فضاءات

المرأة هي الوطن / ناهدة جابر جاسم*

تعد المرأة وتطورها ودورها الفعال، النواة الأساسية في بنية المجتمعات المتطورة. ما يتطلب النهوض بحياة المرأة، ودعمها علميا وثقافيا وأدبيا، وتغير النظرة الدونية لها باعتبارها أداة لمتعة الرجل، وإنها ناقصة عقل، إلى شريكة حقيقة للرجل وطاقة بشرية تساهم في تطور المجتمع والنهوض به اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا من خلال عملها خارج البيت وداخله، من خلال فسح المجال والحرية لها كي تمارس دورها في بناء المجتمع العراقي والنهوض به إلي مصاف المجتمعات المتطورة، أو على اقل تقدير العودة إلى سبعينيات القرن الماضي... ففي مجال العمل صدر قانون 91 في عام 1975م القاضي بمساواة الرجل والمرأة بالحقوق والمزايا المالية. إذ تتلقى المرأة أجراً مساوياً لأجر الرجل، ودخل الزوجة معترف به بشكل مستقل عن زوجها. وفي عام 1974م أصبح التعليم مجانياً في العراق على كل المستويات وإلزامياً للبنين والبنات إلى عمر الثانية عشرة، وحتى أوائل التسعينيات كانت نسبة المتعلمات في العراق هي الأعلى في المنطقة العربية والشرق الأوسط. كما تسلمت العراقية المتعلمة في تلك السنين أعلى المناصب. ومن الجدير بالذكر أن المرأة العراقية بدأت التعليم منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما كان العراق تحت الحكم العثماني، فأول مدرسة بنات في بغداد كانت في عام 1890م - أي بعد ثورة فرنسا التنويرية بعامين- التحقت بها (90 فتاة).. كما كان للمرأة العراقية دور في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني. وما لخصته هو صورة مختصرة لوضع المرأة في العراق قبيل تدهورها بعد حروب الدكتاتور الثلاث والحصار الاقتصادي والحملة الإيمانية التي فرضها نظام البعث في تسعينيات القرن الماضي والتي تعمقت بعد الاحتلال الأمريكي الذي جاء ببعض القوى التي تسعى لاكمال ما بدأ به النظام الدكتاتوري السابق ضمن سياق يدعي الديمقراطية، فتولد وضع غريب لا عقلاني، يتجسد بزيادة حدة النظرة الدونية لها، رغم أنها عملياً تسير غالبية مؤسسات الدولة الإدارية والخدمية بحضورها الكثيف، مع تكريس الأشكال المتخلفة للعلاقة بين الرجل والمرأة بإشاعة زواج المتعة والمسيار يقابلها زواج النكاح في المناطق التي سيطر عليها داعش، ومن جانب أخر تقوم المليشيات المتشددة بين الحين والحين بقتل النساء ضحايا الجوع والفقر وتحطم مؤسسة العائلة بمجازر في بيوت يقال عنها أنها مشبوهة، في مؤشر على مدى رسوخ ظاهرة العنف ضد النساء ناهيك عن العنف المنزلي الشائع. الديمقراطية المقلوبة أظهرت أيضا عشرات من منظمات المجتمع المدني والتي تعمل على دعم المرأة ومساندتها في نيل حقوقها المدنية والتشريعية، ولكن الجزء الأكبر من هذه المنظمات لم تستطع التصدي للمواقف المتطرفة من قبل بعض الجماعات الإسلامية المعادية لكينونة وحرية المرأة وتشويه دورها الاجتماعي والعلمي والسياسي. وما تمارسه قوى الظلام السياسي من حركات دينية متطرفة من كافة الطوائف بلغت بها داعش ذروة لا مثيل لها في وحشية القتل محاولة العودة بالمرأة والمجتمع إلى عصور سالفة مظلمة كانت المؤسسة الدينية المتسلطة، كما في اوربا، تمارس قتل وإحراق المفكرين والعلماء والنخب الثقافية التي كانت تسعى إلى إنهاض الشعوب ودور المرأة. بالمقابل وفي أوربا الغربية تزداد المرأة قوة وحضورا وتطالب بالمزيد من الحقوق وهذا ما لمسته في تفاصيل الحياة اليومية. ومن خلال متابعتي للبحوث التي تخص المرأة وحريتها في اختيار أسلوب حياتها وعيشها بما يليق بإنسانيتها. وهذا الجهد يتناسب مع تطور نضالها بما ينطوي عليه من معانٍ إنسانية تتعلق بمساواتها مع شريكها الرجل في العمل والحب منذ فجر الحضارات إلى اللحظة الراهنة. أن الفهم الإنساني العميق للمرأة ودورها في الحياة، وبناء المجتمع المتحضر والكافل لحقوق الفرد لا يتحقق إلا بالتخلص والتحرر من الأفكار الظلامية، وفصل الدين عن السياسة، وبناء نظام ديمقراطي علماني حقيقي، لا يشبه ديمقراطية العراق الحالية والتي جلبها المحتل، والتي عمقت الجهل والتشوه اللذين أصابا كل نواحي ومؤسسات المجتمع العراقي، والتي عمقها فرض المزيد من القيود على حرية الفرد بشكل عام والمرأة بشكل خاص، مما أهدر كرامتها حتى وصل الأمر إلى مطالبة بعض البرلمانيات العراقيات بتشريع قانون يبيح للرجل الزواج بأربع، أو تصرح وزيرة المرأة في الصحف بأنها تأخذ الأذن من زوجها قبل الذهاب للوزارة (مقر عملها).
لنجعل يوم 8 آذار 2015 مناسبة لرفع صوت المرأة والحركات اليسارية والعلمانية في العراق بمطالبة المؤسسات الحكومية والتشريعية بالعمل على تطوير النظم القانونية والاجتماعية التي تدعم حماية حقوق المرأة في المساهمة الفعالة في بناء المجتمع وتطوره المطالبة بالمساواة التامة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في ظل دستور علماني موحد غير طائفي ولا قومي.
ـــــــــــــــــــــــــــ
* كاتبة عراقية مقيمة في الدانمارك