فضاءات

فنلندا.. من جديد يرفض الشعب الانضمام الى الناتو / يوسف أبو الفوز

في آخر استطلاع للرأي نظمته هيئة الاذاعة الفنلندية "YLE" حول عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي، أظهر أن 55 في المائة من الفنلنديين يعارضون ذلك. هناك انخفاض طفيف ارتباطا بالعام الماضي، حيث النسبة كانت 58 في المائة، انخفض التأييد للعضوية من 26 في المئة إلى 22 في المائة. وازداد عدد الأشخاص الذين هم على الحياد بشأن هذه القضية في نفس الفترة من 16 في المائة إلى 23 في المائة. مرجحا ان هذا الموضوع، سيظل دائما يحتفظ بحيويته، لأنه مرتبط بالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية التي تأتي قبل الأسباب العسكرية.
في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في نيسان الماضي كان موضوع حلف الناتو احد الموضوعات الانتخابية التي سلط عليها المرشحون الفنلنديون الكثير من الضوء. وفي شهر تشرين الأول الماضي بدأت وزارة الشؤون الخارجية الفنلندية بإعداد تقريرها عن السياسة الخارجية والسياسة الأمنية للبلاد وفقا لبرنامج الحكومة ولاجل تعزيز موقف فنلندا الدولي، ولتأمين الاستقلالية وسياستها الإقليمية في سبيل أمن فنلندا ، وكذلك لتحسين أمن ورفاهية الشعب الفنلندي . واحدة من النقاط المهمة في التقرير هي تقييم الآثار لاحتمال دخول فنلندا حلف الناتو!
أن تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية بين حلف الناتو وجمهوريات الاتحاد السوفيتي انتقل وتحول الى تضارب المصالح بين الحلف وروسيا. في العقود الأخيرة ، نجح حلف الناتو في ضم العديد من البلدان في اوربا الشرقية الى عضويته. هذا التطور جعل روسيا تتخذ العديد من الاجراءات السياسية مع اقتراب حلف الناتو من حدودها، وفي حال انضمام فنلندا الى الحلف مستقبلا .
تجدر الإشارة الى ان العلاقة بين فنلندا وروسيا تأريخية ومرت في منعطفات كثيرة. من عام 1809 وحتى عام 1917 كانت فنلندا جزءا من الإمبراطورية الروسية. خاضت القوات الفنلندية ضد الاتحاد السوفييتي اثنين من الصراعات العسكرية: حرب الشتاء (1939-1940) وما عرف بحرب الاستمرار (1941-1944). بعد الحرب العالمية الثانية أعتبرت فنلندا نفسها دولة محايدة و في فترة الحرب الباردة وحاولت اتخاذ موقف وسط بين الكتلتين الغربية والشرقية. وكانت العلاقة مع الجارة الكبيرة دافئة وباردة على حد سواء ، وتتقلب مع مرور السنين . بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، والذي وضعها بشكل فعال كجزء من المعسكر الغربي. فنلندا الان تستورد كميات كبيرة من السلع والضروريات الأساسية من روسيا، مثل الطاقة والوقود. روسيا تستورد كمية كبيرة من البضائع الفنلندية، مثل المنتجات الخشبية، ومختلف الخدمات، مثل تكنولوجيا الاتصالات.
وفي فنلندا ظلت قوى اليسار الفنلندية تعارض أي تطور نوعي في العلاقات مع حلف الناتو. القوى السياسية اليمينية التقليدية في فنلندا لها موقف ايجابي من الانضمام إلى الحلف. في الخطب السياسية تبنت الحكومات الفنلندية سياسة "لا لإغلاق الباب". وهذا يتمثل في عدم الانضمام إلى الناتو في المستقبل القريب ولكن في الوقت نفسه عدم إغلاق الباب في التنسيق والتعاون مع الحلف في نشاطاته. وتبعا لهذه السياسة شاركت فنلندا في قوة حفظ السلام في أفغانستان، وعدد من المناورات العسكرية للحلف. وقد أغضبت التدريبات العسكرية الجارة روسيا . البعض من الأحزاب اليمينية الفنلندية ، يدعو مباشرة إلى الدخول في عضوية الحلف . النائب بيرتي سالولاينين من حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين) ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفنلندي يقول : ان المجموعة البرلمانية لحزبه تعتقد ان فنلندا والسويد يجب أن ينسقا مع بعض ويتقدما معا بطلب العضوية لحلف الناتو .
أن نتائج آخر استطلاع في فنلندا تقول أن الشعب الفنلندي يجد السلام من دون الحاجة إلى الدخول في تحالف عسكري، الذي من شأنه ان يرفع الميزانية العسكرية للبلاد ويشكل عبئا اضافيا على الاقتصاد. إن الشعب الفنلندي يمكنه الاختيار، ان يضع جانبا تاريخ الحروب والصراعات في المنطقة، لكنه لا يستطيع تجاوز الجغرافيا، لأنها تملك دائما حقيقة واقعة، ولا توجد وسيلة للهرب من العلاقات السلمية بين الدول والشعوب المتجاورة. ومن أجل المحافظة على المنجزات الديمقراطية للشعب الفنلندي، فأن السلام مطلوب في المنطقة وضروري جدا .