فضاءات

نصف قرن من العمل الإنساني / كمال يلدو

«من كان يتصور بأننا سنجلس يوما ونستذكر تلك البداية التي مضى عليها الآن 53 عاما، بين سيدات رحلن وأخريات مازلن مستمرات، ودماء جديدة تغذي نشاطاتنا بأستمرار. سعيدة أنا بتـاريخ جمعيتنا، وسعيدة اكثر بما تقدمه من خدمات للناس»، هكذا بدأت السيدة جين شلال رئيسة الدورة الحالية لجمعية النساء الكلدانية الأمريكية الخيرية والتي تنشط في مدينة ديترويت وضواحيها، حديثها معنا، مشيرة الى إنها تتذكر دوما عبارة جميلة تقول (إن العطر الزكي يبقى عالقا دوما في اليد التي تمنح الزهور للآخرين).

كيف كانت البدايات؟

« كان ذلك في العام 1961 حينما اجتمعت 10 سيدات كلدانيات في قبو أحد البيوت وقررن البدء بعمل خيري يهدف الى مساعدة العوائل الكلدانية (لم يكن غيرهم آنذاك) القادمين للعيش في الولايات المتحدة، وبالذات في مدينة ديترويت، والأخذ بيدهم وتقديم المشورة والمعونة لهم حتى يتدبروا امورهم ويعتمدوا على جهودهم. لم تكن هناك أية مؤسسة عراقية او كلدانية تقوم بتقديم المساعدة للوافدين الجدد، فيما كان حاجز اللغة عائقاً أمام الإستفادة من جمعيات العمل الطوعي والمساعدة المنتشرة في هذه البلاد».

ولكن مفهوم المساعدات، وخاصة للوافدين الجدد، واسع وكبير، فما هو بالتحديد نوع الخدمات التي تقدمونها؟

«في السنين الأولى، كنا نقدم بعض المساعدات العينية، اذ يتصل بنا أبناء الجالية ممن يمتلكون بعض الحاجات المنزلية الزائدة عن حاجتهم، فنقوم بنقلها للوافدين الجدد، هذا اضافة لخدمات الترجمة، والذهاب معهم للمراجعات الحكومية بغية انجاز معاملاتهم، وهذه الأشياء مازلنا نقوم بها لليوم، ويمكنني أن أعلن بكل فخر وأعتزاز بأن جمعيتنا الخيرية تملك الآن مخزنها ومكاتبها الخاصة عبر بناية كبيرة وواسعة ومستقلة. وهذا ساهم وسيساهم بتطوير وتسهيل مهمتنا كثيرا مع المتبرعين او مع المتلقين، ويتيح لنا استقبال تبرعات المواطنين من المواد والملابس وحتى الأغذية طوال السنة، وتوفيرها للمحتاجين ايضا، وسيسهل لنا عملنا المكتبي في ان تكون كل مكاتبنا في بناية واحدة، ناهيك عن الخدمات الجديدة التي استحدثناها والتي تتطلب مكاتب جديدة ايضا.

ربما سيكون من الأسهل على القارئ الكريم لو تفضلتِ بشرح جوانب نشاطكم الأخرى؟

«كان شائعا على جمعيتنا انها تقدم الملابس والأثاث للمحتاجين، وهذا شرف كبير، لكن مع مرور الوقت وأزدياد حجم الجالية وحاجاتها، ازدادت مهماتنا ومسؤولياتنا ايضاً. في الستينات كنا نقوم بمساعدة العوائل المهاجرة الجديدة بالمواد العينية، وبخدمات مجانية في النقل والترجمة، وتقديم مساعدات مالية (محدودة) للمحتاجين، والمشاركة في برامج مدينة ديترويت والبلديات والخاص بالأثنيات المختلفة في المدينة، بغية فهمها اكثر وتقريبها من بعضها ايضا، كبرامج لمساعدة كبار السن، وابتكار نظام التطوع للعمل الخيري بين الجالية العراقية. في التسعينات بدأنا ببرنامج تقديم المنح الدراسية للمتفوقين من ابناء وبنات الجالية، وخاصة اللاجئين او المحتاجين. في بداية هذا القرن استحدثنا برنامج تقديم النصائح للمتزوجين الجدد، وبرنامجاً لمســاعدة الأمهات حديثات العهد بالأمومة والولادة الخ، وبرنامجاً آخر يعنى بالمساعدة للتخلص من حالات الأدمان على المخدرات. كما استحدثنا خدمة مساعدة الوافدين في البحث عن فرصة عمل، وتهيئة الأستمارات المتعلقة او المساعدة في كتابتها ايضا، والأتصال بأصحاب المصالح من ابناء الجالية لتسهيل التعيين. نقدم خدمات في مجال الصحة وذلك بالتنسيق مع اطبائنا من ابناء الجالية وتوفير الفحوصات المطلوبة دون اية تكاليف او الذهاب الى مراكز تجمع المسنين والكبار وتقديم الفحوصات المجانية لهم، كذلك التنسيق مع الصيدليات التي يملكها ابناء الجالية لتقديم الأدوية مجانا او بكلف زهيدة جدا. وهكذا تلاحظ حجم التوسع الذي طرأ على عملنا عبر السنين، وهذه الخدمات هي ليست موسمية ، بل خدمات متواصلة على طول السنة، وهي تتطلب الكثير من الجهد والعمل والتنسيق، ويعود الفضل الكبير في ذلك الى المتطوعات الرائعات، والى دقة وحسن تنظيم عملنا.
وهل هناك نشاطات خاصة في المواسم؟

نعم نقيم حفلات خاصة في مناسبات الأعياد مثل عيد الميلاد ونقدم الهدايا للأطفال والمحتاجين، وعندنا عوائل تقوم بتبني عوائل (لاجئة) لتقديم المساعدات والهدايا بهذه المناسبة. كما نقيم الحفلات (المجانية) في المناسبات والعطل الرسمية وندعو لها الكثير من العوائل التي لا تمتلك الأمكانيات المادية، عندنا برنامج مرة في كل شهر مخصص للشباب والشابات، يشرف عليه العديد من خريجي الجامعات لشرح آفاق الحياة لهم في هذه البلاد، تنتظم العديد من الشابات في مجموعة اطلقنا عليها (الملائكة انجيلز) للتعامل مع الشابات القادمات، تنظيم العديد من الألعاب ومنها لعبة (البنكو) في العمارات السكنية للمسنين من ابناء الجالية، وأحيانا نأخذ معنا بعض (الطبخات الأكلات) الشعبية التي نهيئها في المنزل لتقديمها لهم. كما نقدم العديد من المحاضرات في الصحة العامة من قبل اطبائنا، وعلى صعيد محدود نقوم بتقديم المساعدات المالية في دفع استحقاقات الأيجارات لبعض العوائل المعدمة والتي لا تكفيها المعونات الحكومية، او ممن ليس لهم اي معيل. كما نقوم دوريا بحملات لجمع المواد العينية من العوائل، مثل الأثات والملابس ولعب الأطفال وكل ما يمكن ان تستفيد منه العائلة المحتاجة، وذات الشئ يجري مع الشركات التي تتبرع لنا بالأغذية المحفوظة او اي شئ يفيد الآخرين، ولا بد لي هنا من تقديم الشكر والتقدير للأخوة الذين يوفرون لنا مركبات النقل الكبيرة (لوريات) والسواق الذين يقدمون هذه الخدمات دون اية تكاليف، والى جميع المؤسسات الأعلامية التي تدعمنا عبر الدعاية والأعلان، وألى ابريشيتنا الجليلة وكل الكهنة، الذين لا يبخلون في دعوة المصلين لدعم مشروعنا الأنساني عبر منابر الكنيسة او محاضراتهم الدينية ، فهم حقا ابناء اوفياء لمبادئهم الأنسانية وللجالية الكريمة. اننا نهدف ايضا من نشاطاتنا ان نحافظ على التقاليد الطيبة للعائلة الكلدانية في المحبة والتعاون وحتى في الحفاظ على اللغة الكلدانية.

من اين لكم كل هذه الأموال؟

جمعية النساء الكلدانية الأمريكية الخيرية، جمعية انسانية غير ربحية وهي معفوة من الضرائب الحكومية، ومصادر تمويلها متعددة ومنها من اشتراكات العضوات واللائي يبلغن الآن 600 عضو، ومن واردات الحفلات الخيرية السنوية، ومن تبرعات عامة ابناء الجالية، ومن اناس معينين يقدمون لنا تبرعات كبيرة جدا (وفي اغلب الأحيان) لا يرغبون بالأعلان عن اسمائهم، لأنه عمل خيري لا يريدون الدعاية من ورائه، وأن كل العاملين (باستثناء 5 موظفين) يعملون بلا مقابل، لا بل انهم في كثير من الأحيان يصرفون من جيوبهم اذا اقتضى الأمر انجاح نشاط ما، وهذا يعني الآلاف من ساعات العمل من اجل خدمة ابناء جاليتنا العزيزة.

كلمة أخيرة؟

« إشتدت في الأونة الأخيرة المصاعب التي تواجهنا بسبب تزايد أعداد الوافدين من لاجئين ومهاجرين. ومعظمهم خسر كل ما يملك اما نتيجة اعمال العنف في العراق او في السنين التي قضاها في دول الجوار بأنتظار مصيرهم للقدوم لهذه البلاد. كما ان بعضا منهم حامل للكثير من الأمراض والعقد النفسية، متألم كثيرا من الثمن الذي دفعه نتيجة سوء الأوضاع، حزين جدا للفرص التي ضاعت منه اثناء بقائه في دول الجوار، والكثير منهم يعيشون حالة من الأنفصام والذكريات المؤلمة التي تلقي بأنعكاساتها عليهم، فعندنا شباب لا يرغب بالعمل، وآخر بلا أمل، وآخر مستاء من طبيعة حياته قياسا بما كانت عليه في العراق من استقرار قبل الحوادث المؤلمة، الا ان هناك مجموعة تعاني آلاما كبيرة، وتكتمها بصمت! هناك سيدة وصلت مؤخراً، تعيش محطمة الأن، فقد تعرضت للأختطاف، وحجزت في بيت لمدة شهر مع فتاتين وتعرضت الى شتى انواع المهانات والتعذيب وحتى للأعتداء الجنسي والأغتصاب، وبعد إن أخلي سبيلهن، ماتت المرأة الأولى والتي كانت دكتورة، وأنتحرت الشابة الثانية والتي كانت تبلغ 16 عاما، ووصلت هذه السيدة الى هنا في أصعب حال! إن هذا الواقع يحفزنا على العمل أكثر. إن 53 عاما من الخدمة العامة كفيل بأن يمنحنا تلك الراحة النفسية والأعتقاد بأن عملنا ونشاطنا وتعبنا هو محط احترام وتقدير من الجالية، ومن الذين تصلهم مساعداتنا ايضا. وهنا لابد لي من الأشارة، بأننا لسنا دولة، ولانملك آبارا للنفط! نحن مجموعة من السيدات، لنا عوائلنا وأهتماماتنا ومشاغلنا، لكننا نقوم بهذا العمل الخيري (ونطمح بالمزيد) بما تمليه علينا عقيدتنا المسيحية السمحة، وتقاليدنا العراقية الكلدانية، ووجداننا الأنساني، هذا العمل الذي عجزت عن تقديمه الحكومات المعنية اصلا تجاه
ابناء شعبها الأصيل. وقد كرم المجتمع الأمريكي لمرات عديدة نشاطنا الإنساني هذا».
الأتصال بالجمعية يمكن عبر البريد الألكتروني
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
آيار 2014