فضاءات

القطاع الصحي تراجع الى الوراء / رياض عبيد سعودي

ابتداءً لابد من القول ان المستشفيات الحكومية لا تزال بعيدة كل البعد عن التخطيط العلمي والإداري، أي انعدام هيكلية علمية وإدارية واضحة، فالعمل فيها لا يعدو ان يكون ردود فعل لحالات طارئة.
فتكديس الأدوية وحشر الأطباء وبينهم اختصاصات مهمة في بعض المستشفيات في حين لا تجد طبيباً استشاريا في اختصاص معين في مستشفى او حتى على مساحة محافظة بأكملها، أمر عبثي.
اوهذا سببه الروتين الحكومي والسياقات غير العلمية التي تتبع في إخضاع هذا النشاط الى التخطيط المثالي. واذا راجعنا بعض المؤشرات عن الواقع الصحي فإننا أمام أرقام مذهلة. مثلاً عندما أضيف من الأَسرة خلال سنوات ما بعد التغيير في النظام السياسي ما لا تزيد على 5 خمسة آلاف سرير في عموم محافظات العراق وان محافظة بغداد لوحدها فيها 700 سرير موزع على 37 مستشفى والحاجة تقدر بحدود 21 ألف سرير. أما الموجود من المراكز الصحية فيها فهو 350 مركزاً صحياً موزعة على مناطق بغداد والحاجة تقدر بخمسمئة مركز الصحي.
ان هذا الواقع أدى إلى حدوث زخم واكتظاظ المراجعين على المستشفيات الحكومية، لا سيما انه ليس هناك بناء مستشفيات جديدة رغم تضاعف عدد السكان خلال فترة الخمس عشرة سنة الماضية. فالمريض مهما كانت درجة خطورة مرضه يتنقل دون جدوى بين المستشفيات ليجد له سريراً يستقبله. ناهيك عن اكتضاظ ردهات الطوارئ التي تستقبل الحالات الطارئة التي لا يمكن الانتظار معها لحين خلو احد الأسرة. ولعل من بين أهم العناصر التي لها أهمية كبيرة في تحسين الخدمات الصحية والذي لا يقل أهمية عن دور الطبيب او المؤسسة الصحية هو دور الكوادر الوسطية وهي ?الكادر التمريضي والخدمي لأنها على صلة مباشرة بالمريض حيث يبذل هذا الكادر جهداً كبيراً للعناية بالمريض فالطبيب يأتي مرة يشخص ويكتب العلاج ويبقى على الممرض بذل الجهد للاهتمام بالمريض وتنفيذ ما يقرره الطبيب.
ورغم أهمية هذا الكادر فإنه يلاحظ النقص الحاد في اعداد هذه الكوادر وضعف الحوافز المادية المطلوبة بالإضافة الى تراجع برامج التطوير والدورات التدريبية.
ان غياب الأطباء الاختصاص والأطباء العموم رغم الحاجة اليهم بسبب ضعف الرواتب والتهديدات الأمنية التي يتعرض لها الأطباء من جهة أخرى، حيث تشير المعلومات الى ان هناك 69 بالمئة من الكفاءات الطبية أي بواقع 28000 طبيب من مختلف الاختصاصات ترك العمل وغادر الى خارج العراق، رجع منهم الى العراق 400 طبيب فقط وللأسف الشديد ان هذه القضية لم تستأثر بالاهتمام المناسب من قبل الحكومة ووزارة الصحة بشكل خاص، ثم ان الطبيب وخاصة الاستشاري والكوادر الوسطية هي ليست كالموظف البسيط الذي لا يؤثر غيابه على استمراره للعمل، يضاف الى كل ذ?ك مشاكل استيراد وتوزيع الأدوية والمستلزمات الطبية والتي تمثل أحد المصاعب التي تعاني منها وزارة الصحة حيث تبدأ المشكلة من تقدير الحاجة حتى في الأدوية التي لا تتم بطرق علمية، حيث انها تعتمد على اجتهادات أشخاص موجودين في المؤسسات الصحية وعند نقلهم الى أماكن أخرى فإن الموظف البديل لا يعترف بالتقديرات المعتمدة قبله فيعمد الى وضع تقديرات قد تكون غير متناسبة مع الحاجة الفعلية بدرجة معقولة مما ينشأ عنه النقص الحاد في بعض أصناف الأدوية او تراكم كميات من أصناف أخرى وتعرضها الى انتهاء فترة الصلاحية. وعلى نحو عام فإن ?قص الأدوية سببه الفساد في مختلف مراحل الاستيراد والخزن، حيث يتم اختيار الأصناف على أساس العلاقات مع المكاتب العلمية التي تؤدي دوراً كبيراً في إشاعة الفساد. حيث تقوم هذه المكاتب بدفع عمولات ورشاوى كبيرة للحصول على عقود توريد المواد الطبية. وهذه المكاتب هي التي تضع الأسعار والمواصفات دون أي منافسة، كما ان بعض هذه المكاتب تمثل شركات عديدة في وقت واحد. ان القطاع الصحي رغم أهميته الكبيرة وما يحظى به من اهتمام حكومي إلا انه يتعرض الى أخطر عمليات الفساد المالي حيث أعلن في تقرير اكتشاف فساد مالي في وزارة الصحة بلغ? قيمته 445 مليون دولار تتعلق بعقود الأدوية والأجهزة الطبية وعن حرق مخازن إستراتيجية في أحياء بغداد بلغت محتوياتها 100 مليون دولار. وتبدأ عمليات الفساد من اللجنة الفنية التي تضع المواصفات وبحسب الشركة التي تدفع عمولة أكبر إضافة الى حالات الفساد في موضوع الإحالة مروراً بوصول البضاعة والإخراج الكمركي واستلامها في المخازن التي تعاني هي الأخرى من انعدام الخدمات وشروط الخزن الصحيح. خلاصة القول إن القطاع الصحي يعيش حالة من التدهور من خلال الفوضى وانعدام التخطيط على صعيد الطاقة الاستيعابية للمرضى او عدد الأطباء وا?اختصاصيين بشكل خاص. ونقص الكوادر الوسطية وضعف عمليات تأهيلهم الى جانب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، أمر يؤدي إلى المعاناة المأساوية التي يعيشها المواطن العراقي الآن، وان التدمير للبنى التحتية والمرافق الصحية كان متعمداً من قبل الإدارة الأمريكية التي أهملت تأهيل هذا القطاع منذ دخولها العراق وحتى الخروج منه. المهم ان هذه الأزمة بدأت منذ أكثر من عشر سنوات أثناء حرب الخليج وما بعدها من عقوبات اقتصادية خانقة على العراق وخاصة على الأدوية والمستلزمات الطبية، وأن اضعف الضحايا لهذا الدمار هم الأطفال لا سيما أولئك?الذين هم تحت سن الخامسة حيث تشير الأرقام المتوفرة الى أن مستوى وفيات الاطفال يترب من مستواه في دول جنوب الصحراء بافريقيا حيث أشارت اليونسيف الى ان عدد وفيات الأطفال في تزايد حيث يتوفى يومياً 125 طفلا بين كل 1000 مولود.