فضاءات

طالب جبار: الفنان حر في تناول تجربته والتعبير عنها / حاوره: فهد الصكر

ربما نقف مندهشين إزاء تجربة الفنان التشكيلي طالب جبار، وقد تمحورت بين مدارس عدة، ليكرسها كتجربة تحمل رؤى المشهد البصري، وفهما عميقا للفنون الحديثة؛ اذ أن أعماله التشكيلية سواء منها التخطيط أم الكاريكاتير أم اللوحة الزيتية، تؤشر بصمته الفنية بامتياز عراقي، وهي تأكيد على حقيقة الفنان المنتمي لتفاصيل مدوناته وأدواته المعرفية، ورؤاه التي تترجم وجعه وهو يتحسس قاع المدينة.
ولم يقدم طالب جبار لنا كل مشفراته التشكيلية في عمل اللوحة، بل ما زال في محرابه الفني أكثر من قائم لحقائق تشكيلية سيطرحها، وهي ذات منعطف في المشهد التشكيلي العراقي.
وقريبا من صومعته الفنية كان هذا الحوار:
أي العوالم شكلت حضور اللوحة الأولى في مشوارك التشكيلي؟
- الفن هو التعبير عن الجمال ونقل الاحساس الداخلي الى الآخرين، وبدأ مشواري الفني عندما تحسست عوالم جمال الأشكال التي يدركها الفنان في الاشياء والموجودات، التي يراها في كل ركن من اركان هذا الكون. فالعمل الفني يتجلى في الاشكال المتنوعة.
هل شكلت "التجريدية" بعدا أو مذهبا فنيا لفضاءاتك اللونية؟
- عرفنا الابداع الفني بأنه القدرة الفائقة على التعبير ونقل الاحساس الى الآخرين سواء اكان هذا التعبير من خلال التجريدية ام غيرها من الفنون التشكيلية الاخرى، فكانت بدايتي مع المرحلة الطبيعية التي يختلط مفهومها في اذهان عدد كبير من النقاد مع مفهوم الواقعية. وهناك من يرى في النزعة الطبيعية تطويرا للنزعة الواقعية وكأنها مرحلة من مراحلها. إلا انني تاثرت بشكل كبير بالتيار الرمزي وما يسمى بالمدرسة الرمزية الذي اصبحت منذ اواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، ابرز تيار فني. وقد انضم الى هذا التيار ابرز الفنانين آنذاك. وحبي الى التجريدية جاء لكونها مدرسة لها دواع فلسفية وانا في طبيعتي ميال الى الفلسفة.
مجرد وجود تظاهرة فنية، يعني فتح أبواب للأمل والحياة. هل هي أمنياتك أيضا كتشكيلي؟ وكيف تنظر الى ذلك؟
- المعارض أو التظاهرات الفنية، تمثل فسحة في فضاء الأمل، والانتماء الى روح الجمال، بعيدا عن الخراب والملابسات الحياتية التي هي نتاج واقع مرير. والفنان هو صانع لهذه القيم التي باتت تبتعد شيئا فشيئا عن الكائن البشري، ويظل الفنان في أعماله ساعيا الى مساحات أكبر من الحب والأمل وسعادة الاخرين. وواحدة من امنياتي أن أجد الأمل مرسوما على ملامح طفل احتضنه أو امرأة التقيها في سوق عام. كذلك أجد كل مساحات الوطن وهي ترتفع خضرة وبهاء.
لك أكثر من مساحة للمشاركات في المعارض المشتركة. كيف تجد تأثير الفن التشكيلي على المتلقي الآخر؟
- الفن واقامة المعارض الفنية شيء جميل. واذا فقد الفن خصوصيته التعبيرية، جاز ان نسميه اي شيء آخر غير الفن. فإن كان الفن داخل الصالات، أو خارجها، لا يمكن ان نسميه فنا، لأنه لم يكن على تماس مباشر مع هموم المتلقي المشاهد. لكننا لا نكاد نتجاوز هذه البديهية في تفاصيلها ووسائل تطبيقها. واجد من الضروري على الفنان الملتزم ان يدرك اهمية المشاركة. اما بخصوصي فانا في طبيعتي غير ميال للمشاركات الفنية التي لا اقتنع فيها. فالفن لا يقصد منه مجرد العرض ونقل الشكل الفني بشكل غير واضح وكأننا لم نفعل شيئا. وعليه يجب الاهتمام بالطرف الاخر المتلقي واحترامه.
هل ثمة ما يدعو للرسم كمجابهة القبح مثلا؟ أم رسم صورة جمالية لواقع قاتم الملامح؟
- الرسم وسيلة تعبير يتعامل بها الفنان وفق ضوابط لا تخرج عن حدود الواقع بشكل فكري، في مواجهة الواقع وتفكيكه وفق منظومات جمالية لاعادة خلقه من جديد. ومن هنا تكون المواجهة. وبهذا فإن الرسم له دواع فلسفية، تكمن في أساس النظم الجمالية للرسام ذي النزعة الجمالية في مجابهة القبح، وفي اعقاب كل هذه الحروب على الفنون التعبيرية ان تتضافر من اجل الوقوف امام هذه المحنة الانسانية العاتية التي اصابت الفرد العراقي بويلات الحرب.
كتشكيلي، كيف تنظر الى المنحوتات التي وضعت أخيراً في ساحات بغداد؟
- عرف النقاد للفن ثلاث ملكات وهي ملكة منتجة تتجلى في الفنانين التشكيليين والنحاتين، وملكة ناقدة تستطيع ان تبين مواضع الجمال في الأعمال الفنية. وملكة متذوقة تدرك بنفسها أو بواسطة النقد في الاعمال النحتية من حسن وجمال، وتتلذذ بما تدركه من مظاهر هذا الحسن والجمال. كذلك على المشاهد المتلقي ان يكون له رأي نقدي في تشخيص تلك الاعمال المنتشرة في ساحات بغداد. وانا ارى بعض الاخفاقات من الناحية المكانية، وعدم حسن اختيار المكان.