فضاءات

تاريخ العملة العراقية محاضرة الدكتور فارس الخليلي في المركز الثقافي العراقي

مساء السبت 15/6/2013, ووسط حضور كبير للجالية العراقية والأصدقاء, نظم المركز الثقافي العراقي امسية ثقافية, استضاف فيها الدكتور فارس عبد الغني الخليلي متحدثا عن تاريخ وتطور العملة العراقية.

الدكتور أسعد راشد تحدث باسم المركز الثقافي العراقي, شاكرا الحضور والاستاذ المحاضر ومرحبا بالدكتور حكمت جبو القائم بأعمال سفارة جمهورية العراق.

هذه المحاضرة تمثل اهتمام المركز الثقافي العراقي بالطاقات والقدرات الثقافية والفنية والاكاديمية العراقية, ومحاولة تعريف الجمهور العراقي والسويدي بمنجزها الابداعي. الدكتور فارس الخليلي من الكفاءات العراقية المشهود لها في الطب, واضافة لاختصاصه هذا فهو مهتم بالشأن الثقافي والتاريخ.

الدكتور فارس الخليلي ابتدأ الحديث بالترحيب بالضيوف, شاكرا المركز الثقافي العراقي في السويد على التعاون والتنسيق والدعم لإقامة هذه الامسية الثقافية. وفي لغة جميلة وواضحة المعاني مر على البدايات الأولى في الطفولة والصبا وتعلقه وشغفه بالعملات, والعملة العراقية بالتحديد, والمساعدة الكبيرة التي قدمها له الاستاذ عبد الله شكر الصراف المهتم بتاريخ العملة, والتي اثرت في اذكاء موهبة اهتمامه بموضوع العملة. و تحدث عن النقود باعتبارها مصدرا ووثيقة مهمة تمثل الدولة, والدولة هي التي تتبنى اصدارها وبنسخ عديدة, وهي رمز الدولة وتعبر عن نظامها السياسي ودينها وفلسفتها, وتؤرخ لزمن اصدارها, وتضم رسوما تعبر عن الدولة وملوكها, وقد استفادت البشرية كثيرا في التعرف على التاريخ عبر دراسة عملاتها ومسكوكاتها.

في حديثه تناول الدور الذي قام به البابليون في توثيق التاريخ عبر الكتابة على الالواح الطينية, والتي كانت مهمة قياسا في الكتابة على الورق, والتي يمكن ان تضيع بتقادم الزمن, مقارنة بالعملات التي تبقى وتقاوم الزمن, كما ان التوثيق عبر العملات لا يمكن التشكيك والطعن به, مقارنة بأشكال كتابة التاريخ, لان العملات حقائق ووثائق ملموسة.

واستمر الدكتور فارس الخليلي في قصه الشيق الممتع, في استذكار تاريخ واثار مدينة بابل في العراق, حيث كانت واحدة من أجمل وأعظم المدن في العالم, وقد عرف الناس الكثير عن تفاصيل حياة البابليين لانهم وثقوا حياتهم عبر الكتابة على الرقم الطينية, وهي موجودة اليوم في متاحف العالم, ولم تعرف النقود في زمنهم, بل كان التبادل التجاري بالبضائع هو السائد, اضافة للتبادل بالمعادن كالفضة والنحاس, ثم ظهرت في اسيا الوسطى فكرة عمل النقود من المعادن, والتي أتقن الليديون صناعتها, وجعلوا عليها رمزهم حيوان الأسد, وقد عرف البابليون هذه النقود ولكن لم يستعملوها وارتضوا بطريقتهم في التبادل التجاري. ثم عرج في محاضرته على دخول الاخمينيين واحتلالهم لأسيا الوسطى والعراق, وتأسيسهم لإمبراطورية كبيرة, حيث سكت النقود في زمن داريوس احد ملوك الاخمينيين بالاستفادة من تجربة الليديين, ووضعت صورة الملك على العملة الجديدة, وقد سميت تلك العملة بالدارك, وهي أول عملة استخدمت في العراق و بابل العائدة الى الامبراطورية الاخمينية يومها.

ثم واصل المحاضر حديثه, متناولا الظروف التي مرت على الدولة الاخمينية, وهزيمتها أمام الرومان بقيادة الاسكندر المقدوني, الذي كان معلمه الأول ارسطو, وكانت في ذهنه فكرة توحيد العالم عبر احتلال جميع البلدان, وقام الاسكندر بسك عملة في بابل حيث وضع عليها صورة هرقل باعتباره رمزا بالنسبة له, وكان الحاكم المدني لمدينة بابل يكتب رمزا لاسمه على النقود لتصبح شرعية, وقد سكت في ذلك الزمن عملات على درجة كبيرة من الفن والجمال, وقد تم صهر العملة القديمة الدارك لتكون بدلها عملات اخرى, وقد سكت العملات حينها باليد, وكان العاملون على درجة كبيرة من الحرفة والخبرة, كما يذكر التاريخ عن سك عملة محلية بابلية في بابل تصدرها رمزها الاسد, وهي أول عملة وطنية عراقية عبر التاريخ. وبموت الاسكندر المقدوني انتشرت الحروب في المملكة, حيث عانى الشعب البابلي الكثير, ومن ثم جاء الأقوى الملك سلوقس وسيطرة الدولة السلوقية التي كونت إمبراطورتيها, حيث بنوا واحدة من اعظم مدن التاريخ(سلوقس) جنوب بغداد على ضفاف نهر دجلة الأيمن, وكانت مدينة يونانية بطرازها وانظمتها, واجبروا سكان بابل على الهجرة اليها, وفي هذه المدينة سلوقية سكت العملة من جديد باستبدال الرموز القديمة برموز تخلد السلوقيين واليونانيين, وقد ارتبطت هذه المدينة بقناة بين دجلة والفرات, واستبدل الملوك الذين خلفوا سلوقس العملات بوضع صورهم على العملات, وكانت على درجة عالية من التقنية والجمال. وواصل الدكتور الخليلي سرده لتاريخ العراق وارتباطه بعملاته, في الحديث عن دخول الفرس البارثيين وسيطرتهم على العراق بعد هزيمة السلوقيين, وقد قلد هؤلاء اليونانيين في لباسهم وعاداتهم, واستمروا في سك العملات في مدينة سلوقية, ولم يترك البراثيون اثرا يستدل به على تاريخهم, وتم معرفة الكثير عنهم عبر قراءة ودراسة العملات التي سكوها واصدروها, حيث اهمية النقود, وقد بنى البراثيون مدينة طيسفون والتي سميت لاحقا بطاق كسرى, وهي على الجهة الثانية من نهر دجلة, وبالمقابل لمدينة سلوقية, وفي هذه الفترة حصلت العديد من الدول على الحكم الذاتي وبدأت تسك عملها الخاصة بها, ومنها دولة جرسينا التي تضم البصرة وميسان والكويت, والتي بناها السلوقيون, وكانت عاصمتها " جراكس", وقد قل شأن هذه المدينة الدولة بعد تأسيس مدينة فرات والتي تعني الميناء, وبدأوا بسك العملات في هذه المدينة. وعن ظروف تلك الفترة تحدث عن الحروب الكبيرة بين الرومان والفرس والتي كان العراق مسرحا لها. ولم يسك الرومانيون عملا في العراق, عدى سكهم لعملة وحيدة في منطقة سنجار شمال العراق بعد تأسيسهم لميبوتاساميا, ثم جاء الساسانيون وبدأوا بسك نقودهم عبر إمبراطورتيهم الكبيرة, وقد غلب معدن الفضة على نقودهم واسموها بالدرهم وعليها صورة الملك وتاريخ العملة ومكان سكها, وسرعان ما ساءت اشكال العملات المتأخرة, ومنها التي ارخت لكسرى وغيره من الملوك. البيزنطيون استخدموا الدينار والفرس استخدموا الدرهم, والعرب في تلك الفترة استخدموا كلا العملتين, وكانت هناك تجارة كبيرة مع الدول. وواصل المحاضر حديثه مارا على فترة مجيء الاسلام واقرار النبي محمد(ص) بهذه العملتين الدينار والدرهم, ورغم وجود صور كسرى والملوك الرومان عليها, ولم يتم تحريم هذه العمل في زمن الاسلام, وبعد سيطرة المسلمين على العراق استمروا بسك العمل القديمة الساسانية والبيزنطية واستخدامها, ومن ثم اضيفت كلمة(بسم الله) في زمن الخليفة عمر بن الخطاب, حيث سكت في مدينة ميسان وغيرها من المدن, ومن بعدها بدأ القادة والملوك العرب بوضع أسمائهم على العملات بدل كسرى, وبقية صورة كسرى على النقود, ثم اجرى الحجاج تغيرات على العملة بكتابة اسمه واضافة كلمات جديدة دينية, وبعده سكت عملة بمثابة الدعاية السياسية (لا حكم إلا لله) في زمن الخوارج وملكهم قطر بن الفجاءة, ومن ثم التغيرات التي اظهرها عبد الملك بن مروان بوضع صورته بدل هرقل وكلمة لا الله الا الله محمد رسول الله في زمن 75 للهجرة وهي اول محاولة لتعريب العمل البيزنطية, وقد جوبهت محاولته بمعارضة علماء الدين, ومن ثم تم سك عملة اسلامية الدينار الاسلامي سنة 77 هجرية وتم تحريم استخدام العمل الأخرى حيث سكت عليها آية الاخلاص والتوبة, وهي موجودة اليوم في المتحف البريطاني, واستمر سك الدراهم في الكوفة وغيرها من المدن, ومن ثم ضربت وسكت العملات في مدينة واسط عام 84 للهجرة, وكانت هذه العمل جميلة ودقيقة في فنها ونقاء معدن الفضة المستخدم فيها, وهي تعكس غنى الدولة, وسكت العمل في كافة انحاء الدولة الاسلامية في العصر الأموي, حيث سكت النقود الفضية في العراق وفارس والأندلس وافريقيا وغيرها وفي نفس الوقت والقيمة النقدية, والذهبية كانت تسك في دمشق, واستمر العباسيون في سك العملات, وأضافوا اليها بعض الآيات القرآنية, وابتكروا كتابة اسم الخليفة القادم في العملات, وفي عام 202 للهجرة سكت اول عملة في عهد المأمون كتب عليها اسم العراق, ثم بدأ النفوذ التركي في العراق ومن بعدهم الحمدانيين, ومن ثم مجيء هولاكو وانتهاء الدولة العباسية حيث ساءت الاحوال بما فيها العملات. واختتم حديثه بالتجارب المختلفة لسك العملات في العراق وحتى العصر الحديث, وخضوعها في اكثر الاحيان لمواقف الحكام وسياستهم ورغباتهم في الشكل الذي يريدون أن تظهر فيه العملات.

الجمهور الكريم أثنى بالشكر والامتنان على الأفكار المتسلسلة والطرح السلس للمحاضرة, وتم تقديم العديد من الملاحظات والأسئلة, والتي حاورها الدكتور الخليلي وأجاب عليها.

المركز الثقافي العراقي في السويد قدم الشكر الجزيل للدكتور فارس الخليلي على جهده العلمي التاريخي في اعداد المحاضرة, وقدم له الدكتور أسعد راشد باقة من الورود باسم المركز الثقافي العراقي.

اعلام المركز الثقافي العراقي