فضاءات

گوران ....شهيد لم يغادر الذاكرة * / ئاشتي

الأيام الأولى في كوماته ذلك الوادي الممسوح من ذاكرة خارطة الوطن وجسدها، لا تبعث على الملل والحزن وحسب، بل هي جبل من اليأس يفرش جناحية على عيوننا رغم المكابرة الجليدية ورغم عنفوان ثورية الأمل التي نتحلى بها، كنا نداري هواجسنا في عقم ما نحن به عبر جلسات سمر وذكريات خاوية عن مدن وعشق ليس له وجود في حياتنا، كانت ليالي البرد أهون علينا من هذا الانحسار في سماع أخبار الداخل، كنا نأمل بنسمة أخبار واحدة تساعدنا في القضاء على كل خلايا سرطان اليأس في أرواحنا، وفجأة نجد أنفسنا أمام بحيرة تحوي من الأسماك الملونة ما يخلق في الروح عالما أرجوانيا رغم حرارة شهر آب عام 1980 في (گلي كوماته)وقد تجسد ذلك بقدوم الرفيقان الشيخ ابو سيوان وگوران ليلتحقا بقاعدتنا، رغم أن هناك من سبقهم بذلك، ولكن لهذين الرفيقين طعم أخر، والفرق بين الاثنين كان واضحا، الأول كان متخرجا من كلية الآداب أما الثاني فقد كان عامل خياطة، الأول بدأ بتعليمنا اللغة الكردية أما الثاني فكان يعلمنا دون أن يدري أن الكلمة فعل قبل أن تكون حروفا، يقطع الأشجار دون قرار بذلك، يجلب الماء دون أن يطلب منه، يرتق ملابس الرفاق وكأنه يمارس هوايته، أحيانا يجلس لوحده كأنما يريد أن يستعيد إلى خاطره ذكرى عزيزة عليه، هو في الحقيقة لا يعرف غير الصمت والابتسام، تعلم كيف يعيد تركيب البندقية بعد تفكيكها مثلما تعلم كيف يستخدمها، لم يتحدث عن تاريخ حياته سوى أنه قال لدية ثلاثة أطفال وزوجة، حين تقرر تشكيل مفرزة مهمتها أن تستجلي أمر التنظيم الحزبي والصلات مع العمق، كان الشهيد گوران من ضمنها مع رفيقه الذي التحق معه، بعد شهر أو أقل من ذلك عادت المفرزة ربما ليس جميعها ولكن هذا البعض الغائب كان الشهيد گوران من ضمنه، ويوما بعد يوم اتضح الموقف، فقد استشهد الرفيق گوران بطلقة خاطئة خرجت من بندقية رفيق، ذهب مع المفرزة لكي يبلغ عائلته أن لا تقلق عليه لأنه غادرهم في أول مرة دون أن يبلغهم أين ذاهب، يبدو انه حقق رغبته في أيصال هكذا آمر إلى عائلته
عادت المفرزة إلى كوماته والوجوم يطغي على وجوه أفرادها، النصير الذي خرجت الطلقة من بندقيته كان أكثرهم حزنا وصمتا فقد ارتبط بعلاقة رفاقية مع الشهيد، حين كنا نمر قريبا من الوادي الذي ضم جثمانه وقد أطلقنا عليه (وادي الشهيد)، يلوح لنا وجه گوران مبتسما غارقا بالصمت الأبدي، لآنه لم يغادر ذاكرتنا نحن الذين عرفناه.
• الشهيد گوران اسمه الحقيقي (بير الياس)من سكنة مجمع مهد التابع إلى قضاء الشيخان استشهد بطلقة خاطئة ودفن في واد إلى جانب قرية (بينه رنكه) الواقعة على الشارع الذي يفصلها عن قرية دزيي. تابعة إلى ناحية أتروش.