فضاءات

مشاهدات حية لمعاناة النازحين / كمال يلدو

بالرغم من السنين الطوال التي قضاها السيد رافد يلدو ناشطا في العمل الخيري الذي تقوم به بعض مؤسسات الجالية والهيئات الكنسية في ديترويت، وخاصة مشروع (تبني عائلة لاجئة)، ودأبه على متابعة احوال اللاجئين، وخاصة الموجودين في سوريا والأردن وتركيا، والسعي لفتح باب الأمل أمامهم وهم يعيشون أوضاعاً مأساوية، فإن ما جرى بعد 10 حزيران حينما احتلت (داعش) الموصل وصارت بلدات سهل نينوى بمرمى نيرانهم، لم يكن قابلاً للتصديق بسبب كارثيته ونتائجه البشعة، ما دفعه وجميع زملائه الى مضاعفة الجهود، عسى أن يخففوا شيئاً من حجم المصيبة.
وفي أطار هذا الجهد جاءت زيارته للمنطقة، وعلى نفقته الخاصة. ـ كانت الصور الكالحة لهؤلاء النازحين، الأطفال والنساء، وسيوف داعش وقاطعي الرؤوس تلاحقني طوال مدة الرحلة. وقد بدأت تجوالي بين الخيم والتجمعات حال وصولي مطار أربيل للوقوف على معاناة الناس الحقيقية وتلمس ما يحتاجون اليه للتخفيف عنهم. لقد زرت أربيل وعنكاوة و دهوك وألقوش و شقلاوة. وكنت في كل محطة اتفقد نواقصهم وأخبر زملائي في ديترويت عن تلك المشاهدات والأحتياجات، وأطلقت حملة شخصية في صفحتي على الفيس بوك لجمع تبرعات لشراء (حليب الأطفال) لبعض المخيمات التي زرتها، وكان التجاوب شيئا مذهلاً، اذ جمعت (19 ألف دولار) اشتريت بها مباشرة حليب الأطفال ووزعناه على العوائل المحتاجة وكانت فرحتهم كبيرة.
وعن اوضاع هؤلاء النازحين بصورة عامة ينقل السيد رافد يلدو مشاهداته: بالحقيقة استطيع ان أقول أن الاوضاع الآن افضل بكثير مما كانت عليه في الأيام الأولى، بالرغم من وجود أعداد لابأس بها مازالت تعيش في الخيم قياسا بالمجموع العام، وذلك بفضل جهود المنظمات الدولية والكنيسة والأمم المتحدة وتبرعات الجاليات الكريمة وبضمنها جاليتنا العزيزة في ديترويت، وهناك مشاريع مهمة تم تنفيذها لأعادة إسكان الناس وهناك مشاريع اخرى قيد الأنجاز لأسكان هذه العوائل او تقديم المساعدات لهم.
ويضيف: إن من المحزن بقاء الناس بصورة عامة، بلا عمل ولا مدارس ولا طبابة كافية. لكن ما هو مفرح تلك المعنويات العالية والإصرار على العودة الى ديار الآباء والأجداد حال زوال الغمة.
وحين سألته عن مدى تجاوب الجهات الرسمية المحلية والعالمية مع هذه الكارثة، قال: مع اني لا اريد الحديث في مجال السياسة، فإني لمست ضعفا في دور (حكومة بغداد المركزية) في التعامل مع هذه المحنة، لا بل اني سمعت عن سرقات وفساد مالي في اللجنة المكلفة، اما حكومة الأقليم (مشكورة جهودها) فهي تحاول تسهيل مهمة اللجان وهيئات المساعدة ولا اعلم ان كانت لها ميزانية للمساعدات، لأني سمعت ايضا ان هناك مشاكل حول الميزانية مع بغداد ايضا، ولكم ان تتخيلوا حجم المعاناة المترتبة على ذلك ايضا. بالنسبة لكنيسة روما وكنائس المشرق فقد كان لهم موقف مشرف في الدعم المعنوي والسياسي والمادي على الأرض. أنا أنحني لكل من يقدم جهوداً لمساعدة النازحين والتخفيف من معاناتهم.
وفي النهاية وددت ان اعرف من السيد "رافد يلدو" ان كان يملك تصورا حول الحل او الحلول لمشكلة النازحين، فقال: ان حجم هذه المشكلة كبير جدا، وأكبر من إمكانات الحكومة المركزية او حكومة الأقليم، استطيع القول ان جهدا عالميا يجب ان يبذل وبتضافر كل الجهات. انا شخصيا ارى في هذه المرحلة ان يصار الى ايجاد (منطقة آمنة) من اجل ان تشعر الناس بالأمان وتعود اليه، وهذا لا يعفي مسؤولية الحكومة المركزية اصلا، التي هي المعنية اولا وأخيرا بسلامة ابناء الشعب العراقي وتوفير الأمن والأمان لهم، لكني من الجهة الثانية متشائم ايضا، لأن هذه الأوضاع، وأستمرارها لفترة زمنية طويلة تخلق حالات التشاؤم عند الأنسان ما تدفعه الى التفكير بالهجرة او البحث عن ملاذ آمن غير هذا الموجود الآن.
في النهاية شكرت السيد "رافـد دانيال يلـدو" المولود في العاصمة بغداد في عام 1965، والذي غادر العراق مع عائلته الى الولايات المتحدة عام 1978، حيث يقيم في ديترويت ويعمل رئيسا لشركة تقدم الخدمات الطبية للمرضى في بيوتهم، وتمنيت له النجاح في جهده الإنساني المشرف.