فضاءات

الشهيدة رسميه جبر الوزني (ام لينا) / لينا النهر

قبل قرابة اربع سنوات طلبت من ابي ان يكتب موضوعاً عن امي ، يصفها لمن لا يعرفها وكذكرى لمن عرفها ولاحفادها.وليس هناك احد في هذه الدنيا اعرف منه بوالدتي - أم لينا.
طلبت منه وصفها كما كانت. مناضله فدت العراق والحزب الشيوعي بحياتها وأمومتها وكل ما تملك.
ورحب ابي بالطلب وكتب الموضوع حينها وسلمني اياه، ولكن طبع المسودة اخذ من الوقت ما اخذ .. فموضوع للاخرين على الورق هو وشم السنين على الوريد.. وشم مرسوم بالدم والدمع والقهر. عجباً كيف يسترد الانسان حياته بعد تدميرها..عجباً كم طعنة خنجر مسموم وجرح نزف احتملناه .. عجباً اذا كانت مجرد طباعة مسودة بإمكانها ان تقلب يومك رأساً على عقب ونوقظ وحش الذكريات النائم .. ويطلب منك ان تعيش الحياة الطبيعية.. كيف؟ ولكن نرجع ونقول لم لا ؟ بحبنا للعراق وتاريخنا المشرف مرفوعو الرأس نقف. لم نخذله يوماً. ولن نخذله ابداً.
الشهيدة ام لينا (رسميه جبرالوزني)
من الكوادر المتقدمه في الحزب الشيوعي العراقي وعنصر قيادي في الحركه النسوية العراقية من خلال عملها في قيادة رابطة المرأة العراقيه.
من عائله عراقيه كادحه, ولدت عام 1949. تخرجت من دار المعلمات وعملت في مجال التعليم الابتدائي. مديرة مدرسة ابتدائيه من صفين في ريف كربلاء, بنيت من القصب وبدون اية مرافق ملحقه بها. ومن خلال هذا الواقع ومعايشتها واقع الطالبات وعوائلهن في الريف بدأ نشاطها الجماهيري ليقودها ذلك ومن خلال علاقتها ببعض العناصر والعوائل الشيوعية الى الحزب الشيوعي العراقي, فأنتظمت في الحزب عام 1972 وقد عرفت بعد ذلك بمبادئها وجهاديتها في مختلف الظروف. حيث قادت منظمة الحزب النسائية في المحافظة وكانت عضو في اللجنة المحلية للحزب التي كانت تقود العمل الحزبي في المحافظة. وقد تميزت الشهيدة بعملها الديمقراطي والجماهيري وعملت على اعادة تشكيل فرع رابطة المرأة العراقية في محافظة كربلاء في المدينة والريف. وكانت ترفد الصحف بتقارير عكست واقع ومعاناة ومطالب النسوة في الاماكن التي عملت فيها. مما اهلها ان تصبح في الهيئة العليا التي كانت تقود رابطة المرأة في عموم العراق.
تزوجت عام 1974 من رفيقها محمد النهر وكان يعمل حينها في المنظمة الحزبية. وفي عام 1975 رزقا بابنتهما الوحيدة لينا والتي شكلت قصة حياتها نموذجاً لمآسي ومعاناة اطفال وعوائل المناضلين الشيوعيين والوطنيين. ونتيجة لنشاط ام لينا المتواصل والدؤوب بدأت اجهزة البعث المختلفة حملة التضييق عليها خاصه بعد ان ساهمت في المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي العراقي عام 1976. وفي المدرسة وبتحريض من مكتب المعلمين التابع لحزب البعث طلبت مديرة المدرسة ان تلقي ام لينا كلمة الاسبوع (والتي خصصت لمدح انقلاب شباط الاسود) غير انها رفضت ذلك واحيلت الى لجنة تحقيقية عوقبت على اثرها ونقلت الى التعليم في مدينة الرمادي. وبعد مدة قصيرة تركت التعليم وتفرغت للعمل الحزبي في محافظة كربلاء.
وفي عام 1977 ارسلها الحزب وزوجها إلى الدراسة في (معهد العلوم الاجتماعية) في موسكو لمدة سنتين, حيث تركا ابنتهما لينا عند اجدادها في كربلاء. وعندما تفاقمت مضايقات ومطاردات البعث للشيوعيين والديمقراطيين وتحولت الى هجوم عام على كل ما هو تقدمي في البلاد, لم يتمكنا من الرجوع الى العراق. فبقيا في سوريا, وهناك ساهمت الرفيقة ام لينا في اعادة تشكيل المنظمة الحزبية وتأسيس فرع رابطة المرأة العراقية في سوريا وساهمت في اعمال مؤتمر الرابطة الرابع الذي عقد في بيروت والذي جدد انتخابها للهيئة القيادية للرابطة، وفي تلك الفتره كان التوجه العام للحزب ومناضليه هو التوجه الى كردستان وحمل السلاح ضد النظام الصدامي الفاشي. ولهذا انخرطت ام لينا في دورة للتدريب على مختلف الاسلحة وتعلم فنون حرب الانصار, وبعدها توجهت الى كردستان مع زوجها واثنتين من اخواتها في منتصف عام 1981, وبرغم ظروف حرب الانصار الصعبة وامكانات النظام الفاشي وامكانات الحزب الشحيحة في البداية الا ان ام لينا استطاعت تحمل كل ذلك وقطعت اراضي كردستان العراق مشياً على الاقدام مع سلاحها وحاجاتها البسيطه من زاخو في دهوك لغاية منطقة قرداغ في السليمانية لتعود من جديد من السليمانية الى دهوك بنفس الظروف. غير ان الهاجس الحزبي والنسائي بقي في ذهنها ولهذا ارسلها الحزب إلى العمل الحزبي في بغداد والفرات الاوسط وفي ظروف الهمجية الفاشية للنظام وتحطيم التنظيمات الحزبية الشيوعية والمعارضة. وفي ظروف خارقة التعقيد بقيت ام لينا في تلك المناطق لتنجز مهامها وتعود الى كردستان. وانخرطت في العمل الانصاري من جديد لتعود إلى بغداد والفرات الاوسط مرة اخرى عام 1984 الى ان تمكنت اجهزة الامن الفاشية من القاء القبض عليها وعلى رفيقاتها لتتعرض الى ابشع انواع التعذيب لكسر ارادتها، غير انهم فشلوا وقد تحدتهم بكل كبرياء مما اضطرهم الى احالتها ورفيقاتها الى محكمة صورية حيث حكم عليها وعلى احدى رفيقاتها المناضلة ام سعد بالإعدام شنقاً.
ونقلن الى سجن الرشاد حيث لاقين مختلف المضايقات الى يوم تنفيذ حكم الاعدام, عندها تقدمت الجميع ام لينا وهتفت باسم الحزب الشيوعي العراقي وحياة الشعب العراقي والموت للجلادين.ودفنت الشهيدة ام لينا سراً لحين سقوط النظام الفاشي والتعرف على رفاتها الطاهر في احدى المقابر في بغداد.
لقد عاشت الشهيده ام لينا ظروفاً صعبة وقاسية, غير ان جرحها الكبير ومعاناتها الدائمة حتى في الظروف الطبيعية هي فراقها ابنتها العزيزة لينا. لقد حرمتها ظروف الارهاب الفاشيه من العيش مع ابنتها، فحين سفرها الى موسكو عام 1977 كان عمر لينا سنتين واربعة اشهر ولم تلتق بها الا في دمشق 1979- 1980 لتعيش البنت ظروف الحرمان من الوالدين, وقد حانت احدى الصدف النادرة والبالغة المأساويه ان تشاهد الشهيدة ام لينا طفلتها عام 1982 عند اختفائها في بيت اخيها في كربلاء, فقد كانت تشاهد لينا وهي تلعب في ساحة البيت من دون ان تظهر لها نفسها,وذلك بسبب الجو البوليسي الذي فرضه النظام البعثي ، وملاحقته حتى الاطفال للإبلاغ عن كل شيء في بيوتهم. وبدافع عاطفة الامومة التي لا تقاوم وضعت احدى المرات اللثام على وجهها والتقت بها في البيت وتحدثت معها، غير ان لينا وبدافع غريب حاولت رفع اللثام عن وجه امها, ولم تتمكن بسبب حذر والدتها. فأي فيلم يمكن ان يسجل مثل هذا الموقف وعمق المعاناة الانسانيه في هذا اللقاء..
وكأن مأساة لينا وحرمانها وظروف العائلة المهددة يومياً بزيارات الأمن وتعرضاتهم لا تكفي. ففي احد الايام وفي المدرسة الابتدائية, ارسلت في طلبها مديرة المدرسة, لا لشيء يخص المدرسة, بل لتخبرها بخبر اعدام والدتها بطلب من منظمة البعث الفاشي. فالى اي حد وصلت الخسة والاجرام بان تخبر بنتا في الابتدائية بخبر اعدام والدتها....
وتدور عجلة الحياة ويسقط النظام الفاشي ويقف المجرمون في قفص الاتهام ويمجد الشعب العراقي شهداءه وابناءهم وليفسح الحديث عن كل هذه الظروف والمعاناة . اما لينا فتلتقي بوالدها في السويد بداية عام 1993 وبعدها تتزوج وتنجب ولدين هدير واثير, تتحدث لهم عن جدتهم البطلة وعن العراق وتلقنهم حكايات اطفال العراق واناشيده.