فضاءات

المرأة العراقية في مواجهة صعوبات الحياة / ماجدة البابلي

ظاهرة التسول المنتشرة في بغداد وباقي المحافظات اصبحت (مهنة) او عمل استسهال للرزق السريع وهذا اسلوب سلبي غير حضاري وخاصة فيما يخص المرأة العراقية التي نشاهدها كل يوم في الطرقات والشوارع والتقاطعات قرب شرطة النجدة والسيطرات وفي كراجات نقل المسافرين معرضات انفسهن للمخاطر الجسدية والتحرش مقابل حصولهن على قوت يومهن مع خطر استغلالهن من قبل العصابات الاجرامية اذ توفر لهن اماكن العيش والسكن وهذه الظاهرة مخالفة للقوانين والاعراف وجميع الاديان السماوية.
ولكي نتعرف اكثر على مثل هذه الحالات اجرينا استطلاعاً لبعض النسوة المتسولات والاسباب التي دعتهن الى احتراف هذه المهنة غير النظيفة. وبدأنا بالمتسولة سعيدة سلمان خضير تقول:
عندي 5 اولاد الكبير عمره 14 عاما وهو معوق واسكن في منطقة كمب الكيلاني تحت الجسر في غرفة من الصفيح، زوجي متوفى وبحثت عن عمل لم اجد فاضطررت الى التسول لكي اوفر لقمة العيش لاولادي وها انا اعيش بدون كرامة ولا أمل في ان يتغير حالي الى افضل.
اما فليحة جاسم حمود قالت:
انا غير متزوجة وعمري 63 عاما ولا يوجد لدي احد يرعاني حتى اقاربي بدأوا يتضايقون مني وخاصة اني مريضة بالسكري وبدأ المرض يأكل قدمي ولا يوجد من يعالجني فاضطررت الى التسول ماذا عساني ان افعل حتى استطيع ان اعيش واعالج نفسي الى ان يأخذ الرحمن امانته لارتاح واريح المجتمع مني.
وذهبنا الى مكان آخر واذا بشابة لم تتجاوز سن 17 عاما وهي تبيع السكائر في زاوية من زوايا الشارع.

* ما اسمك؟

سامية علي حسن

عمرك؟

17 عاما على ما اظن لا اعرف اقرأ او اكتب.
لماذا اتيت هنا؟

لأحصل على رزقي لاعيل اخوتي الخمسة.

اين والديك؟

- توفوا في انفجار احدى الاسواق الشعبية عام 2008 ولم يبق لنا احد وانا كبيرة اخوتي ونسكن في غرفة واحدة عند احد أعمامي وانا المسؤولة عن اعالة اخوتي الاربعة.

قلت ان اخوتك خمسة اين الخامس؟

-والداي عندما توفيا تركا لي اختاً عمرها 6 اشهر فأخذتها عائلة ميسورة الحال وتبنتها لانني لم استطع تربيتها لكوني مسؤولة عن اخوتي الاربعة الباقين.

ما هي المخاطر التي تتعرضين لها اثناء تجوالك في الشارع؟

المخاطر كثيرة لكن الاصعب والاخطر هو تعرضي للتحرش الجنسي باستمرار وهذا ما يجعلني اكره نفسي واليوم الذي ولدت فيه بدون كرامة وعزة نفس.
والى تقاطع اخر لاحد الشوارع واذا بأمرأة تبيع السبح والبخور تجاوزت سن الخمسين عاما وهي تقول:
- ان زوجي متوفي ولم ارزق باولاد وبيتي عبارة عن غرفة من الصفيح في العشوائيات فاحصل ما احصل عليه وارجع ليلا الى بيتي.

المخاطر التي تعرضت لها سيدتي؟

المخاطر كثيرة وخاصة الانفجارات والاغتيالات هذا المشهد اليومي اعتدت عليه. اما العصابات فهي تأتي بين فترة واخرى ولا اعمل معها.
اما الملفت للنظر فهناك الكثير من الفتيات واللاتي يتراوح عمرهن بين السابعة والثانية عشرة يتسولن في الطرقات. والتقينا باحداهن واسمها سناء:

ما عمرك؟

لا اعلم

ماذا تفعلين هنا؟

ماذا افعل؟ انا (اجدي) قالتها بملء الفم ووجهها يصرخ كمن يقول (انا بذمة من هنا؟ ومن المسؤول عن حالي هذا بعد ان سرقت طفولتي ضاعت احلامي وامالي؟ لا اعرف من انا ومن هم اهلي).

اين اهلك؟

ليس لدي اهل فتحت عيني في بيت سيدة اناديها بامي غير هذا لا اعرف يقولون انها ليست امي وهي التي ترسلنا كل يوم للتسول واذ لم نقبل او نعترض تضربنا وتحرق اصابعنا بالنار ونرجع اخر الليل لها.

الا تخافين من البقاء الى وقت متأخر من الليل؟

ماذا افعل، انها لا تقبل ان نرجع الا في الساعة العاشرة ليلا او الحاديةعشرة.
ما هي المخاطر التي تتعرضون لها؟

الخطف والتحرش الجنسي وفي احدى المرات خطفتني جماعة وخلصتني امي التي اعيش معها لانها تعرفهم.

منذ متى وانت تتسولين؟

منذ ثلاث سنوت.
وتعرفنا على فتاة اخرى وعمرها بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة واسمها موج حيث سردت قصتها مع التسول وهي تقول:
والدتي قتلت عندما هجرنا من منطقتنا في حي الاعلام وابي توفي بعدها وترك لي 6 اخوة وتفرقنا على الاقارب في المحافظات لا اعرف عنهم شيئاً وانا بقيت عند عمي. وعندما اراد ان يزوجني الى ابنه فوق زوجته وسوء اخلاقه رفضت فطردتني زوجة عمي وعندما خرجت الى الشارع تعرفت الى امراة كبيرة في السن هي وزوجها (ادعت انه زوجها) وذهبت معهم الى بيتهم وبقيت فترة معهم حتى شعرت بالامان واذا بهم يدفعون بي الى التسول فلم استطع المعارضة وها انا مصيري الشارع وما فيه من مخاطر.
هؤلاء عينات صغيرة جدا من الالاف بل من الملايين من الارامل والايتام الذين يسقطون كل يوم نتيجة الوضع الامني المتدهور وغيرت مسار العديد منهم بعد ان فقدوا الام والاب مما يعرض الاطفال للضياع بعد قتل طفولتهم واحلامهم ولا ذنب لهم سوى انهم وجدوا في بلد يعيش ثلت سكانه تحت خط الفقر فيما لا ينتهي قادته من تصفية حساباتهم السياسية ونهبهم للثروات باسم القانون والدستور.
فهذا هو حال المرأة العراقية من إله يعبد ويقدس في زمن الانسان البدائي وبعد ان تعلم وسن القوانين وشرعها اصبحت عورة وشيطاناً ومتسولة ومتشردة في القرن الواحد والعشرين.
* المتسول سعيد عمره 56 عاماً جعل من يده اليمنى مخبأة تحت ابطه في محاولة لايهام الناس بعوق مصطنع. سعيد قال وبدون اكتراث "لقد اشتريت قبل يومين سيارة سايبا صغيرة بالاقساط بفضل ما أحصل عليه من عمل التسول " . ما دفع برجل قريب منا ان يضحك بصوت عال قائلا "عشرون عاما في الوظيفة وانا سائق دون ان تصلني حتى في الحلم السايبا التي تملكها انت الان" .
* المواطنة ( ام كريم ) ربة بيت تقول: لو ان المتسولين يملكون شيئا من المال يعينهم في حياتهم اليومية ، لما انحدروا الى هذا المستوى فالسبب الرئيس الذي يدفعهم الى التسول هوالفقر والعوز .
* المواطن (ابو كامل) يعزو هذه الظاهرة الى سبب رئيسي هو البطالة ، هذا بالنسبة للبعض منهم .
اما البعض الآخر فيعتبرها مهنة ادمن على ممارستها، وعن انتشار المتسولين في العاصمة بغداد يقول " انها شبكات تحركها رؤوس مدبرة ، انهم اشبه بعصابات تسيطر على عمل معين تحتكره لوحدها. وللحد من هذه الظاهرة ، يتوجب على المسؤولين توفير فرص عمل للقادرين على العمل، وتأمين رعاية اجتماعية للعاجزين ، ودراسة هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها .

رأي

ولمعرفة رأي المسؤولين في انتشار هذه الظاهرة, وكيفية الحد منها تحدثت مديرة قسم دور الدولة في دائرة الرعاية الاجتماعية قائلة: "التسول من الظواهر التي انتشرت في العراق وازدادت في الاونة الاخيرة, ومن الاسباب التي ساعدت على تفاقم هذه الظاهرة, الفقر وكثرة عدد العاطلين عن العمل.
اضافة الى جهل بعض الاسر في التنشئة الصحيحة, وتسرب الاطفال من مدارسهم, وعدم تسجيل الاخرين فيها واستخدامهم لغرض التسول, والذي يؤدي بدوره الى التشرد نتيجة التفكك الاسري وكثرة الطلاق، كل هذه عوامل ادت الى استفحال الظاهرة وليس الحد منها".