فضاءات

بشرى الحكيم .. المدرّسة / مجيد إبراهيم خليل

من مواليد كربلاء، تعلمت في مدارسها، وبعد إكمالها الثانوية واصلت دراستها الجامعية في كلية العلوم/قسم  علوم الحياة، لتختار بعدها العمل في سلك التعليم لما له من هدف إنساني نبيل.
في كربلاء عملت كمدرسة، وتنقلت بين مدارسها كثيرا: ثانوية الزهراء، معهد الفنون البيتية، متوسطة اليرموك، متوسطة الفدائي، ثانوية غزة، وكان العمل في بعض هذه المدارس لفترة قصيرة، وذلك أن النظام البائد كان يسعى أواخر السبعينات الى تبعيث التعليم بأساليب الإغراء أو الإكراه والتهديد بالقتل، وكان هدفه تأطير المجتمع وصبه في قالب واحد موال له، لهذا لم تستقر طويلا في أية مدرسة، فقد كان النظام يخشى تأثير المعلم الناجح على طلبته، خصوصا ممن يرفضون الانتماء الى الحزب الحاكم، ويحارب أفكار الحرية والتنوير التي يبثها جيل الأستاذة بشرى.
ولأنها رفضت الانتماء الى حزب السلطة، وبسبب العلاقة المنفتحة الجيدة مع الطالبات، والتأثير فيهن من خلال أسلوب التدريس وطريقة التعامل، وبث أفكار التقدم، تعرضت لمضايقات كثيرة وأخرجت من التدريس، رغم تميزها وتفانيها في العمل، ونسبة النجاح العالية التي تحققها في مادتها، فنقلت لتمارس أعمالا مكتبية في مركز المختبرات ثم التدريب في مديرية تربية كربلاء.
ممن أثّروا في حياتها، تتذكر بشرى باعتزاز معلمتها، بدرية يحيى النجار ونبيهة الزبيدي وأخريات، فقد كنّ مخلصات في عملهن وقدوة لغيرهن، وقد توطدت العلاقة بهن واستمرت بعد مرحلة التلمذة.
من هوايات الأستاذة بشرى القراءة والخياطة. وهذه الأخيرة كانت هواية، وبفعل الظروف القاسية التي مرّ بها الوطن تحولت الى مهنة ومصدر رزق، فبعد أن أخرجت من التعليم لأسباب سياسية، اضطرت الى التخفي والعمل كعاملة خياطة، تخلصا من الملاحقة الأمنية للنظام ومطاردته لها.
تتذكر بشرى بحسرة وألم أيام العمل في التدريس. كانت النظرة الى المعلمة تحمل الكثير من التقدير والاحترام، وكانت هذه الفئة اجتماعيا قدوة لغيرها، الا أن كثيرا من المفاهيم أواخر السبعينات بدأت تتغير، عندما انخرط بعض الطلبة في تنظيم السلطة الطلابي، وأصبح هؤلاء يكتبون التقارير عن الأستاذ،ويتغيبون عن الدروس ويخرجون من الصف أثناء الدرس، إضافة الى كثرة العطل بمناسبات احتفالية عديدة، وبسبب ممارسات حزب السلطة والقسر على الانتماء اليه توترت العلاقة بين المدرسين، إن النظام بهذه الإجراءات وغيرها خرّب العملية التربوية فانحدر مستواه وتواصل ذلك مع الأسف الشديد والى يومنا هذا.
عند وصولها الى هولندا وبعد معاناة اختفاء لفترة طويلة وظروف عمل سرّي صعبة ومرهقة وانقطاع عن العمل، مازالت تشتاق الى التعليم ويستبد بها الحنين الى الوقوف أمام الطلبة لتمارس دورها كمدرسة ومربية. لكن الظروف هنا لم تساعدها وهذا راجع الى شروط التوظيف في هذا البلد وأهمها إتقان اللغة والسن المناسب للتوظيف.
عن أمنياتها الشخصية تقول: أود العودة الى التدريس، أتمنى أن تتغير الأوضاع وتتحسن الظروف لأرجع الى العراق لممارسة التعليم رغم فترة الانقطاع الطويلة. أما أمانيها للوطن: أن يتغير النظام التربوي ويتم بناؤه على أسس صحيحة. إن مستوى التعليم متدن جدا رغم توفر مستلزمات تكنولوجية ومادية، إلّا أنه لايواكب التطور الحاصل في العالم. المؤسسة التربوية جزء من النظام وأسس هذا النظام ككل غير صحيحة.