فضاءات

لماذا حزب شيوعي ؟ لمناسبة الذكرى الـ 81 لميلاد حزب الطبقة العاملة العراقية / لفته عبد النبي الخزرجي

سؤال ورد في سياق مقدمة الجزء الأول من "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي " للمناضل عزيز سباهي .
كان الجدل يدور حول "أن لا ضرورة لانبثاق حزب شيوعي في العراق إذ أن المجتمع العراقي لم يشهد تكون طبقة عاملة ذات مصالح طبقية محددة واضحة تدفع إلى ظهور من يعبر عنها سياسيا يوم ذاك ".1
ولكي يدحض هذه اللعبة السياسية الخبيثة، فان الكاتب يرد بوقائع واحداث تشير بوضوح كامل إلى أن الطبقة العاملة في العراق كانت موجودة قبل أن يظهر الحزب الشيوعي العراقي " ففي العام 1924 كانت أول محاولة لتأسيس منظمة عمالية " وتبعها في العام 1929 م تأسيس عدد من الجمعيات للدفاع عن حقوق العمال0 ثم أن الحكومة نفسها آنذاك، قد شرعت " قانوناً خاصاً يحدد حقوق العمال والأحكام بشأن المنازعات العمالية وشروط العمل وغيرها ".2
وكان القانون رقم 72 لسنة 1936م .. يمثل استجابة للحركة المطلبية التي قادها العمال لحماية حقوقهم ضمن تشريع قانوني إلا أن السلطات لم تلتزم بهذا القانون، وبقيت الأمور كما هي دون أن تكون هناك استجابة عملية من قبل السلطات الحاكمة آنذاك .
وهنا يتساءل الكاتب وهو محق بالطبع " فما السر إذن في أن تقدم الحكومة على تشريع قانون للعمال إذا لم يكن هؤلاء قد وجدوا وصاروا طبقة محددة لها ظروف عملها وحصتها في التوزيع ؟ .3 كما أن النقابي الأول في العراق ( محمد صالح القزاز ) يؤكد ظهور طبقة عاملة عراقية .. نتعرف على ذلك من خلال الرسالة التي رفعها هذا العامل النقابي الشجاع إلى الاتحاد العالمي لنقابات العمال في برلين في العام 1933م، والتي أكد فيها على "أن الحركة العمالية قد مرت بثلاث مراحل ". 4 إن هذا التأكيد بحد ذاته دليل واضح جدا على أن الطبقة العامل? هي المحرك الأساس في نشوء الحزب الشيوعي العراقي .
إن الحزب الشيوعي العراقي، لم تكن ولادته اعتباطا أو إضافة رقم جديد لما متوفر في الساحة الوطنية من أحزاب تمثل طبقات اجتماعية متفاوتة، وإنما ولد استجابة لحاجات موضوعية اقتضتها المرحلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العراق يوم ذاك ولغرض قيادة نضال الطبقة العاملة العراقية مع الشرائح الاجتماعية التي تتحالف معها.
ولأن الحزب الشيوعي، حزب من طراز خاص، فقد تعرض ومازال يتعرض لأشكال متعددة من الظلم والإبعاد والتهميش والإقصاء، وحتى وصل الأمر إلى إعدام قادته ( فهد وحازم وصارم) في العام 1949 وتكرر هذا الأمر بأسلوب اشد قسوة وإرهابا وعنتا وإجراما بعد 8 شباط الأسود على يد الإرهابيين البعثيين، حيث استشهد قائد الحزب سلام عادل وقادة الحزب آنذاك .
إن الحزب الشيوعي العراقي، ومنذ بدايات ولادته في 31/3/1934 كان وما زال حزبا للطبقة العاملة العراقية، ورغم أن العراق، لا تتوفر فيه صناعات ثقيلة تستقطب أعدادا كبيرة من العمال، إلا أن الورش الصناعية التي ظهرت في تلك الفترة إضافة إلى السكك الحديد وشركات النفط والموانئ، قد أفرزت قيادات عمالية تمتلك رصيدا عاليا من الفهم الواعي في ضرورة بناء نقابات عمالية تأخذ على عاتقها حماية العمال من ظروف العمل القاسية وساعات العمل الطويلة والأجور المتدنية وانعدام التشريعات التي تحمي وترسخ حقوق العاملين في المجال الصناعي، وقد?ورد هذا التأكيد في التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الخامس ( لقد نشأ حزبنا كضرورة موضوعية للتعبير عن مصالح الطبقة العاملة والجماهير الشعبية وظهر للوجود بعد أن شهدت ساحة النضال الوطني مساهمة واضحة من جانب العمال وبعد أن اندمجت حركة الطبقة العاملة بالفكر الماركسي الذي حمله عدد من المثقفين الثوريين)6.
إن هذه العوامل وغيرها الكثير .. وخاصة ما يتعلق بسيادة العراق وتحريره من سيطرة الاستعمار البريطاني .. وضرورة قيام حكومة وطنية ونظام حكم ديمقراطي برلماني يوفر قدرا من المشاركة الفعلية لقطاعات واسعة من الشعب العراقي كانت عوامل موضوعية، كما ان توفر القيادة التي تتسلح بالفكر الماركسي، وفرت البيئة المناسبة والأرضية الخصبة لقيام تنظيم شيوعي يمتلك كل المقومات الأساسية لكي يحتل موقعه بجدارة في ساحة النضال الوطني ودفاعا عن مصالح الطبقة العاملة العراقية والطبقات التي تتحالف معها .
ولكي يؤكد الحزب جدارته وتفوقه في خدمة الجماهير الشعبية وتمثيل طموحها .. ونقل أهدافها من حيز الحديث والكلام إلى واقع ملموس، فقد تحرك الحزب الشيوعي لبناء قاعدة لنقابات العمال، وتوسع في تنظيمات الفلاحين، وتوجه نحو الشباب والطلبة والمرأة، لكن الحزب لم يتوقف عند هذه النشاطات في إحاطة كيانه بمنظمات جماهيرية، بل انه توجه نحو الفضاء الوطني عموما، ليحشد الأحزاب والشخصيات الوطنية التي تقترب من توجهات الحزب وطموحاته الوطنية والديمقراطية .
وهكذا شهدت الساحة السياسية الوطنية، ولادة جبهة الاتحاد الوطني، والتي كان للحزب الشيوعي دور بارز في انبثاقها وصيرورتها حركة توحدت في إطارها مجموعة الأحزاب السياسية (نذكر هنا أن الحزب الشيوعي كان هو المبادر إلى فكرة تأسيس جبهة الاتحاد الوطني منذ نيسان 1955م ). 7
وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 توسع التنظيم، وأصبح نشاط الحزب الشيوعي مكشوفا في ظل الانفتاح الذي وفرته الثورة آنذاك، وتحقق الكثير من المكاسب التي كان الحزب الشيوعي العراقي يعمل جاهدا لتوفيرها وإنضاجها (قانون الإصلاح الزراعي، قانون رقم 80 الذي حرر الأرض من شركات النفط الاحتكارية، الخروج من قيد الإسترليني، التحرر من الأحلاف العسكرية، انطلاق عمل النقابات العمالية والجمعيات الفلاحية ومنظمات المجتمع المدني للشرائح الاجتماعية الأخرى) .
إن هذا المد الثوري الذي رافق النظام الجمهوري بعد تموز 58 19، قدأغاض الأعداء وأوغر صدورهم حقدا على الثورة والحزب الشيوعي لأنه كان متصدرا للساحة السياسية.
فجاءت ردة شباط الأسود 1963 لتجهز على تلك المنجزات، وتمارس سياسة الإبادة والإعدام لقيادة الحزب الشيوعي وكوادره ومنظماته وارتكاب أفظع الجرائم وأبشعها، ظنا من أولئك الأعداء الحاقدين، إن الحزب لن تقوم له قائمة، ولكن خابت أحلامهم المريضة، لقد نهض الحزب واستعاد عافيته وأصبح تأثيره واضحا في الساحة السياسية، وبات رقما صعبا لا يمكن إغفال دوره،إن هذا التطور اللافت في مسيرة الحزب الشيوعي قد دفع النظام الدكتاتوري الصدامي لتركيز عدوانيته وشحذ مخالبه وجلاوزته لملاحقة الشيوعيين والتضييق عليهم ومحاصرتهم وزجهم في السجون ?المعتقلات واستخدام أقذر الأساليب وأشنعها وأشدها قسوة في التعذيب والإرهاب وترويع عوائل الشيوعيين ومحاولة إفراغ الحزب الشيوعي من قياداته وتصفية تنظيماته وكوادره.
وفي الذكرى الحادية بعد الثمانين لولادة حزب الطبقة العاملة العراقية "الحزب الشيوعي العراقي " يبرز أمامنا بجلاء قدرة هذا الحزب على الثبات ومواجهة التحديات الخطيرة والخروج من الانتكاسات التي عاشها الحزب. اشد صلابة وأقوى عودا وأوسع تنظيما واقدر على مواجهة المهمات النضالية الكبيرة التي يفرضها الواقع الجديد بعد التغيير الذي حصل في 9/4/2003م. وقد حدد الحزب ذلك .. حيث أن عملية إسقاط النظام الدكتاتوري تمثل "في نظر الحزب عملية تهدف إلى الانتقال بالعراق من الدكتاتورية ونظام الحزب الواحد، إلى نظام دستوري يضمن الحقوق?والحريات لجميع أبناء الشعب، واستكمال سيادته كبلد ديمقراطي اتحادي موحد مستقل".10
لماذا حزب شيوعي ؟
الجواب هو لأن الشيوعيين هم الأقدر والأوفر كفاءة ونزاهة والأكثر حرصا على الاضطلاع بمسؤولية بناء الوطن وحماية المال العام 0 وهو الحزب الوحيد تقريبا العابر للطوائف والبعيد عن التطرف القومي والديني والمذهبي والمناطقي والإيديولوجي
نعم حزب شيوعي لأن الشيوعيين هم ألأكثر تجربة والأطول عمرا والأشد التصاقا بالطبقات المحرومة والمهمشة والمظلومة والمدافع الرئيسي عن حق المرأة وحريتها وتعليمها.
نعم حزب شيوعي .. لأن الشيوعيين فكر علمي وتاريخ مشرف في الدفاع عن تربة العراق وسيادته واستقلاله ، وحرص شديد على وحدة العراق وشعبه.
نعم حزب شيوعي لأن الشيوعيين نذروا أرواحهم للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة العراقية والفلاحين وشغيلة الفكر واحترام الآخر.
نعم حزب شيوعي لأن الشيوعيين كانوا وما زالوا يرفعون شعارهم العتيد : وطن حر وشعب سعيد ويعملون بنشاط كبير ليقدموا لشعبهم عطاءهم المتميز في الإخلاص والنزاهة ومحاربة الفساد والمفسدين.
نعم حزب شيوعي يعمل وفق سياقات ديمقراطية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية، ويدافع بثبات عن حرية الشعب ومنظماته الجماهيرية ونقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني.
نعم حزب شيوعي من اجل عراق ديمقراطي اتحادي موحد مستقل سياديا متحرر من التبعية للأجنبي، يسير وفقا للدستور ودولة المؤسسات، تعيش فيه الطبقات الكادحة حياة حرة كريمة .. من خلال التوزيع العادل للثروة الوطنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1،2،3،4،،: عزيز سباهي / عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي /ج1
5 – نفس المصدر اعلاه.
6 - التقرير السياسي / المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي.
7 – عزيز سباهي / عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج1
8 ،9 /10– عزيز سباهي / عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي /ج3