فضاءات

ولد قبل 96 سنة وعمره الحزبي 57 سنة / عبد الزهرة العيادي

"اليمشي بدربنا شيشوف.. يا بو علي؟"دخل الرفيق هلال عجيل عذاب (1918) عامه السادس والتسعين، وهو- مثلما كان دائما- شديد التعلق بحزبه الشيوعي، يواصل النشاط الحزبي في احدى خلاياه، يدفع الاشتراك والتبرع، ويقرأ جريدة الحزب ومطبوعاته الاخرى، وهو ينتظر كل يوم، على احرّ من الجمر، تسلم "طريق الشعب" فاذا تأخر وصولها كان عتبه شديداً.
في عيد الحزب الثمانين اجرينا معه الحديث الصحفي التالي:

 كم كان عمرك حين انتميت الى الحزب الشيوعي العراقي وفي أي سنة؟

- بداية جئت من محافظة واسط ريف قضاء الحي ومن خلفية فلاحية قاصداً البصرة حيث سكنت في حي الجمهورية الذي كان معظم سكانه من العمال والكسبة. عايشت اضراب عمال نفط البصرة في مطلع عام 1953 واشتركت مع العمال في هذا الاضراب الذي استمر على ما اذكر حوالي خمسة عشر يوماً. وقد اشترك في الاضراب عمال ومنتسبو مصلحة نقل الركاب وبعض المدارس، وكان هتاف المضربين "نسفر تيسو وجلبه وياه"، وتيسو هو مدير شركة نفط البصرة آنذاك. وتكونت عندي فكرة عن مبادئ الوعي الطبقي وعن الحقوق وكيفية المطالبة بها. وفي هذه الفترة تعرفت على بعض العمال وكونت علاقات صداقة معهم.
بعد انتهاء الاضراب وعودة العمال الى العمل بدأت اقف في باب الشركة بانتظار العمل، وقد عملت لبعض الوقت بصفة عامل مؤقت (كجول) بعد فترة من الوقت حصلت على فرصة بصفة دائمة وذلك عام 1956. كانت اجور العمال متدنية جداً رغم الارباح الهائلة التي تجنيها الشركات. كان العمال على مستوى عال من الوعي لكن الشركات كانت ايضاً على دراية بهذا الوعي لذلك تزرع بين صفوف العمال عدداً من الجواسيس والعملاء وكانت الشركة تهدد العمال بالطرد في اية لحظة، فلا وجود للقانون ولا نقابات حرة تحميهم، والدولة في ذلك الوقت هي صنيعة بريطانيا.
في تلك الاجواء كان الامل المرتجى هو الحزب الشيوعي المدافع الامين عن حقوق الطبقة العاملة والمدافع عن مصالح كل الشعب بكل مكوناته. وكنت وقتها ابحث عن الحزب وتعرفت على رفيق من عمال النفط - شعبة الكهرباء، واذكر انه يدعى جوري السعد. واستمرت صداقتنا فترة من الحذر ليتأكد احدنا من الآخر. بعد هذه الفترة وتوفر الثقة بيننا بدأ يحدثني عن الحزب وعن المبادئ والافكار الشيوعية وكيفية الثبات على المبادئ وكيفية استيعاب سياسة الحزب والدفاع عن المبادئ والافكار وكيفية تطبيقها على الواقع. بعد ذلك زودني ببعض الادبيات وكتابات الرفيق الخالد فهد ثم بعد فترة قصيرة رشحني لعضوية الحزب وانتظمت في خلية مرشحين في منتصف عام 1957 وكان عمري 38 عاماً، كانت الخلية مكونة من ثلاثة مرشحين يقودها الرفيق سامي آدم واستمر عملنا حتى ثورة 1958 المجيدة في هذه الفترة اكتسبت شرف العضوية وانتقلت الى خلية اعضاء كان يقودها خير الله حطاب. بعد ذلك رشحت الى دورة حزبية وكان معي في هذه الدورة الرفاق صالح الشالجي ويونس علي وجوري الياس، وكان يحاضر فينا الرفيق عبد الجبار الشيخ. وفي سنة 1959 صعدت الى لجنة نفط الزبير وتسلمت قيادة خلية مرشحين مكونة من اربعة رفاق. وفي 1960 كلفت بقيادة خلية اعضاء مكونة من الرفاق علي عارف وعبد الحسين لازم وسيد عبدالله وكاظم علي وواصلت عملي الحزبي حتى انقلاب 8 شباط الاسود المشؤوم.

 هل سجنت؟ وفي أي سجن؟ ماهي الاحداث التي تتذكرها؟ وابرز الشخصيات التي تعرفت عليها في السجن وخارجه؟

- بعد انقلاب 8 شباط الاسود بفترة تم اعتقالي خلال حملات التفتيش الليلية وحشرت مع الجموع الغفيرة من الشيوعيين والوطنيين والديمقراطيين في نادي الاتحاد الرياضي. وبعد انقلاب عبد السلام عارف على الحرس توزعنا على المواقف. مكثت في موقف البصرة وفي مديرية الامن حتى الشهر الرابع من عام 1964 قدمت مع مجموعة من الشيوعيين الى المجلس العرفي العسكري الاول برئاسة سيئ الصيت شمس الدين عبد الله، فحكم عليّ بالسجن عشر سنوات مع الاشغال الشاقة. ارسلت بعد الحكم الى سجن نقرة السلمان مع كوكبة من المناضلين اذكر منهم نصيف الحجاج وهاشم الطعان وثاني السعد وياسين الزبيدي وعبد النبي كريم وابو توفيق وقاسم وجبار ورحيم وعباس السعد (وكلهم من الموانئ) وكثيرين غيرهم.
بتنا ليلة في سجن البصرة القديم وفي مساء اليوم الثاني نقلونا الى محطة قطار المعقل وعند العربة المخصصة لنا صدحت حناجر المناضلين بالهتاف بحياة الحزب الشيوعي وبالاناشيد والاغاني الوطنية والثورية "يلرايح للحزب خذني وبنار المعركة ذبني" و"السجن ليس لنا نحن الاباة، السجن للمجرمين الطغاة" و"الما يزور السلمان عمره خسارة" وغيرها من الاناشيد والاغاني الوطنية، وكأنهم ليسوا سجناء مسفرين الى نقرة السلمان كأنهم في سفرة سياحية.
وصلنا في صباح اليوم الثاني الى السماوة فوضعونا في قلعة قديمة محصنة اظنها من بقايا سجون الاستعمار البريطاني، بتنا ليلة واحدة وسفرونا في صباح اليوم الثاني الى سجن نقرة السلمان في سيارات خاصة مشبكة وعدد من المسلحات امامنا وخلفنا.
هناك في داخل السجن استقبلنا رفاقنا السجناء ووزعونا على القاعات، ونزلت ومعي بعض الرفاق في القاعة رقم ،2 وكان في هذه القاعة 120 سجيناً سياسياً من مختلف الدرجات الحزبية من العمال والفلاحين والعسكريين والمثقفين، منهم الزعيم ابراهيم الجبوري وعدد من الضباط.
كان مسؤول القاعة المناضل شهاب ذياب يساعده المناضل يحيى سلمان الجنابي، وكانت القاعة منتظمة من حيث توزيع الواجبات كان الجميع، يعمل من اجل الجميع، البعض داخل القاعة وواجبات البعض الآخر داخل السجن الكبير. الطعام موزع على شكل مجاميع كل اربعة في سفرة، وخدمة هذه موزعة على اربعة، كل يوم على واحد يقوم بواجب تحضير السفرة لرفاقه. وكانت تربط اعضاء السفرة علاقة مودة رفاقية وتعاون مبني على الروح الرفاقية الحميمة، وكانت سفرتي مكونة من المناضلين الملازم الاول احمد شهاب البياتي والملازم الاول طيار فريد صقر ورئيس عرفاء عسكري من اهل الحلة نسيت اسمه اقدم له اعتذاري اذا كان على قيد الحياة والرابع انا هلال عجيل من البصرة. وهناك واجبات كتنظيف القاعة وتحضير الشاي وامور اخرى.
اما داخل السجن فهناك واجبات كثيرة منها تحضير الطعام للسجناء وتنظيف السجن وورش للخياطة والحدادة وتصليح الراديوات والكامرات الصغيرة وعيادة طبية وصيدلية واشياء اخرى. فالسجن من الداخل يدار من قبل التنظيم الحزبي ولا نرى السجانين الا في اوقات التعداد فقط، سجن نقرة السلمان مكون من قسمين القلعة القديمة والسجن الكبير الجديد. في القلعة اخواننا الاكراد من الاحزاب الكردستانية اما الاكراد الشيوعيون فمعنا في السجن الكبير. وفي القسم الثاني الجديد المكون من عشر قاعات مستطيلة تسمى قواويش طول الواحد اربعون متراً يضم في داخله عدداً من المناضلين يتراوح بين 120 و 125 سجيناً وهم من خيرة ابناء شعبنا من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين الآخرين من مختلف طبقات الشعب من مدنيين وعسكريين وكادحين ومثقفين. يحيط بهذه القاعات سور عال بارتفاع ثلاثة امتار وعليه شبكة من الربايا الامنية يضم هذا السجن شخصيات مهمة مثل الطالباني ونعيم بدوي والفريد سمعان ومظفر النواب والعميد الطبيب الاختصاص رافد صبحي وقيادات حزبية مثل عزيز سباهي ويضم المناضل يحيى قاف وعبد الوهاب طاهر والنقابي الكبير صادق جعفر الفلاحي، وغيرهم من الاسماء اللامعة من مختلف المستويات. في داخل السجن كان هناك تنظيم حزبي ونشاطات اخرى اعلامية وثقافية وفعاليات منوعة: رياضية وفنية وتعليمية، مدارس لمحو الامية ونشاطات علمية كان يحاضر فيها المناضل الاستاذ مصطفى الدوغجي والثقافية يحاضر فيها المناضل النقابي الكبير صادق جعفر الفلاحي وغيرها من النشاطات، مسرح وندوات عامة واحتفالات في المناسبات الوطنية.
الشخصيات التي تعرفت عليها كثيرة جداً اذكر منها: شهاب ذياب ابو تحرير، كاظم علي جواد، عزيز خلف، عزيز عودة عبد الحسين علوان، وصالح الشالجي، وفاضل عبيد، والشاعر المبدع الفقيد ذياب كزار، وعبد الواحد كريم، وثاني السعد، وعباس السعد، ومتاني جبر وغيرهم، واعتذر لمن لم اذكر اسمه اتمنى للأحياء طول العمر والصحة ولمن رحلوا طيب الذكر.

 هل لاقيت مضايقات في عملك الحزبي؟.

- المضايقات كثيرة جداً من القوى التي لا تريد ان يمارس الحزب الشيوعي نشاطه بحرية، ساعدها تراجع عبد الكريم قاسم بعد النشاط التآمري على ثورة تموز الامر الذي اعطى الضوء الاخضر للقوى الرجعية وبقايا الاقطاع وكل العناصر التي تضررت مصالحها من نجاح ثورة 14 تموز المجيدة. تجمعت هذه القوى تحت شعار "يا أعداء الشيوعية اتحدوا"، وبدأت المضايقات وشنت القوى الامنية من ايتام النظام الملكي حملة اعتقالات واسعة شملت منظمات الحزب الجماهيرية: النقابات والاتحادات الطلابية والشبيبة والنساء والجمعيات الفلاحية، الامر الذي مهد لردة 8 شباط الاسود عام 1963. في هذه الفترة تم اعتقالي اكثر من مرة في عهد عبد الكريم وبقيت تحت المراقبة مثل كثيرين غيري، الامر الذي سهل على عناصر ردة شباط اعتقالنا بدون متاعب.

 رأيك في هذا الحزب الذي انتميت اليه طواعية، ولماذا بهذا العمر التسعيني وانت لا تفارقه؟

- الحزب الشيوعي يمثل كل الشعب وافكاره تقدمية وهو صادق مع نفسه ومع الناس، مبادئه سامية، والانسان عنده قيمة عليا وهو يسعى دوماً لاسعاد الناس بغض النظر عن هوياتهم وشعاره "وطن حر وشعب سعيد" وهذا يكفي ان اتشرف بالانتساب للحزب الشيوعي العراقي. اما اني لم افارقه فأني اعتبر ما بقي من عمري هو بفضل تواصلي مع الحزب الشيوعي ولو فكرت بالابتعاد عن الحزب سأكون قد حكمت على حياتي بالنهاية اما اذا أراد الحزب احالتي إلى التقاعد فأني سأكون طوع ارادة الحزب والذي يراه الحزب هو الصحيح.

 ما هي حصيلة انتظامك في الحزب اكثر من 56 سنة؟

- الحصيلة هي "اليمشي بدربنا شيشوف يابو علي" غير ان الشيوعيين ومن يمشي بدربهم ليس في حسابهم ربح أو خسارة، فلو فكروا بالربح لوجدوه بدون اي تعب، ولكن الشيوعيين اختاروا بقناعة ووعي طريق النضال الصعب من اجل شعوبهم ومن اجل ان تسود العدالة ومن اجل ان يزرعوا الفرح في قلوب الناس، وهذا هو الربح عندهم، وان من يقرأ التاريخ يجد ان هامش الحريات التي تتمتع بها الشعوب ورفع الظلم والعبودية عن كاهلها هو بفضل تضحيات الشيوعيين ايضا في انحاء المعمورة.

* كلمة منك أخيرة وانت بكامل حريتك؟

اتمنى ان اعيش فترة اطول لأرى راية الحزب الشيوعي العراقي ترفرف في ربوع الوطن وراية الاشتراكية ترفرف في ربوع العالم وقد قضى الظلم من على وجه الارض وزال الاستعمار والارهاب وساد السلام والوئام والمحبة بين كل الشعوب.
عاش الحزب الشيوعي العراقي. تحية طيبة لكل المناضلين السائرين على درب النضال. والمجد والظفر لحزبنا وهو يحث الخطى في عيده الثمانين.
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي الابطال والمجد والخلود لشهداء الوطن والشعب المدافعين عن العدالة.