فضاءات

ارشيف وطني لا يموت ..قراءات في كتاب تاريخ الحركة الانصارية/ عبد الجبار نوري

حصلت على الكتاب بصعوبة لتأثر تسويقه بالقانون الاقتصادي – قلة العرض وكترة الطلب –واني لست ناقدا ادبيا بل كأي قارىء متعطش لديه صورة مشوشة وضبابية عن التجربة النضالية الانصارية من تاريخ الكفاح المسلح للحزب الشيوعي العراقي ضمن المنطقة المحددة جغرافيا – يوضح الكتاب الكفاح المسلح للحزب الشيوعي العراقي برفاقه الانصار ما بين 1978 – 1984 في 460 صفحة تنطق الحقيقة والواقع المر والحلو بشهود اثبات وحضور واقعي ملموس للإدلاء بالشهادة امام محكمة التاريخ، ووضعني الكتاب امام حشد هائل من الاحداث المؤلمة والمفرحة من مقالة وحكاية وسيرة ذاتية ومذكرات شخصية ومواقف محرجة وبعضها قاتلة، عرضها الكاتب فيصل الفؤادي بأسلوب رائع ومشوق يلزم القاريء التتبع والبحث عن الحقيقة عبر المعنويات العالية بروح التحدي وتحقيق الانتصار وهم يخوضون معارك غير متكافئة. نعم يواجهون اشرس عدو مؤدلج بايدلوجية شوفينية وميكافيلية واثنية نازية متطرفة اكثر ملكية من الملك المتمثلة – بالنظام الدكتاتوري ومدجج بأفتك اسلحة الد مار واعلام موجه رصد لها المليارات من قوت الشعب العراقي المكبل بالحديد والنار و الى غضب الطبيعة الجبلية وعواصفها الثلجية وتضاريسها المعقدة المسالك ووديانها السحيقة، ناهيك عن افاعيها وهوامها الفتاكة والامراض المزمنة والمفاجئة مع قلة العلاج او انعدامه، على كل حال- تعددت الاسباب والموت واحد- واكرر عدم تكافؤ المعركة وبيد العدو كل وسائل التخويف والاغراء الا انساني، ويعلن الكتاب شعار الانصار-الحياة او الموت-والحصيلة النهائية الانتصار لانهم اصحاب قضية ولان التاريخ لا يكتبه الطغاة بل تكتبه الشعوب – وما يميز الكتاب بانه خال من التطويل والحشو فهو يحكي الحق والواقع ولم يمنعه قول الحقيقة والانصاف بكل جرأة وشجاعة مما ازال الضبابية والغموض عن الكثير من المواقف الحركية وسوف استقرئ وما حدث ما بين السطور.
-عنوان الكتاب عبارة عن خطاب موثق حقيقي يجسد نضال الحزب لا كثر من 78سنة من تضحيات ونكران ذات في تحقيق اماني الشعب العراقي في وطن حر وشعب سعيد، ويرقى العنوان الى عاصفة فكرية تحطم حاجز الخوف لدى الجماهير واعلان تلاشي فوبيا البعث.
- غلاف الكتاب جميل ورائع يأسر القارىء ويدخله في تأملات مليئة بالفخر والاعجاب بخطواتهم الثابتة وترمز مسيرة الكتيبة الانصارية وكأنهم يخاطبون الجيل الجديد نحن سائرون نحو العلا نحو المجد لتحقيق امانيكم ايتها الشبيبة. اما محتويات الكتاب فهي سرد واقعي ووثائقي لكم من العمليات العسكرية المنتصرة والمتعثرة للمواقف التاريخية الفاصلة، وهنا يضع الكاتب النقاط على الحروف بواقعية حيادية بحيث يذكر الذي له والذي عليه، ويظهر الكاتب كمقاتل واعلامي في ان واحد في تسجيل الاحداث بتجرد ترقى الى ملف وثائقي عالمي موضوعي ملتزم. ويستحق فيصل الفؤادي وساما فنيا تقديريا لمسكه جميع وسائل صناعة الاحداث التاريخية للحركة الانصارية فهو الكاتب والسينوريست والمخرج والمنتج ووجدتك يا ابو شلير متواضعا لم تشر الى نفسك بل تظهر بطولات رفاقك الانصار و حركاتهم النضالية وبصراحة متناهية واثبت في صفحة 228 انك لم تدع الكمال بل ذكرت الذي وقع سلبا ام ايجابا وذكرت نصا --- خسائرنا في بعض المعارك سببه قصور المعرفة والخبرة وعدم التخطيط الدقيق للمعركة هو احد الاسباب في خسارة الكثير من الانصار اضافة لعدم تقدير قوة العدو او الاستهانة في امكانياته او التهور لبعض الشباب من الانصار اضافة الى ضعف التنبؤ—انتهى، وينقلنا الكاتب الى ارشيف الأحداث بالتصوير الفوتوغرافي للأنصار وهم يتسابقون الى التصوير حتى في مناطق الحرام بلغة تحدي للعدو لسان حالهم يقول..ايها الجلاد لا تتعب نفسك اننا هنا.. واوضح الكاتب الدروس الاخلاقية التى تعلمها من مدرسة الحزب كالروح الجماعية الوطنية البعيدة عن النرجسية ليغلب البعد الانساني على البعد الفردي، اما عن تجربة المرأة العراقية كنصيرة فقد وضح الكتاب في صفحة 83الدور النضالي للمرأة العراقية واثبتت جدارة في القتال والقيادة والتمريض وكطبيبة وممرضة وطباخة وقدمت شهداء مثل احلام وانسام، وبذلك شهد الكتاب بهذا الدور البطولي للمرأة العراقية وتطورها الفكري تاركة بصماتها الواضحة في الكفاح المسلح متمثلة بقول ماركس—ان تطور المجتمع يكمن في تطور المرأة- ولن ينسى الكتاب الجانب المعنوي للمقاتلين الانصار حيث عرض للقارىء القابليات الفردية والجماعية في الفولكلور التراثي والغناء والشعر في اوقات الاستراحة القليلة والقصيرة، ولا يكون سهلا وسط القذائف والكمائن ورائحة البارود ، اما عن حرب الانفال السيئة الصيت فيوضح ما خفي منها وما بطن، استعمل العدو السلاح الكيمياوي على موقع الانصار اولا في مقر زيوه استشهد اكثر من 200 انصاري، وكان نصيب اخواننا الاكراد خسائر فادحة في الارواح والتهجير القسري وازالة اكثر من خمسة الاف قرية كردية من خارطة المنطقة والعديد من المقابر الجماعية وتغييب وانفلة الاف من الشعب الكردي بدوافع شوفينية مقيتة، ثم اقتراف النظام العفلقي جريمة قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي تلك الجريمة التي يندى لها جبين البشرية عم 1988 حيث راح ضحيتها اكثر من خمسة الاف مدني من سكان المنطقة الابرياء ويذكر الكتاب هذا الهجوم الوحشي البربري بمرارة ويعلنها بمثابة رسالة موجهة الى الرأي العام العالمي بانها ترقى الى وثيقة ابادة بشرية ومدينة منكوبة ، وذكر الكتاب جريمة حادثة بشتشان وقرأتها بمرارة وهنا تسكب العبرات لأنها حادثة مروعة تجسد الخيانة ونكران الجميل من بعض فصائل الحركة الكردية وان اي منصف لن يتوقع ان تأتي الطعنة من صديق وحليف امس— حتى انت يا بروتس--- بقيام هجوم مباغت غير مبرر من بعض حلفاء المصير فقط لإرضاء العدو لقاء ثمن تافه دفع مسبقا. لقد وضع الكتاب النقاط على الحروف واشار الى ان حادثة بشتشان ليست حادثة عابرة بل انها جريمة ترقى الى ابادة الجنس البشري وجريمة اخلاقية اعدموا الاسرى من الرفاق الانصار والجرحى الرافعين الراية البيضاء راح ضحيتها اكثر من خمسة وستين شهيدا من الانصار كما ذكره الكتاب ما الذي جناه الحزب حتى يواجه بهذا الغدر حتى يعامل بهذه القسوة المليئة بالحقد الاسود حتى لو اخطأ في موقف ما ولكنه جاء لنصرة شعبنا الكردي، وكانت خسائر الحزب اكثر من الف ومئة وخمسين من اعضائه وانصاره الذين توافدوا طوعا لتلبية نداء الحزب لنصرة الشعب الكردي بالكفاح المسلح وهؤلاء الفتية من مناطق مختلفة وقوميات متنوعة، ولا ننسى فيهم الانصاري الكردي الشيوعي طبعا واديان متعددة مندفعين بفكرهم الاممي، فيهم الطبيب الذي ترك مشفاه والمهندس ضحى بعمله وكذلك الفلاح والعامل وشغيلة العمل تاركين اهلهم واطفالهم متحدين الموت في مقارعة ابشع نظام دكتاتوري وترسانته العسكرية الرهيبة و في بيئة وعرة المسالك ملفوفة بالثلوج والعواصف ناهيك ظروفهم التموينية الشحيحة حيث الجوع والمرض وقلة الدواء والعلاج ..الف تحية واجلال لكم ايها الانصار لإيمانكم بوحدة تراب العراق وشعبه العريق.
وبالختام اضع خوذة وسلاح الانصاري وباقة ورد عند راس كل شهيد ومفقود انصاري واقف بأجلال لك يا فيصل الفؤادي لمجهودك الوطني البطولي والف تحية الى الاحياء من الانصار الابطال الذين توجوا عائلاتهم وذويهم وحتى اصدقائهم اكليل الغار والشرف واتمنى لهم العمر المديد لتكملة مسيرتهم النضالية واقتداء الشبيبة بهم —وتحية شخصية للفقيد الانصاري الراحل الطيب الذكر ثابت حبيب العاني .