فضاءات

لندن تودع الرجل الذي أوجعته المنافي

عبد جعفر
في صباح الخميس يوم 17 آب ودع رفاق وأصدقاء الكاتب والمترجم سعدي عبد اللطيف الى مثواه الأخير في مقبرة شمال لندن، بعد أن حفروا الذاكرة بالكلمات،
واضعين سنوات عمره الضائع أمام الضوء بعيدا عن غبار النسيان، وتراكم الإهمال الذي عصف به، وأنفرد به موجعا إياه في الصميم.
ضاع عنا سعدي قبل وبعد رحيله مدة قصيرة، ولكنها تعد سنوات طويلة، قتلته الوحدة والخيبة، فبقينا مندهشين كيف يسرق الموت واحدا منا من دون أن نعلم رغم أننا نعرف ما آل وضعه في السنوات الماضية، وشفيعنا أنه حاضر في القلب.
تحدث في ذلك الصباح الحزين أبن أخته الدكتور أنيس عن الخال الذي أبعدته عنه سنوات المنفى عن عائلته ووطنه، و تناول الرفيق عبد الرحمن مفتن سكرتير منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بريطانيا حكاية الرفيق الذي كرس همه لترجمة ماركس بالعربية وأكد الأستاذ هاشم الهاشمي ممثل التيار الديمقراطي دفاعه المستميت عن الديمقراطية واهمية بناء الانسان العراقي والحفاظ على كرامته، و تناولت الفنانة أمل بورتر تاريخ صداقتها مع سعدي منذ ان كان طفلا وعلى فمه الأسئلة الصعبة التي كونت اهتماماته لاحقا. وعدت ممثلة المنتدى العراقي السيدة فوزية العلوجي إنجازات سعدي الإبداعية في الكتابة والترجمة وهو يعبر من منفى الى أخر.
ثم ألقى الشاعر فاضل السلطاني صديق الشاعر كلمته التي استلها من وجع الحادثة فقال فيها (سعدي.. لن أقول لأربعين سنة من الصداقة وداعا .. من طريق الشعب الى الجزائر الى هذه المقبرة الضائعة في لندن. أربعون سنة من الصداقة لا أذكر أننا تحدثنا فيها سوى عن شيئين: الحزب والثقافة، أيهما أولا؟ لقد توحدا تماما شطر من هنا وشطر من هناك، كانا شيئا واحدا. الحزب الذي كنت تحفظ تاريخه كما تحفظ قصيدة، هذا التاريخ الذي كان يرفضنا حينا ويهبط بنا حينا، نزهو بتاريخه وشهدائه ونبكي لإخطائه. هل هناك شيء آخر في حياتك يمكن في جوهر ذاك؟ أجزم : أن لا
أي كتاب لم نتحدث عنه! اية قصيدة لم نرددها في تلك الاماسي الشجية!
وها أن موتك كتب قصيدة أخرى عرفنا بدايتها وظلت النهاية مجهولة لنا.
كيف مت؟ وكيف أنتهيت جسدا ضائعا في المستشفيات؟ كيف عثرنا عليك أو عثرت علينا؟ ولكن لنسجيك تحت التراب أية قصيدة غامضة هذه؟!
وأخيرا قل لي ما الذي استرجعته ذاكرتك لحظة الموت؟
ذاكرتنا لن تنطفئ، فبيننا تاريخ طويل لن يمحى من الحب والفرح والشعر والحزب والهزيمة والشقاء
فنم مطمئنا يا سعدي..
سعدي لن أقول وداعا بل أرفع نخبك!