فضاءات

الشاعر والرفيق عزيز ججو القس (أبو سعد) / انتصار الميالي

العم والرفيق ابوسعد كما عرفته في أول مرة التقيته فيها أثناء زيارتي الأولى لمدينة كرمليس تلك البلدة الصغيرة الواقعة في سهل نينوى والتابعة لقضاء الحمدانية، كان جبلا هادئا كهدوء قريته المميز، الرفيق عزيز ججو حناني القس من مواليد العام 1937 وكأن لمولده ارتباطا غير متوقع مع ميلاد الحزب الشيوعي العراقي، انتمى بعمر 23 إلى صفوف الحزب يحمل شهادة إعدادية الصناعة ودخل العسكرية مختصا في صنف البرادة وأثناء خدمته العسكرية تم اعتقاله لأكثر من سنتين من عام 1962 إلى عام 1964 تعرض خلالها إلى أنواع مختلفة من التعذيب أثناء حكم البعث وتم نقله لعدة معتقلات بين بغداد والكوت والبصرة، وفي سجن البصرة، حكم عليه هو ومن معه بالإعدام رميا بالرصاص ولكن .. تخلص الجميع من الحكم بعد ان طوق أهالي البصرة السجن ومطالبتهم بعدم تنفيذ الحكم مهددين باقتحام السجن، ثم نقل إلى سجن بغداد وفيه جاء بيان إبادة الشيوعيين اثر انقلاب عام 1963ولكن مدير السجن أبى تنفيذ الحكم لعدم وجود أثبات رسمي، بعدها تم فصله من خدمته العسكرية لكونه (شيوعيا ) وتم تثبيت ذلك في دفتر خدمته العسكرية وبقي مفصولا من الخدمة العسكرية من عام 1964 إلى عام 1971 وفي عام 1971 حصل على وظيفة في وزارة الإصلاح الزراعي كسائق في المعدات الثقيلة واستمرت ملاحقة النظام السابق للشيوعيين ، وتعرض للملاحقة والاستدعاء في دوائر الأمن ومقرات حزب البعث عدة مرات للتحقيق معه وبقي وفيا لمبادئه ومخلصا لشيوعيته ولرفاقه، وقد ملأته الفرحة بسماعه انهيار النظام الدكتاتوري وسقوطه عام 2003 وقد عاد ليلتحق بصفوف الحزب بالرغم من فرحته التي سرقها الواقع نتيجة احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية تبعها حكومات تلهث وراء المحاصصة وبعيدة عن تلبية طموحات الشعب العراقي وكانت هذه خيبة أمل كبيرة بالنسبة له تسببت في تراجع صحته لكثرة انشغاله بهموم الجماهير كباقي رفيقات ورفاق دربه في الحزب الشيوعي العراقي.كان سباقا في أعادة صلته بالحزب بكل همة ونشاط وبقي متابعا وملتصقا به حتى فارق الحياة في يوم 23/5/2013.
لم استطع ان أتعرف عليه كثيرا فالموت كان أسرع، آخر لقاء معه كان في 2 أيار 2013 كان مسرورا بقدومي وكان يسألني بلهفة العاشق كيف كانت مسيرة الأول من أيار عيد العمال في بغداد ؟ وكيف الرفيقات والرفاق وهو ينظر لي كأنه يرى من خلالي كل تنظيمات الحزب بالرغم من تراجع صحته، أخبرته إن الراية الحمراء ترفرف عاليا وأصوات المناضلين تعلو في كل شوارع العراق مطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، تركته ذات مساء وهو يتابع بحماس شاب في أوج عنفوانه حديثا للرفيق حميد مجيد موسى على فضائية الاتجاه.
أحزنني خبر وفاته كثيرا علمت بعدها انه كان شاعرا معروفا باسمه الأدبي ( عزيز قاشا ) بدأ بكتابة الشعر سنة 1972 ، وكتب العديد من القصائد التي تنوعت بين غزل ونقد ساخر وفكاهة ومعالجة للكثير من قضايا المجتمع، ومن أهم وأول القصائد التي كتبها كانت (خاء بحزيرن) يعني ( واحد حزيران) بمناسبة تأميم النفط عند افتتاح نقابة منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية ومن ابرز القصائد التي اشتهر بها هي قصيدة ( التلفون ) التي كانت تتحدث عن معاناة أهل القرية عندما كان العديد من أهالي المنطقة يأخذ التلفون ويتحدثون لساعات طويلة به وهناك غيرهم من ينتظر لأجراء اتصال ، وكانت من ابرز قصائده أيضا قصيدة ( حلبجة ) التي كانت تتحدث عن معاناة أهل حلبجة عندما تعرضت للضرب بالكيمياوي من قبل الحكم الصدامي الدكتاتوري وله قصائد أخرى تتحدث عن الغربة ومنها ( لبي قذل تايالي منخ دولار خزيالي ) يعني (كلبي احترك على أولادي من دولار شفته ) والتي تتحدث عن العراقيين الذين تغربوا من اجل تامين العيش لهم ولأسرهم وبالتالي يصبحون ضحية للفراق وتبدأ حسرة اللقاء بأهاليهم، وله قصائد دينية تتحدث عن الكنيسة وتعاليمها، و قصائد كانت تتغنى بجمال قرية كرمليس، وكان أول من تعامل مع الصحافة والتلفزيون والراديو وله العديد من الأغاني السريانية ومن أشهرها (نوري نوري وكولشيني ) التي غناها المطربان جوزيف الفارس ومريم الفارس والتي أذيعت من إذاعة ( قالا سريايا ) في كركوك ، وتعامل مع العديد من الملحنين أمثال خضر السناطي ووديع كجو وأول أغنية ألفها كانت عام 1975 (لاشوقتي) (لاتتركيني ) وكان من رواد نادي نمرود الذي أصبح عضواً فيه ،ومن ثم عضوا في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق وعضو اتحاد الأدباء والكتاب السريان، وعضوا في الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية وعضو جمعية بابل الكلدانية ومن الألقاب التي اشتهر وعرف بها ( شاعر كرمليس الأول ) ولقبه البعض بـ ( جواهري كرمليس ) وقد أجريت معه العديد من اللقاءات الإذاعية مثل إذاعة عشتار واشور ولكثرة درايته وتعمقه وإبداعه بالشعر وإثناء إحدى اللقاءات التي كانت تبث على الهواء مباشرة في قناة عشتار جاء للبرنامج أيميل من احد المتابعين في اسبانيا لقبه بـ ( سيد الكلمات ) لفصاحته.
بهذه الكلمات المتواضعة أقف أجلالا لأستذكر ( شاعر كرمليس ) الشاعر والرفيق ( ابوسعد ) عزيز ججو القس بعد مرور أربعين يوما على وفاته له طيب الذكر، وكل الأماني بالصبر والسلوان لزوجته ورفيقة درب نضاله والمخلصة له طوال فترة مرضه العضال ولولديه ولبناته ولجميع أهله وأصدقائه ولكرمليس وهي تفتقد بلبلا صداحا ومناضلا وفيا لمبادئه وشاعرا مبدعاً.