فضاءات

حلمي أن أجد سريعاً علاجاً للسرطان / د . إبراهيم إسماعيل

كان لا بد للإرادة أن تتفوق على قسوة الطفولة التي عاشتها في أجواء من القلق على مصير والديها الشيوعيين المعتقلين والمطاردين، وخالتها التي تنتظر الموت في زنازين النظام البائد، وأن تمحو ما تركه فراقها لصحبها وعوالم طفولتها من ألم وهي تهاجر مع عائلتها هرباً من الفاشست، وأن تتغلب أيضاً على كل صعاب الغربة، كي تحقق الشابة ضفاف سرحان، تفوقاً علمياً يشار اليه اليوم في الكثير من المحافل المختصة في السويد.
فقبل أسابيع، منح معهد الكارولينسكا السويدي، والذي يعد من أشهر الجامعات الطبية في العالم، الطالبة العراقية ضفاف سرحان شهادة الدكتوراه في الطب على رسالتها الموسومة (هل يجب أن تُثبط أم تُنشط الخلايا الفتاكة الطبيعية في البيئة الدقيقة للورم)، كما منحها مقعداً لمواصلة البحث لما بعد الدكتوراه في نفس المعهد، فيما ستنتقل بعد ذلك الى جامعة مينوسوتا الأمريكية لذات الغرض. الدهشة والغبطة التي شعرت بهما، دفعتاني للإتصال بها وتهنئتها على هذا النجاح المتميز، وكان لي معها هذا الحوار السريع:

كيف لك أن تفسري لي، وأنا البعيد عن عالم الطب، معنى الخلايا الفتاكة الطبيعية؟

" تركز دراستي على الخلايا الفتاكة الطبيعية أو ماتعرف بـ (Natural killer cell) )، والتي هي مكون أساسي من مكونات الجهاز المناعي الفطري عند الإنسان، حيث تقوم بتخليص الجسم من الأورام ومن أية خلية تموضعت فيها فيروسات معينة، وذلك من خلال ما تفرزه من حبيبات صغيرة لبروتين يسمى البرفورين، والذي عند تحرره بالقرب من مكان الخلية الهدف، يُضعف الغشاء الخلوي لها، مما يسمح لبروتين أخر هو الغرانزيم والجزيئات المرتبطة به بالدخول لداخل الخلية، محرضاً إياها على الموت. في منتصف السبعينيات، أطلق الباحث السويدي رولف شيسلنغ، والذي كان أحد المشرفين على رسالتي، هذه الخلايا بالطبيعية على أساس خواصها الوظيفية، حيث وجد بإنها تستطيع تمييز خلايا معينة من ورم ما وتحليلها دون الحاجة الى تنشيط مسبق".
أذن لماذا يحدث الورم؟

"تحديد نشاط هذه الخلايا في البيئة الدقيقة للورم كان دوما أمراً مثيراً للجدل. فالبيئة الدقيقة للورم كما هو معروف تتكون من تجمع تعددي للخلايا وعوامل غامضة. إن الفشل في عمل الخلايا لتحقيق المناعة قد يكون بسبب تأخر الضغط المناعي المطلوب ضد الورم، مما يسبب إفلات بعض الخلايا، التي لم تكن منظورة، من قبضة هذا النظام المناعي، أو ربما بسبب القصور في قدرة هذه الشبكة الدفاعية من العمل في البيئة الدقيقة للورم".

وعلى ماذا تركزت دراستك؟

" على أمرين الأول زيادة نشاط الخلايا الفتاكة الطبيعية ضد الورم والثاني العوامل التي تثبط نشاط هذه الخلايا في البيئة الدقيقة للورم".

وماذا وجدت في دراستك؟

"لقد وجدت مثبطاً جديداً هو (B-AP15 ) الذي يُشعر الخلايا الفتاكة الطبيعية بخلايا الورم. إن تعاون هذا المثبط مع خلايا (T cell) والخلايا الفتاكة الطبيعية يعيق تطور الورم ويحّسن من قدرة النظام المناعي على المراقبة والرصد. كما وجدت بأن تعزيز تأثير خلايا (T cell) على الخلايا الفتاكة الطبيعية يحسّن كثيراً من تأثيرها السام على الورم".

وهل يختلف نشاط هذه الخلايا بين إنسان معافى وأخر مريض؟

"نعم، فقد وجدت بأن الخلايا المتفرعة تثبط تأثير الخلايا الفتاكة الطبيعية على الورم، في جسم المصاب بالسرطان، نتيجة سلسلة من التفاعلات البيوكيمياوية المعقدة".

ساهمتِ إضافة لدراستك في الكثير من النشاطات العلمية، أليس كذلك؟

"نعم، نفذت أو ساهمت في تنفيذ العديد من البرامج العلمية الخاصة بأبحاث المناعة، كما حصلت على العديد من أشكال الدعم المالي والعلمي من شركات ومؤسسات بحثية لأنجاز مشاريع تتعلق بتطوير مناعة الإنسان ضد الأورام. وأقوم حالياً بالتدريس في الجامعة وأشرف على رسالة ماجستير وعلى رسائل التخرج لطلبة البكلوريوس، إضافة الى عضويتي في منظمة Cambius التي تعني بالتبادل العلمي والتكنولوجي بين الجامعات العالمية وجامعة أوبسالا السويدية".

وماذا عن الغد؟

"أن أواصل بحوثي، فليس لي وقت فراغ أبداً، أنا في شغل مستمر في هذه المعركة الإنسانية ضد هذا المرض الخبيث، وحلمي أن أساهم في إيجاد علاج ينقذ الملايين من ضحاياه".

وما هي أحلامك الأخرى؟

"على الصعيد الشخصي، أسعى لأن أحصل على لقب البروفيسور قبل أن أبلغ الأربعين من عمري، لأسجل سبقاً مهماً هنا في السويد، وعلى الصعيد العام أحلم أن أرى العراق وطناً للجميع، أمناً وديمقراطياً ومستقرا."

وإهتماماتك الأخرى؟

"أهتم كثيرا بالحياة مع زوجي وعائلتي، فهم من منحني الحب والإهتمام المطلوب لأنجز ما حققت، كما أحب القراءة كثيراً والسباحة، وأهتم جداً بالطبخ إذا كان لدي وقت فراغ، فأنا طباخة لابأس بها".
ـ شكراً د. ضفاف، وألف مبروك. نحن على ثقة بقدرتك على تحقيق أحلامك الزاهية هذه.
ـــــــــــــــــــــــ
ضفاف سرحان: ولدت في العراق عام 1986، أكملت دراستها الجامعية عام 2008 من جامعة أوبسالا في السويد، وحصلت على الماجستير عام 2010 عن رسالتها (إستراتيجية جديدة لإستخدام العلاج الكيمياوي لتحفيز النشاط المناعي ضد الأورام) وحصلت على الدكتوراه عام 2014. نشرت العديد من البحوث العلمية المهمة في المجلة العالمية لأبحاث السرطان والمجلة الأوربية لأبحاث المناعة و مجلة Oncoimmunology وغيرها.