فضاءات

المقهى الثقافي العراقي في لندن يدشن عامه الجديد بالموسيقى الشعبية / عبد جعفر

في أمسية جمعت بين الأحاديث والعزف والغناء والتحليل، دشن المقهى الثقافي العراقي في لندن عامه الجديد في الحديث عن (الموسيقى الشعبية العراقية) قدمها الفنان عازف الساكسفون عمّار علّو وذلك يوم 31-1-2016 وساهم في بعض الفقرات الدكتور الفنان والباحث الموسيقي سعدي الحديثي.
وفي بداية الأمسية رحب الفنان فيصل لعيبي بالحاضرين وضيوف المقهى الجدد، شاكراً حماستهم وإهتمامهم بنشاط المقهى و طالباً منهم الوقوف دقيقة صمت حداداً على رحيل الشخصيات الثقافية والإجتماعية التي غادرتنا خلال الأيام الفائتة، وهم كل من :
( عميد الصحافة العراقية ومؤرخها الجاد الدكتور فائق بطي، والباحث والمترجم والصحفي عزيز سباهي، والصحفي والإقتصادي نضال الليثي، والمسرحي فلاح مهدي جاسم، والشخصية الإجتماعية عبدالأمير ميرزا).
وفي محاضرته عن الموسيقى الشعبية العراقية، أكد عمّارعلّو على أنه من الصعوبة الإحاطة بهذا الموضوع المتشعب أحاطة كاملة، فالموضوع شائك ويحتاج الى مزيدٍ من البحث،
وأكد المحاضر أن مبدعي(الموسيقى الشعبية العراقية) يتمثل في تكوينهم لمجموعات موسيقية تختص كل منها في تقديم نوع خاص بها وهي في ثلاثة أنواع:
1- فرقة الطبل والزرنة (المطبك).
2- فرقة الموسيقى الشعبية (المزيقة) كما يحلو للعراقيين تسميتها.
3 - فرقة الجالغي البغدادي.
وإشار الى أن (فرقة الطبل والزرنة (المطبك)، وهي من الفرق الموجودة في كل مكان من العراق، من الشمال الى الجنوب، وهي بذلك تعبر بهذا الشكل او ذاك عن الموزائييك العراقي المتنوع والمتعايش عبر التاريخ، ويقدمها موسيقون محترفون، ودائما ترتبط برقصة (الجوبي) والدبكات، وأعطى علّو أمثلة لأنواع هذه الفرق ومصاحبتها للدبكات العربية والكردية والتركمانية والكلدوآشورية في فيديوهات اختارها لتعطي فكرة واضحة بالصوت والصورة عما يتضمنه حديثه.
ومن جانبه أوضح الدكتور الضيف سعدي الحديثي طبيعة الحركة في الدبكات، مشيرا الى وجود أربعة أنواع من الدبكات، وتعتمد كل رقصة على شخص يقف في بداية الراقصين ويمسك مسبحة ، لينظم إيقاعات الدبكة ويوزن حركاتها ، وتناول مسألة لاحظها من خلال بحوثه ودراساته ان هنالك تشابها كبيرا بين الحركات الإيمائية في دبكات شعوب مختلفة ومتباعدة جغرافيا، مثلا الدبكات في اليونان، ولا يعرف من أثر في الأخر أو كيف انتقلت من هذه المنطقة الى غيرها في العالم، ولا تفسر ذلك سوى ان التعبير بالحركة ولغة الجسد والموسيقى هو سمة إنسانية يشترك بها البشر أينما وجدوا.
وتناول الحديثي تفاصيل وتاريخ الدبكة البدوية وعرض لبعض الحركات التي تميزها في الغداء التعبيري.
ثم قدم علو مقطعا موسيقيا على آلة الساكسفون، قبل أن ينتقل في حديثه الى فرق الموسيقى الشعبية (المزيقة) كما يحلو للعراقيين في نطقها، مشيرا الى أنها تستخدم في الإعراس والمناسبات، وهي تمارس عادةً من قبل الفرق العسكرية ألاجنبية، وقد أدخلت الى العراق من قبل الجيش العثماني، حيث كانت تسمى بـ ( موسيقى السراي ).
وقد لقيت هذه الموسيقى نجاحا شعبيا كبيرا بحيث إنتشرت في أغلب المدن العراقية ونافست مكانة الثنائي التقليدي ( الطبل والزرنة أو المطبك)، كما تؤكد الباحثة الموسيقية د. شهرزاد قاسم.
وأكد أن معظم الأحياء في المدن العراقية تمتلك فرقة موسيقية شعبية.
وأشار الى أن أكثر آلالات المستخدمة في هذه الفرق هي آلالات الهوائية (أبواق نحاسية) مثل الترومبيت، و الترمبون، والكلارنيت، و الساكسفون أضافة الى الطبول المرافقة.
ويعد الترومبيوت أكثر تأثيرا لقوة صوته.
وأضاف أن عازف البوق يسمى (الآلجي) وفي أغلب الأحيان يكون هو الخلفة، أي الذي يقود المجموعة ويتفق على الأجور أما عازف الطبل فيمسى (طبلجي).
ومعروف ان الآلجي حسب المناسبة هو الذي يعلن (شوباش) للعروس أو للعروسة أو المختون من أجل الحصول على إكرامية الجمهور من النقود ، التي تكون عادةً أكثر من السعر الذي يدفع لهم من قبل صاحب المناسبة، بسبب حماسة الحضور ونشوتهم.
وأعد وجود فرق الموسيقى الشعبية، مرتبطا بالزواج والختان والولادة، ووصل الأمر بالعراقيين الى إقامة حفلة حتى بمناسبة إتمام معاملة رسمية، كما هو الحال الأن، معطيا مثالا في شريط مسجل لرجل أتم حصوله على بطاقة الأحوال المدنية، بعد عناء ومراجعة إستمرت سبعة اشهر، فجلب فرقة للموسيقى الشعبية الدائرة لتسير معه وهو يرقص من الدائرة المعنية الى البيت عبر شوارع بغداد، إحتفالا بهذه المناسبة السعيدة.
وفي تناوله (فرقة الجالغي البغدادي) أكد أن الجالغي مفردة تركية الأصل ومعناها الجماعة أو التخت الموسيقى وأصلها جالغي أو
( جالغي طقمسي) وهي الفرقة الموسيقية التي تعزف في الملاهي. والبعض رأى، مثل الكاتب إحسان شاكر زلزلة، أن الجالغي هو (جهار آلغي) أي آلالات الأربعة أو الأصوات الأربعة.
غير أن الفنان هاشم الرجب غيّرالتسمية الى ( الجالغي البغدادي ) بسبب إنتشار هذا الفن بشكل واسع في بغداد قياسا بمدن العراق الأخرى.
وفرقة الجالغي يشترك فيها عازفو السنطور والكمنجة (الجوزة) والطبلة (الدنبك) والرق (الدف الزنجاري) والنقارة التي تم التخلي عنها مؤخرا، ولكن مطرب المقام العراقي الكبير محمد القنبجي ، أدخل العود والكمنجة والقانون ، عكس قارئ المقام الكبير يوسف عمر، الذي حافظ على الشكل التقليدي للجالغي.
واضاف علّو أن الجالغي عادة يقام ليلا بمناسبة الأفراح ، ويقوم قارئ المقام بغناء جمهرة من المقامات الى وقت متأخر. واذا لم توفر قارئ المقام فيعوض عنه بـ (البستجي).
ومعروف أن السنطور آلة قديمة استعلمها الكلدانيون ، وقد ذكرت في التوراة، في وصف إحتفال أقامه الملك الكداني نبوخذ نصر.
أما الكمنجة فهي آلة موسيقية قديمة ذكرها المستشرق الإنكليزي هنري فارمر في كتابة عن دراسات آلالات الشرقية، معتبرا أنه من أفضل من عزف على الجوزة هو إبن الغالبي في القرن الخامس عشر الميلادي.
وتتميز فرقة الجالغي بإرتداء العازفين زيا من الموروث العراقي مع (الجراوية) وهي من الأسود والأبيض. وكان السومريون يرتدونها كما تبين الأثار العراقية، وأحياناً ترتدي فرقة الجالغي الملابس المدنية مع السدارة الفيصلية.
وكان علّو يتحف الجمهور بين فترة وأخرى بمقاطع من العزف على آلة الساكفون لبعض الأغاني العراقية الأثيرة والتي رددها جمهور المقهى مع الصفقات الإيقاعية المنسجمة.
وأثارت هذه الندوة الكثير من الأسئلة والمداخلات إشترك فيه كل من ( صبيح منديف، وفيصل لعيبي، و هاشم حسين، والشاب ياسر، ورمزية يوسف، وعواد ناصر، وعماد الحمداني، وعبد الرزاق الصافي، وخالد القشطيني، ونديم العبدالله، وسعدي الحديثي)
وقد تركزت الأسئلة والمداخلات على:
* إرتباط الموسيقى والإيقاعات بالظروف الإجتماعية والبيئة الشعبية.
*موضوع (الجراوية) مستمد من شبكة الصيّاد ومرتبطة بالبيئة المائية للسومريين والتي كانت توضع على رأس الحاكم آنذاك كما هو الحال لدى حاكم لكش جوديا و الملك حمورابي وهي رمز للخير والحكم معاً.
أما الآلت الهوائية، فهناك صورة في المقامة السابعة من مقامات الحريري للمزوق العباسي يحيى بن محمود بن يحيى الواسطي، حيث نرى فيها الآلات النحاسية والطبول، إستبشاراً بالعيد .
* دور النساء في النشاط الموسيقي.
* آلة الجوزة وطريقة صنعها.
* موسيقى الخشابة والأطور الريفية وآلة الربابة وحضورها في الموسيقى الشعبية.
* إنتشار إستعمال ألالات الموسيقية كالسنطور في أوروبا والصين وآسيا الوسطى، ولم تعد حكرا على منطقتنا فقط.
وكان مسك ختام هذه الأمسية تقديم الدكتور سعدي الحديثي العديد من الإغاني والإطوار البدوية التي إشتهر بها ، مما أثار إعجاب الجمهور ومتعتهم.