فضاءات

إشراقة / إبراهيم إسماعيل

يبدو إن الترابط بين النشاطين الاجتماعي والأكاديمي، صار سمة لحياة الأقتصادي العراقي الدكتور جاسم محمد حافظ. فمنذ نصف قرن، وهو يوزع زهور جهده على هذين النشاطين مذ إبتدأ كفاحه في سبيل حياة طلابية حرة، ومن أجل مستقبل أفضل، لينتقل بعدها لكفاح اوسع أفقاً وأشرق مدى، كي يزاح به عن البلاد شر الطغاة ويتحقق عراق ديمقراطي تسوده العدالة والحرية، فيما كان يجد في تحصيله العلمي، لينال شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من موسكو عام 1982 وليتخرج على يديه مئات الطلبة في الجامعات الجزائرية والليبية. وحين سقطت الفاشية، عاد الدكتور حافظ للوطن، ليساهم في بلسمة جراحه، وليتواصل ذاتاالتناغم بين جهده الوطني والأكاديمي. "طريق الشعب" التقته أثناء إجازته في لندن وكان لها معه هذا اللقاء.
أنجزتم مؤخراً كتاباً متميزاً عن التكامل الصناعي الزراعي، هل من فكرة عن الكتاب؟

بعد العودة الى الوطن من غياب قسري تجاوز الثلاثة عقود والإلتحاق بوظيفتي، تبين لي انه من الضروري تسليط الضوء على واحدٍ من اهم أشكال إدارة الإنتاج الزراعي المعاصر، إلا وهو موضوع التكامل الصناعي الزراعي، لما يكتنف الأسس النظرية لبناء الهياكل التنظيمية والإدارية لمؤسساته، من عدم وضوح،يصبح معه من الصعوبة بمكان إدراك أهمية إرساء الشروط الموضوعية لنشوء وتطور أشكاله المختلفة كالمجمعات والإتحادات الصناعية الزراعية. ولذا شرعت في انجاز كتاب بعنوان " التكامل الصناعي / الزراعي / مفهومه واشكال هياكله التنظيمية والإدارية"، تناولت فيه نشأة وتطورعملية التكامل بشقيه الافقي والعمودي، ومفهوم عملية التكامل الصناعي - الزراعي واشكال ادارته، إضافة الى تحديد اساليب بناء التشكيلات الصناعية الزراعية وخصائصها. كما سلط الكتاب الضوء على أهم شروط نشوء وتطور أشكال التكامل الصناعي الزراعي، كالإعتماد على الإنتاج الزراعي الواسع القائم على إدخال أساليب الإنتاج الحديثة والتكنولوجيا الزراعية المتطورة، وطرق الري الحديث، الى جانب الإشارة الى دورها في رفع حجم الإنتاج الزراعي وزيادة دخول المزارعين والإسهام في إزالة الفوارق بين المدينة والريف الى غير ذلك من المهام الإجتماعية والإقتصادية الملحة التي تواجه المجتمع الريفي، فضلاً عن أن تصنيع المنتجات الزراعية سيؤدي الى تطوير سلاسل القيمة المضافة وخلق انواع جديدة للمنفعة وكذلك تنشيط الاسواق المحلية، وتنمية الدخل القومي وتراكم رأس المال.

ولكن هل هناك من مكان للتكامل والتعاون في عالم تسوده السوق المتوحشة ؟

في البدء، من الضروري الإشارة الى أن النظام الرأسمالي لعب ويلعب دوراً مهماً في تحسين وتطوير أدوات الإنتاج. ولهذا فإن الإعتراض عليه إنما يتركز على ما تسوده من علاقات إنتاج تقوم على الملكية الخاصة والإستغلال، مغيبة العدالة والمساواة بين الناس، لاسيما اليوم ومع هيمنة العولمة الرأسمالية المتوحشة! هذا الأمر ينطبق على مشاريع التكامل الصناعي الزراعي. ففي ظل نظام السوق الحرة القائم على اساس التعاقد مع المزارعين، يشتد الصراع بين الإحتكارات العاملة في مجال إنتاج وتصنيع المحاصيل الزراعية، مما يؤدي الى إحكام السيطرة المباشرة لأحدها على مختلف فروع الإنتاج الزراعي، ما يجبر المزارعين على بيع مزارعهم للأحتكارات تحت ضغط الإفلاس والديون المتراكمة عليهم، ويؤدي الى خرابهم. لكن في ظل الحركة التعاونية يزدهر هؤلاء، مزارعو الحيازات الصغيرة، ويتحقق نمو إنتاجي متميز. في دول الرفاه الإجتماعي الأوربية يتم جني ومعالجة وبيع اكثر من نصف الإنتاج الزراعي عن طريق الحركة التعاونية، فتتراوح حصص منتجات الألبان في الأسواق الدنماركية بين 60% الى 100% وفي هولندا يجري تسويق 95% من الزهور و82% من الخضروات و75% من الفواكه التي يتم انتاجها عن طريق التعاونيات التسويقية، اما التعاونيات في النرويج فمسؤولة عن 73% من إنتاج الأخشاب، وفي اليابان تكاد تكون جميع الأسر الريفية أعضاء في التعاونيات الزراعية ...الخ.

وكيف يخدم ذلك إعادة البناء في بلادنا؟

يجب أن يلعب هذان الشكلان من اشكال إدارة الإنتاج الزراعي - التكامل والتعاون - في بلادنا، دوراً رائداً في تنمية القطاع الزراعي وتحقيق الإكتفاء الذاتي. ويعتمد ذلك على إعتماد رؤية استراتيجية واضحة لسياسات زراعية تنموية واقعية، عبر إعادة النظر في منظومة القوانين الفاعلة في القطاع الزراعي كقانون 35 لسنة 1983 المختص بإيجار أراضي الإصلاح الزراعي للأشخاص والأفراد وما تلته من قوانين وقرارات، كقانون رقم 79 لسنة 1985 القاضي بتأجير وادارة الأراضي المستصلحة، وقانون رقم 42 لسنة 1987 لإعادة تنظيم الملكية الزراعية في مشااريع الإستصلاح وغيرها،تلك التي أعدت لضمان إخضاع كافة المؤسسات الإنتاجية لنفوذ الأجنحة المتطرفة والمغامرة من اليمين القومي الفاشي والبرجوازية الطفيلية. لقد اساءت هذه الطغمة الى مفهوم الحركة التعاونية، وعمدت الى تشويهها، عبر التجاوزات البشعة على الاسس الديمقراطية لإدارة الحركة التعاونية وعلى وظيفتها الإقتصادية وعبر إخضاع نشاطها لأغراض امنية. وتم إغتيالها وتوزيع أراضيها وممتلكاتها على زبانية النظام المقبور. والغريب أن يبقى الحال على ما هو عليه في "العراق الجديد"!!
في نشاطك المدني، إنتخبت رئيساً لرابطة رعاية المفصولين السياسيين، هل من إضاءة ما لنشاط هذه المنظمة الاجتماعية؟

نظراً للدور الهام الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في الحياة السياسية والإجتماعية، خاصة في الديمقراطيات الناشئة، على صعيد مراقبة إداء السلطات التنفيذية والتشريعية وتقويمها، أتفقنا على تشكيل رابطة لرعاية المفصولين السياسيين في العراق. للرابطة إستراتيجية تتسم بالموضوعية واحترام التعددية الفكرية، والسعي لأغناء النظام السياسي الجديد ودعم التحولات الديمقراطية، في ذات الوقت الذي ندافع فيه عن حقوق هذه الشريحة من ضحايا النظام البائد، ونتبناها ونقوم بعرضها على الجهات الرسمية وعبر الصحافة والندوات وغيرها ومتابعة ما يعيشه المفصولون السياسيون أحياناً من بيئة معادية في اماكن عملهم وعرقلة لعودتهم الى وظائفهم، خاصة بالنسبة للكفاءات الوطنية العائدة. كما شاركت رابطتنا مع بعض منظمات المجتمع المدني في تنظيم زيارة الى أهلينا المعتصمين في الفلوجة والرمادي في عام 2012 وتشرفنا بإلقاء كلمة الوفد المشترك هناك، ودعونا الى التعامل الجاد لحل بعض المطالب المشروعة للمتظاهرين، وحذرنا من هذه التداعيات ونتائجها المحزنة التي نعيش فصولها الآن. المؤسف حقاً أننا لم نتلق أي دعم من الدولة، الى الدرجة التي يهدد هذا الأمر استمرار عملنا، لذا نهيب بكافة المفصولين السياسيين واصدقائهم الى الإلتفاف حول منظمة المجتمع المدني هذه، المستقلة والحريصة على انجاح التجربة الديمقراطية في بلادنا وقطع الطريق على عودة الفاشية والإستبداد.

في العتمة التي تخيم على الوطن، هل ترون ثمة كوة ضوء؟ ومن أين يأتي الأمل برأيكم؟

أنا على يقين بوجود الأمل. فحركة التطور المجتمعي تسير رغم ما تحدثه المنعطفات الحادة من عرقلة مؤقتة، كالعتمة التي تلف العراق اليوم. ولتحقيق ذلك بشكل سريع لابد من قيام تحالف وطني شامل ضد الإرهاب والطائفية ومن أجل عراق ديمقراطي مزدهر وموحد.