فضاءات

عواد ناصر.. شاعر الأمكنة / مزهر بن مدلول

هكذا قدمهُ الكاتب والصحفي اشتي، مستعرضا رحلته الشعرية في محطاته الكثيرة من بغداد الى الشتات، فالشاعر عواد ناصر الذي ضيفته رابطة الانصار الشيوعيين العراقيين في الدنمارك في امسية تميزت بعذوبة صورها الشعرية وبما اثارته من اسئلة معرفية وثقافية لدى الحضور وهم نخبة من المثقفين والكتاب والاعلاميين، بدى المكان جزءا من همومه ومصدرا من مصادر موهبته، ففي المكان تنبت القصيدة ومنه تحمل ملامحها الجمالية، فأخذنا الشاعر من بغداد ( التي ليس اجمل العواصم.. لكنها اجمل من المنفى، واكبر من دمشق....)، الى بيروت (الثقافة والشعر وجبران وفيروز)، ثم الى جبال كردستان، حيث رائحة الخبز الذي يخرج من بيوت (يك مالة) - كرائحة الاوطان على ثياب المسافرين- (مع الاعتذار لمحمد الماغوط)، وبعدها الى (كوجي مروي (ايران) حيث الجدران الضيقة تحاصر التخيل، ثم ينتقل الشاعر الى المحطة الاخيرة من منفاه (لندن)، وفيها يخرج (الخروف المنشق) ليرسم (وجهك لا يشبهك)!.
عندما نتأمل نصوص عواد ناصر الشعرية وهي كثيرة ومتنوعة، لا نجد نصا طويلا او عبارة مستطيلة، ودائما ما تكون الجملة مكثفة ومنصهرة، لكنها مسهبة بالصورة الفنية:
(هكذا الشعرُ الذي ينبعُ
من رأسٍ تحاذي مقصلةْ
ربما من مهزلةْ
وقتها أبصقُ إذ يطفو
على السطحِ غسيلُ المرحلةْ
وبعيداً عن حلولِ "السادةِ" المرتجلةْ
ها أنا أُعلنُ ما يكتمه البعضُ
وأغزو مثلما أُغزى
ضميرَ القتلةْ).
ينحاز الشاعر عواد ناصر في قصائده الى الخاسر، الى مكان الاحاسيس الاولى، الى ناس الازقة الذين يبحثون عن الهواء، الى اولئك الذين يحاولون الفوز لكنهم لا يصلون، وفي ذلك كما يقول الشاعر، تمرد على سكون الحياة وركودها، فالخاسر يضفي على الحياة معنى الصراع والحركة والجدل.
وكما اهتمت نصوص الشاعر بالامكنة، وحملت معها هموم الانسان في وطنه وفي منفاه، فأنّ المرأة الحبيبة والمرأة الام، وجدت لها مكانا في فضاءه الشعري، فحلق بنا في سماء القارة المفقودة المليئة بالصور الفنية والحسية على حد سواء.
وفي ختام القراءات الشعرية، شارك الحاضرون بطرح الاسئلة والاراء والافكار، وساد القاعة حوار معرفي ممتع ومهم، اخذنا عواد ناصر فيه، من كندة امرؤ القيس التي انتهك قوانينها، الى غرناطة، حيث البساطة والريف والمواشي واغاني الغجر ورقصات كَارثيا لوركا!.