متي ومصطفى كلاز والعشرات الذين لا تحضره اسماؤهم، لكن وجوههم الباسمة ما زالت ماثلة امامه مثلما البرتقال في عبير بعقوبة الجميلة. وقبل هذا وذاك يبقى رسوخ وطنيته وإنتمائه الفكري علامة فارقة مع تقدم العمر. ويوجز أمنياته في العيد بأن يضع الحزب نصب اعينه تحقيق أقصى مشاركة في السلطة من اجل تحقيق اماني العراقيين، التي سيكون صعبا تحقيقها دون ذلك، مستذكراً الأبطال الشهداء الذين عرفهم، ويرى بأن راية الحزب بقيت خفاقة وتبقى كذلك بتضحياتهم الغالية.