فضاءات

بطاقة في العيد الثاني والثمانين : عيدك مبارك .. وهاب / إبراهيم إسماعيل*

كل عام، حين يحل آذار، أنوي أن أكتب اليك بطاقة العيد.. وتمر المناسبة من دون أن أفعل ذلك، ربما لأنني لم أرد أن أصّدق بأن أناساً استبدلوا عقولهم بالحقد فقتلوك في بشت آشان.. لكنني أفي بوعدي، اليوم، في العيد الثاني والثمانين لميلاد الحلم الذي استعصى على الوأد، ربما لشعور بقرب أوان الرحيل!
من أين أبتدئ يا وهاب، رفيقي المقيم في الروح.. أمن ساحات الجامعة، وأنت تتصدى بجسدك النحيل لمخالب الذئاب الفاشية .. أم من سفوح كردستان وأنت تضرب مثلاً في إصرار وتحدي الشيوعي لكل الصعاب .. من أين أبتدئ، أيها العمق الذي لا يعرف الإنحناء، أمن صدق إنتمائك أم من الخلق المميّز الذي صنّت به لقب الرفيق!
هل تتذكر يا وهاب لقاءنا الأول قبل خمسة وأربعين عاما، يوم احتفينا سراً بعيد الحزب في ذلك القبو الموحش بما كان يسمى "أم الربيعين".. كنا طلاباً فقراء الا من حماسة لا تنضب، أوقدنا بها شمعة الذكرى، فإنعكست أبصارنا في البصائر، ورفرفت في سماواتنا أسراب الحلم ورأينا ما ليس كغيره من مسار!
كنا غرباء في مدينة ينهشها القهر الطبقي .. لم يدلنا أحد، لكننا إستدلينا بما كان لنا من يقين، فانبثق من عذابات الناس، نسغ أزهرت معه براعم الوعي، وزيت مشكاة أنارت لنا السبيل لخلاص وطن كان وما زال محترقاً في حروب الشقاة، ولشعب كان وما زال سابحاً في دماء ضحاياه!
أتتذكر يا وهاب، تلك الخلايا السرية التي صارت لنا بيتا نسكنه وسماءً تظللنا، مواقدنا في الشتاء ونوافذنا المشرعة لنسائم الحرية .. أتتذكر يا وهاب أولئك الشيوعين الذين غرسوا في الروح عراقنا الجميل مجّسدين بذلك مقولة الخالد فهد من أن الشيوعية اصلح جسور العبور نحو ضفاف الوطنية الحقة.
أتتذكر يا وهاب أولئك الرفاق الذين علّمونا العناد، فامتطينا صهوة العشق واختصرنا الألم الطويل كلما تناسلت الكوارث وهبطت على الوطن مقاصل الظُـلمة والظَلمة، وصار ذاك سبيلنا كي ندرك معنى ما قاله فهـد وهو يعانق اللحظة التي استبدل فيها حياة قصيرة بإقامة دائمة في الأرض، من أن الشيوعية أقوى من الموت!
لم نكن حذرين يا وهاب، كي نتردد فلا نبدأ الرحلة، فقد غمرت الطمأنينة قلوبنا مذ وعينا أن لا سطوع للحقيقة المرتّجاة الا بأن نبتدأ بالحلم.. لم نتردد من أن نشحذ سيف الرفض فليس غير السمك الميت ما يسبح مع التيار.. هكذا إنطلقنا نخوض الجحيم، نفتح للضوء كوى في البيوت المظلمة التي خنقها الجوع والإستلاب ونروي بالدم والدموع شجرة الحياة كي تطرح للجياع والمستلبين أزاهير عطر لا يذوي .. هكذا علّمنا الحزب يا وهاب .. وعلى هذا لا تزال أجيال الشيوعين تواصل الدرب كي لا تحبس الفكرة في الرؤوس أو يخنق الحلم في الصدور.. كي تتحرر زهور الوطن من مخالب الطغاة، وأن يجد الناس طعما صادقاً للحياة!
سلاما يا وهاب! رفيقنا المقيم بيننا أبداً .. ولتحرسك شارة الإقامة في فضاء المجد، وأنت ترى حزبك نسراً يواصل التحليق في الأعالي، ووهجاً لحلم لا يخبو، وعطاءً متجددا في مسار عذب وأصيل .. سلاما لك يا صديقي وسلاما للحزب، وكل عام وأنت والحزب وكل رفاقه بخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* وهاب عبد الرزاق (ملازم حامد)، رفيقي أيام الدراسة في جامعة الموصل وشهيد الحزب في بشت آشان 1983.