فضاءات

تاريخ عريق ودماء زكية / عاصي دالي

يحتفل الشيوعيون العراقيون في 31 آذار من هذا العام بالذكرى الثالثة والثمانين لميلاد حزبهم الشيوعي العراقي المجيد، قدموا فيها آلاف الشهداء وتعرض عشرات الآلاف بل مئات الآلاف منهم ومن أصدقائهم ومؤازريهم خلال فترة نضالهم الدؤوب إلى أقصى صنوف الظلم والاضطهاد، مما جعل الحزب يستحق شرف اسم حزب الشهداء والمناضلين.
ففي فترة كان العراق يواجه مهمات التحرر الوطني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ظهر الحزب الشيوعي العراقي الذي لا يعرف المهادنة والمساومة على حساب الحركة الوطنية والقومية, ولا يعرف المواسم في النضال، وكان دائما ولا يزال يـربط القضية الوطنية بمصالح الكادحين من أبناء هذا الشعب، بغض النظـر عن الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
لقد تمتع الحـزب الشيوعي العراقي بحب واحتضان الجماهيـر الشعبية له, بسبب دفاعه العتيد والمتواصل عن مصالحها وطموحاتها وأهدافها المقدسة، في أوقات المحن والشدائد وفي مختلف الظروف.
أن هذه الحقيقة معروفة لـدى الأصدقاء والأعداء على السواء، وهي معروفة جيدا لجماهير شعبنا العراقي بكافة طبقاته وفئاته الاجتماعية، وقـومياته وأقلياته القومية، وان هذا النضال الذي قاده الحزب وتضحياته الجسام، أكسبته احترام وتقـدير الحركة الوطنية العراقية، على مدار الحقبة الزمنية الماضية، ومن أهم نضالات الحزب كانت الانتفاضات والتظاهرات الجماهيرية الواسعة،
في ربيع 1935 دافع الحزب عن الانتفاضات المسلحة التي قادها الفلاحون، في أرياف الفرات وكردستان، وفي تموز 1935 أصدر الحزب الشيوعي العراقي أول جريدة مركزية له، وهي (كفاح الشعب) وكانت أول جريدة عراقية تطبع سرا، تناول فيها مطالب الجماهير الشعبية، وكان المدافع الحقيقي لـها.
لقد بذل الرفيق الشهيد سلمان يوسف سلمان (فهد) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، جهوداً مضنية ومبدئية خلال أعوام 1938 ــ 1945 من أجل أعادة بناء الحزب ، وتأهيله للوقوف في طليعة النضال الوطني التحرري لشعبنا، واصدر الحزب جريدته الشرارة ثم القاعدة وقد حرر الرفيق (فهد)العديد من المقالات في جريدة الحزب أو غيرها من الصحف المحلية، دفاعا عن قضايا العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين، وعن القضايا الوطنية من اجل الاستقلال والسيادة الوطنية ،ودافع عن القضايا القومية على الأسس الديمقراطية، التي تلبي مطالب ومطامح الكادحين في البلدان العربية، ويتميز في هذا السياق مقاله الذي نشر في عام 1942 والذي دعا فيه إلى اتحـاد عربي أسماه (اتحاد الشعوب العربية المناضلة في سبيل الديمقراطية ،والانعتاق من السيطرة الرجعية) كان هذا المقال يتصف ببعد نظر مبدئي وطابع عملي في وقت واحد, وكان الحـزب يستهدف دوما تعزيز مكانة القوى الوطنية والثورية، وأحزابها كافة تحت شعار (قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية).
وعند انعقاد الكونفرنس الثاني للحزب عام 1956 تحت شعار (في سبيل تحررنا الوطني والقومي) كان من أول أوليات الحزب، هي إقامة جبهة الاتحاد الوطني، التي ساهمت في قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958المباركة, وقد تميز الحزب الشيوعي العراقي بفهم مطالب الفلاحين وصياغتها بشعارات واضحة ومفهومة لهم، وتمكن من تعبئة قوى الريف وإعدادها للمساهمة في الثورة والدفاع عنها إذا اقتضى الأمر. وتكمن أهمية أعداد الفلاحين للإمكانات التي يمتلكونها في شل حركة الإقطاعيين إذا ما قرروا القيام بعمل ضد الثورة، وقد كتبت جريدة (صوت الفرات) التي أصدرها التنظيم الفلاحي للحزب (الحركة الفلاحية قوة ثورية قادرة على المساهمة في اكتساح الحكم العميل). وقد أصبح الحزب المعبئ والمنظم للنضالات الفلاحية، واكتسب خبرة نضالية في العمل بين الفلاحين مكنته من رسم شعارات مناسبة يدركها الفلاحون، والتي تمثل مصالحهم،
وعند صدور بيان اللجنة العليا لتأسيس جبهة الاتحاد الوطني، بادر الحزب الى تشكيل الوفود لمخاطبة الشخصيات الكبيرة والمؤثرة في الوسط الجماهيري، والذين لديهم نزعات وطنية معادية للاحتلال وضد النظام العميل وحثهم على الاصطفاف الى جانب القوى الوطنية، وقد وجهت جريدة الحزب (اتحاد الشعب) النداء الآتي : ( أيها المواطن الغيور , بادر بنفسك دون أن تنتظر إيعازا إلى الاتصال بأبناء محلتك أو قريتك أو المشتغلين معك في محل عملك في السوق أو العمل أو المؤسسة، التي أنت بها أو بأبناء مهنتك أو المقربين منك، بصرف النظر عن معتقداتهم أو قومياتهم لتكوين لجنة وطنية تتصل بالجماهير وتشرح لها المطالب الوطنية الكبرى التي أعلنها بيان جبهة الاتحاد الوطني).
ومنذ اليوم الأول لثورة الرابع عشر من تموز، كان الحزب الشيوعي العراقي من أوائل المؤيدين والمهنئين للثورة، من خلال برقية التهنئة التي أرسلها الرفيق سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 ،وأصدر الحزب في اليوم نفسه بيانا أشار فيه إلى دعمه للثورة، ومن فقراته (إن ثـقتنا لا حدود لها بقوى شعبنا العراقي الأبي الزاخر بعربه وأكراده بعماله وفلاحيه، وكافة جماهيره الشعبية الباسلة، وبقوى جيشه المغوار، وبقدرة هذا الشعب الأبي المجاهد على الوقوف كرجل واحد لرد كل معتد أثيم وكل باغ لئيم). وتعرض الشيوعيون العراقيون في شباط الأسود، 1963 إلى حملة بربرية شعواء راح ضحيتها الآلاف من قيادات وكوادر الحزب ، وأصدقائه ومؤازريه من أبناء شعبنا العزيز الذي لم يبخل يوما على الحزب، في تقديم خيرة أبنائه وبناته ليرفده بها وليبقى شامخا ضد أعدائه.
وقاد الحزب الشيوعي العراقي نضالا لا هوادة فيه، ضد النظام الدكتاتوري الصدامي البغيض، خلال العقود الماضية التي سبقت التغيير في التاسع من نيسان 2003 ،والذي جاء عن طريق الحرب التي رفضها الحزب، حيث رفع شعار (لا للحرب.. لا للدكتاتورية) ،وقد اصدر الحزب بياناً في الخامس من آذار قبل احتلال العراق جاء فيه: (ابعدوا شبح الحرب تضامنوا مع الشعب العراقي في سبيل الخلاص من الدكتاتورية، وإقامة البديل الديمقراطي) ،وكان رافضا للحرب باعتبارها الخيار الأسوأ والأشد تدميرا،
وهاهم الشيوعيون العراقيون، وحزبهم العتيد على أبواب الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيس حزبهم، وهم يفتخرون بتقديم القرابين تلو القرابين من خيرة أعضاء وأنصار حزبهم، لأجل حرية وطنهم وسعادة شعبهم ، وقد عقدوا مؤتمر حزبهم العاشر تحت شعار (( التغيير... دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالــة اجتماعية ))
انهم يتطلعون إلى بناء دولة مدنية ،من خصائصها أنها تتأسس على ثقافة مدنية ونظام مدني، يقوم على قيم السلام والتسامح والقبول بالآخر، دولة يضبط عملها دستور وقوانين يشرعها مجلس منتخب، على وفق قوانين وآليات انتخابية عادلة، ويتم فيها تداول السلطة سلميا، وتضمن حقوق الإنسان على وفق ما جاء في لائحة حقوق الإنسان العالمية ،وفيها يتم الفصل بين السلطات الثلاث على نحو بيّن وواضح، كذلك فصل المؤسسات الدينية والعشائرية عن المؤسسات السياسية، وفيها تكون المؤسسة العسكرية خاضعة إلى الإدارة المدنية المنتخبة ديمقراطيا، ويحصر السلاح بيد الدولة
،ويتحقق ذلك عبر نضال متواصل ومتراكم، وتحالفات واصطفافات وطنية عابرة للطوائف، تسعى إلى تحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية، وترسيخ الوحدة الوطنية.
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية العراقية
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي