فضاءات

الأنترنيت ملاذ لكل المثقفين والدارسين / فهد الصكر

كانت المكتبات العامة المنتشرة في بغداد ، هي الملاذ الطبيعي للمثقفين والادباء وطلبة البحوث من الدارسين في جامعات بغداد ، وتحديدا من الذين لا يستطيعون بأمكانياتهم المادية المحدودة الدخول الى شارع المتنبي للحصول على ضالتهم مما يحتاجونه من كتب في الأدب والفكر أو من الكتب المنهجية التي لا تستطيع كلياتنا العراقية توفيرها لهم .و بقيت هذه المكتبات عامرة الى وقت قريب .
لكنها الآن باتت مهجورة من روادها . هذا اذا كانت هناك مكتبات يشار اليها في متغيرنا الراهن .
أذ فقدت بغداد هذه السمة التي كانت تميزها عن باقي المدن . باعتبار أننا كنا ذوي منعطف في التأريخ بناة الأبجدية والحرف الأول تاريخيا .
وكمسح جغرافي للمكان البغدادي والبحث عن مؤشرات المكتبات فيه ، لم نجد ما يشير اليها . وربما ما هو موجود يعد على أصابع اليد الواحدة .
وللوقوف على انحسار المكتبات في بغداد . بل وفقدانها في الأثر الجغرافي . استطلعت أراء عدد من المهتمين سابقا بالتوحد ضمن فضاءات هذا العالم الهادىء الذي يوفر المعلومة الثقافية والفكرية بالمجان ولحظات السكون . وسأبتعد عن التصنيفات الفكرية التي تؤشرنمط تفكير كل واحد منهم .
إذ يقول الفنان حيدر القره غولي : في أيام الدراسة الأكاديمية . كانت المكتبة العامة تمثل لي " ملاذ الفقراء " حيث وجدت فيها ما أريد قراءته ضمن تخصصي التشكيلي ، وكانت الكتب التي ابحث عنها موجودة في مكتبات شارع المتنبي لكن ظروفنا المعيشية آنذاك لا تتيح لنا شراء ولو مصدر واحد . لذا كنا نسعى اليها بعد الأنتهاء من حصصنا الدراسية . لنظل ساعات لا ندري كيف تنتهي ونحن منكبون على القراءة بأجواء هادئة ,
ويشير الشاعر علي مهدي : سأبدأ من اللحظة الأولى التي وفرتها لي المكتبات العامة في كتابة الشعر ، إذ في أجواء وفضاءات الهدوء ولدت الكثير من قصائدي ، فضلا عن أني قرأت أغلب الكتب التي كنت أعتبرها مرجعا لأدواتي المعرفية . لكني الآن أتحسر على خلو بغداد من هذه القيمة المعرفية التي كانت تعج بها مكتبات بغداد . واتساءل عن مصير الاف الكتب . وأين ذهبت بعد أغلاق أكثر مكتبات العاصمة بغداد .
في حين يقول القاص باسم الجنابي عن دور المكتبة في توفير المعرفة : لم أفكر يوما ما بالذهاب الى شارع المتنبي لاقتناء الكتب منه . بسبب الظروف الاقتصادية التي كنا نمر بها والمعروفة لكل عراقي ينتمي لواقع الثقافة . وكانت المكتبة العامة هي ملاذنا الذي يوفر لنا ما نطمح اليه من كتب ومصادر . فضلا عن الهدوء وبعيدا عن فوضى محيط الأسرة والاطفال . ولكن وبعد أغلاق أكثر المكتبات صار فضاء الانترنيت هو العالم الأكثر انفتاحا في توفير أغلب الكتب . بل حتى تلك التي كانت تصادرها وزارة الاعلام آبان حكم الدكتاتورية البغيض . وهذا هو عزاؤنا في نهاية عصر المكتبات العامة .
وهنا نريد أن نلفت ثانية الأنظار لكل المعنيين بالأمر سواء محافظة بغداد أو وزارة الثقافة ، الى هذه المكتبات وأهميتها في تجميل العاصمة بغداد مع ضرورة تطويرها من خلال ايجاد ركن للتواصل مع المكتبات الالكترونية وكما هو حاصل من حداثة المكتبات العامة الاخرى. ودورها في أحتضان الشباب ورفدهم بالمعرفة والوعي . حين ندرك أن القادم من الايام سيكون صراع ثقافات .. ولتجنب ظلام الجهل الذي بات يهيمن على العديد من شبابنا الذي لا يدرك أن " الكتاب خير جليس " في راهننا الحاضر .