فضاءات

المرأة الريفية.. واقع صعب منحها الصلابة!

بغداد – وكالات
في الوقت الذي تترك آلاف النساء بصماتهن على خارطة التطور في المجتمعات، تنزوي المرأة الريفية بعيدا، مابين إنجاب الأطفال وإدارة شؤون المنزل، ودورها الأساسي بالخروج الى الحقل لممارسة مهنة الزراعة الى جانب زوجها وقد تمارس أعمالا خشنة لا تنسجم مع طبيعة بنيتها الجسدية، لكن عزاءها الوحيد في حياتها هو رؤية أولادها يكبرون وينجبون.
خلال تلك الرحلة تواجه المرأة الريفية معوقات وواقعا مأساويا ربما كان السبب في منحها الصلابة والصبر فضلا عن سمرة مكتسبة من حرارة الشمس وخشونة في اليدين ووعيا وبصيرة تلقائيين.
وتروي لنا أم علاء تفاصيل من حياتها التي تتكرر يوميا كحلقة مفرغة حالها حال النساء في الريف العراقي.
فهي تستيقظ مع طلوع الشمس لتعد الخبز الحار وتحلب الأبقار وتعد الفطور، وبعد أن يتناول أفراد العائلة فطورهم ويتفرقوا لممارسة أعمالهم، تذهب الى الحقل لترعى الماشية وتجز (العشب) الذي تتناوله الماشية أو لتعتني بالمزروعات، تاركة أطفالها ويضمنهم، طفلها الرضيع في رعاية جدتهم المسنة، مما قد يعرضهم لمخاطر عدة، جراء الإهمال، لتعود ظهرا وتعد الغداء وترتاح قليلا ثم تخرج عصرا لتجلب (العشب) لعشاء ماشيتها.
وقبل حلول الغروب، تخبز أرغفة من الخبز وتعد عشاء لعائلتها، تتخلل تلك المهام عملية نقل الماء من النهر لعدم وجود ماء صالح للشرب في معظم الأرياف، وتغسل ملابس الأطفال وتعتني بهم فضلا عن استقبال الضيوف وإعداد الولائم الكبيرة التي تستقطب عادة جميع أبناء القرية. حتى تحيل تلك الأعمال المرهقة (أم علاء) لحالة من التعب الشديد فتنام مبكرا لتصحو مبكرا وهكذا.
حلم.. وقرار
أما حلم هناء احمد في أن تصبح معلمة لتفوقها في المدرسة، فقد تلاشى بعد أن بلغت مرحلة الثاني متوسط، بسبب قرار والدها وأعمامها بمغادرة المدرسة لعدم وجود مدرسة متوسطة قريبة لفتيات القرية. فأهلها يجدون صعوبة في إيصالها للمدرسة والالتزام بذلك يوميا، كما يرفضون سيرها لمسافات طويلة خوفا عليها، لذا اختاروا الطريق السريع الذي يعني مغادرتها المدرسة والزواج مبكرا.
المدرسة (سناء نعمان) كانت واحدة من فتيات تلك القرى اللواتي نجحن في تخطي تلك العقبة وإتمام دراستهن مع البنين في القرية ثم إتمام الدراسة الجامعية في الأقسام الداخلية.
لكن لهذه المرأة معاناتها الخاصة، فبعد تخرجها وحصولها على تعيين في المدرسة التي درست فيها، واجهت مشكلة جديدة تتلخص في عدم حصولها على فرصة زواج.
فأقرانها من أبناء قريتها تزوجوا بينما كانت تكمل دراستها ومن بقي منهم لا يناسبها لا في مستواه الثقافي ولا في وضعه الاجتماعي، فهم يبحثون عن زوجة تعمل في الحقل وتربي الحيوانات وتنجب الأولاد فقط.
إكراه.. وإهمال
في حين يعدّ الزواج هو حلم الفتاة الريفية الوحيد، إلا أن الحياة الزوجية غالبا ما تشكل لها كابوسا لا ينتهي. فالمرأة الريفية لا تملك حق اختيار الزوج ويمكن تزويجها مبكرا أو قسرا بزواج (كصة بكصة) الذي يعني تزويج الفتاة لشقيق زوجة أخيها كبديلة لها، وفي حالة حدوث خلاف بين شقيقها وزوجته أو طلاقهما فلابد أن ينسحب ذلك عليها وتطلق أيضا.
وهناك صيغة أقسى لتزويج الفتاة الريفية وهي إعطاؤها كـ (فصلية) لدى إجراء فصل عشائري وتكون جزءا من (دية) الفصل وغالبا ما تعامل بازدراء وسلبية.
كما تعاني الكثير من الريفيات من مشاكل صحية يعود سببها الى عدم اتباع الوسائل الخاصة بحماية حياة المرأة، ويقف وراء ذلك الجهل والبعد عن الحضارة.
فالزواج المبكر والولادة على أيدي القابلات وكثرة الإنجاب واتباع مفاهيم خاطئة وإهمال جوانب الصحة العامة تؤدي كلها إلى تفاقم الأزمة الصحية للمرأة الريفية بشكل عام.
فالدكتورة إيمان إبراهيم تقول: إن المستشفيات تستقبل يوميا العديد من نساء الأرياف مع عشرات الأطفال المصابين بالجفاف والالتهابات المعوية والتيفوئيد ولين العظام وسبب ذلك هو أن العديد من العوائل الريفية لا تلقح أطفالها وتهمل النظافة العامة. فهم يتناولون الأطعمة دون غسلها ويسبحون في السواقي، وأغلب سكان الريف لا يعتقدون بوجود الجراثيم أو الالتهابات وإنما يعتقدون بان الرضيع قد (كرف) شيئا ما، أي انه تنفس رائحة احد الحيوانات مثل القنفذ، فيستخدمون (الكي) على بطن الطفل ويضعون الكحل في عينيه ويستخدمون دهن الطهي لمعالجة الحالات الجلدية والثوم المحروق لمعالجة التهاب الأذن.
وتبقى هموم المرأة الريفية بحاجة الى اهتمام مؤسسات الدولة سواء التشريعية أم التنفيذية وحتى القضائية، كي تنهض بواقعها وتواكب مسيرة العلم والتطور أسوة بالمرأة في المدن.