فضاءات

أنعيك بحرقة المكلوم ولا أقول وداعا رفيقنا الغالي أبو مريم* / جواد وادي

ما السبيل لجمع كل كلمات الحزن لأحملها على جناحي وأعرج بها لآلاف الأميال نحو جسدك الطاهر الذي غاب عنا في غفلة من وقتنا الذي اكتظت سوانحه بعويلنا وما شبعنا بعد، لتبقى روحك الطاهرة تستوطننا بكل بهائها، مؤولنا وبوصلتنا التي تبقّت لنا من وفاء المواقف الجريئة، ونحن نعيش النكبات، وكأنك لم تمت وتأبى أن تقول وداعا، وكيف لهذا الوداع أن يتنكر لمحطات تراكمت في دواخلنا، لترتدي أوشحة الحياة ببريق ألوانها التي كنا نحلم بها رغم رماديتها وما وفقنا، لكثرة العثرات التي افشلت ما كنا نطمح ونسعى إليه ونحن نضع تحت امرتها سني اعمارنا رغم يفاعتها، كان الاقتحام سيد الوقت، وأنت لا زلت شاخصا امامي كما أنت دائما تلوح لمن حولك فعلا وكلاما وايمانا وصوتا هادرا، بأننا سنمضي إلى ما نريد لبناء وطن حر وشعب سعيد، نشيدك اليومي المقدس، رغم القهر والجوع وسيوف الطغاة المسلطة على رقابنا، كل ذلك ولم تهتز أو تفتر أو تلين شكيمتك التي علمتنا كيف يكون الصمود، وكيف ننذر حياتنا لنصيب الهدف الشريف، حتى وإن كان الثمن غاليا، وفعلا كم كانت التضحيات غالية، وبقيت بذات العناد وذات الصلابة وما هزتك رياحهم الصفراء، ولا سمومهم القاتلة. وهل هناك أسعد وأنبل وأوفى من هذا المسار الذي حشرت نفسك فيه وأنت تضع نفسك مشروعا للشهادة من أجل القيم النبيلة.
لن أرثيك يا رفيقي ومعلمي لأنك أسمى من الرحيل الجسدي وروحك تنعم بالخلود السرمدي، لتبقى مناراتنا التي ما أحوجنا الآن اليها وفي هذا الوقت العصيب حيث تتكالب علينا وحوش الأرض ونحن الأسمى والأنقى والأشد عشقا للمبادئ، نحن الأكثر نقاء وتعلقا بوطن جريح كلما سعينا لتخفيف جراحه، نبت له جراح أخرى وما توقفت على امتداد سلطة السياط والقتل وأدوات الموت الهمجي. ونحن الأوفياء دائما وأبدا.
لن أرثيك رفيقنا وشارة وجودنا أبو مريم الحبيب ما دام ذات النبض ما زال يمدنا بدم الحياة التي نذرت نفسك أنت من أجل أن نكون أقوى من الموت، نتجدد في رفاق قادمين لذات الدرب، مشاتل فرح ومشاريع شهادة قادمة، وهذا هو سر تجذر الفكر ومن يحمله في الأرض العراقية، السر الذي كم كان عصي الفهم على الطغاة والحاقدين لاقتلاعه وما أفلحوا. وهذا هو سر خلود الشيوعي الذاهب للموت وابتسامته مياسم حب تفرش دروب الشهادة بأمل جديد.
كيف أنساك وما زالت قهقهاتك تملأ أرجاء المكان بروحك العذبة وطيبتك التي لا حدود لها، وروحك النقية، كنت دائم الابتسامة ومليح النكتة، رغم احساسك الدائم بالانكسار، لوطن ما تعافى يوما.
نم قرير العين رفيقنا وحبيبنا لأنك تركت الأمانة مثلما رفاق الدرب الذين سبقوك، في أعناق من لا يعرفون للخيانة سبيلا.
*الرفيق أبو مريم (خضير عبد الحسن جاسم) رفيق الدرب منذ نهاية الستينات حتى يوم رحيله، رغم مجاهل المنافي التي أبعدتنا سنين طويلة ولكننا التقينا ثانية نهرين في عراقنا الجريح، إنما بذات العشق لحزبنا العتيد.