فضاءات

مهرجان ستوكهولم الثقافي ـ 2016

ستوكهولم - عبد الرضا المادح
تزخر العاصمة السويدية بنشاطات متنوعة طيلة فصل الصيف ، واهمها المهرجان الثقافي الذي يبدأ في 16 آب ولمدة اسبوع ، ويكون الدخول للنشاطات مجانا . في " حديقة الاشجار الملكية " هناك مسرح ضخم ثابت ، وتم اضافة مسرح اصغر اخر ، ومسرح ثالث على ساحل ( خَبس برون ) امام القصر الملكي ، والمسرح الاكبر تم نصبه في ساحة " غستاف ادولف " وعند مدخل مبنى " الاوبرا الملكي " ، كما انتشرت العشرات من الخيم الجميلة لمختلف النشاطات وكذلك خيم المطاعم واكشاك بيع المأكولات المتنقلة. كان هناك العديد من الخيم الكبيرة والمخصصة لنشاطات الاطفال ، حيث وفروا فيها ومجانا كل مايحتاجونه الاطفال للرسم والاعمال اليدوية المنوعة .
طبعا هناك جريدة خاصة بالمهرجان تستعرض برنامجه واماكن النشاطات في المدينة ، وكان للكتاب حضوره ايضا ً حيث نُظم معرض الكتاب على الهواء الطلق في اليوم الاخير في شارع الملكة ، ويعتبرونه المعرض الاطول في العالم ، وبحضور العديد من الكتاب حيث يمكن مقابلتهم والحديث معهم عن نتاجاتهم .
في يوم السبت 20 آب، الشمس كانت تطل بحياء لتنشر دفئها الرقيق فدرجة الحرارة لم تتجاوز 25 مئوية ، السماء تمكيجت ببعض الغيوم المتقطعة البيضاء الشفافة ، هواء عليل حمل بهدوء المناطيد الملونة فوق هامات البيوت البديعة التصاميم ، ركاب المناطيد تتقاذفهم لذة المناظر ورهبة الطيران .
يوم السبت ، كان متميزاً بعرض فرقة " الاوبرا الملكية "وفرقة الغناء الاوبرالي ، تجمهر الآلاف من البشر حيث امتلأت الساحة ، كما حضر الملك " كوستاف ادولف " ممتطيا جواده البرونزي و المنتصب على قاعدة ضخمة من الغرانيت في وسط الساحة ، مابين دار الاوبرا الضخم ومبنى وزارة الخارجية ، وتحيط بالساحة مباني جميلة جدا من العهد " الباروكي "، الملك بجبروته و كبرياءه رافعا انفه للاعلى ، لم يرعب طائر النورس الذي حط على قمة رأسه يراقب المشهد بهدوء . ظلام الكون اسدل ستائره لينتشر ضوء المصابيح من اعمدة اشبه بالسنديانات
اعتلت منصة المسرح فرقة الاوبرا والفرقة الغنائية ، عاصفة من التصفيق ، ثم خيم الهدوء لتنبعث الموسيقى الساحرة لمقطوعة ( زواج فيجارو ) من اعمال موزارت ( 1756 ـ 1791 ) ، انارة المسرح كانت مدهشة حيث تتبدل الالوان تدريجيا من الاحمر للبنفسجي ثم الازرق والاصفر وتنثال اعمدة الشعاع بفعل بخار يملأ فضاء المسرح فيكتمل عالم الخيال ، وتتوالى المقطوعات لـ روسيني ( 1792 ـ 1868 ) ثم لـ لير ( 1870 ـ 1948 ) وبعدها لـ جيآردانو ( 1867 ـ 1948 ) ثم لـ آدم ( 1947 ـ ) وبعدها لـ جاناسك ( 1854 ـ 1928 ) واخيراً مقطوعتان لـ رافيل ( 1875 ـ 1937 ) حيث كانت الخاتمة مع كونسرت / باليت ( بوليرو ) لـ رافيل المدهشة والتي جعلت الاجساد تتمايل طرباً .
الجمهور كان راقيا ً حضاريا ً ، فلم اشاهد أن احدا ً استخدم تلفونه الموبايل للاتصال بل للتصوير فقط ، ولم اسمع رنّة تلفون مطلقا ً، عند العزف صمت تام و انسجام مع الموسيقى ، وكانوا يعبرون عن اعجابهم وسعادتهم بالتصفيق الطويل عند نهاية كل معزوفة .
منذ الثامنة مساءً كان البرد يلسع ظهري ، ولكن عشقي للموسيقى الكلاسيكية و دفئها جعلني اصمد لمدة ساعة ونصف بعدها هرولت لمحطة القطارات وأنا مسحور بهذه الامسية الرائعة حقا ً.
21 ـ 08 ـ 2016