فضاءات

المواطن عبد الله وبلاد السويد / احمد عواد الخزاعي

 عبد الله مواطن عراقي فقير كغيره من الملايين التي تسكن مدن الوسط والجنوب ، لم يتجاوز عمره الأربعين عاما ، كان يعمل أجيرا في أرض غيره ..في قريته النائية البعيدة عن كل أشكال الحضارة والتمدن والمفتقدة لأبسط أحتياجات الكائنات الحية ، عاش هذا الرجل البسيط مع زوجته وأطفاله الثمانية في بيت صغير بني من الطين والصفيح ، وهو أرث أجداده الطيبين الذين سكنوا هذه الارض ، نازحين من أرض الجزيرة العربية بعد الفتح الاسلامي ، طلبا للعيش الرغيد في هذه البلاد الغنية بمواردها ، الفقيرة بعدالتها..
أشتد الحصار الاقتصادي في منتصف تسعينيات القرن المنصرم والذي فرضته أمريكا وحلفاؤها على شعب العراق وليس على حكامه ، حين أقدم النظام على تقليص الحصة التموينية للفرد الواحد الى النصف ، مما جعل كيلو الدقيق يعادل ثلث راتب المعلم العراقي اّنذاك .. جاع عبد الله كما جاع فقراء العراق وربط الحجر على بطنه هو وعائلته الكبيرة وضاقت عليه الارض بما رحبت ، في أحدى ليالي القحط الطويلة الأليمة هجع للنوم بعد أن أفرغ كيس التبغ الذي يدخنه ولف اّخر سكائره ، نام جميع من في الدار بلا عشاء ..أستلقى على ظهره نافثا دخانه الرخيص نحو السماء ، محدثا نفسه وزوجته التي بقربه عن أحلام وأمنيات هي أغرب من واقعه المزري الذي يعيشه..
كان حلمه الذهاب الى بلاد السويد التي سمع عنها من بعض سكان قريته الذين هرب اليها اقربائهم بعد أنتفاضة اّذار عام 1991، هو لا يعلم أين تقع السويد ولا من يحكمها أو طبيعة أهلها ، غير أنه سمع أن حاكمتها ملكة طيبة تطعم الفقراء وتأويهم حتى لو كانوا غرباء عن البلاد ..وهي (بنت أجاويد) ، في بلادها لا يجوع ألانسان أو الحيوان على حد سواء ولا يسلب حقهما أو تهان كرامتهما ، أنها البلاد البعيدة الواقعة خلف (البحور السبعة) ، هكذا أجاب زوجته حين سألته عن مكانها ، قرر في تلك الليلة الجائعة ان يذهب الى السويد ، ونام على همسات زوجته وهو تقرأ على رأسه المعوذتين ظنا منها أنه أصيب بالجنون لكثرة ما عاناه ..مرت السنون على عبد الله وشاهد بأم عينه في نفس بيته الفقير، الصنم وهو يهوي على الارض ..أغرورقت عيناه بالدموع فرحا ..عندها أخبر عائلته بأنه لن يذهب الى السويد ، لأن العراق سوف يصبح (أحسن من السويد )..لكن بعد مرور أحد عشر عاما على كلامه هذا ، شوهد المواطن عبد الله وهو متنقب بكوفيته العربية الغارقة بسرمدية الحزن الجنوبي ، في أحدى التظاهرات ، محاولا معرفة مصير أبنه الذي فقد في قاعدة سبايكر وجل أمنياته وأقصى غاية حلمه أن يراه مجددا أو أن يدفنه بيديه في هذه الارض المسكينة التي يفصلها عن السويد البحور السبعة.