فضاءات

المقهى الثقافي وعرض ثلاثي الأبعاد لعشر مدن تاريخية من بلاد الرافدين

في الجمعة السابع والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) كان جمهور لندني يترقب لمشاهدة أمسية غير تقليدية حيث وعده اعلان المقهى الثقافي العراقي انه سيعرض فيها بتقنية الأبعاد الثلاثية تصورات الفنان والمهندس العراقي قيس يعقوب اسحق لعشر مدن تاريخية من بلاد ما بين النهرين .
لتعذر حضور الضيف المحاضر من باريس ، قدم للأمسية السينمائي علي رفيق ، وقال انه جهزلجانب من مقابلة للفنان قيس أجرتها معه فضائية العراقية في وقت سابق، يقدم فيها نفسه ومشروعه ، وفعلا تم عرضها على الشاشة الكبيرة .. وتضمنت:
"ولد الفنان التشكيلي والمهندس قيس يعقوب أسحاق في مدينة الموصل عام 1950، لكنه أنتقل مع عائلته الى بغداد حتى بلغ مرحلة التعليم الجامعي، فدخل كلية الهندسة التكنولوجية /جامعة بغداد . وتخرج فيها عام 1973.وأضافت هذه الدراسة المهنية والتقنية لموهبته في الرسم ، أبعادا علمية جعلت منه فنانا متكاملا، ومع شغفه وحبه للتراث والمعمار ،كان قيس يعقوب ينمي مهاراته الفنية."

وأضاف التقرير الذي تابعه جمهور الأمسية على الشاشة:" عمل قيس يعقوب في وقت مبكر من حياته رساما في "مجلتي" و"المزمار" المخصصتين للأطفال. وبعد ذلك انتقل للعمل ضمن كادر مجلة "علوم وتكنولوجيا " وهي مجلة مخصصة للأطفال أيضا، ثم عمل في مجلة " تقنية المستقبل" المخصصة لليافعين. خلال السنوات الأخيرة وجد قيس طريقا آخر للتعبير ،حيث وجد في برامج تقنيات ثلاثية الأبعاد ضالته في التعبير ، خصوصا بعد ان تعرضت المواقع التراثية والآثارية للتخريب في اكثر من حالة ومرحلة، فأنطلق ليعيد بناء التراث العراقي أفتراضيا ، من خلال تصاميم حركية لتلك المواقع والآثار والأطلال".
عرفنا من خلال مقدم الندوة علي رفيق ان الفنان والمهندس يعقوب يقيم الان في العاصمة الفرنسية باريس ، ويعكف على استكمال مشروعه في بناء المدن القديمة والحارات والمناطق البغدادية ومدن عراقية أخرى، أفتراضيا.
ووزع المقهى على جمهور الأمسية ورقة مطبوعة تعرف بالفنان الضيف جاء فيها انه:
-عضو عامل في نقابة الصحفيين العراقيين منذ عام 1970.
-عضواستشاري في نقابة المهندسين العراقيين منذ عام 1973.
البرنامج الأهم في عالم الأظهار المعماري ثلاثي الأبعاد لحد الآن.Lumion-عضو نشط في منتدى
وأقام معرضه الشخصي الأول في المركز الثقافي الفرنسي عام 1970 وأعقبه بمعارض عديدة أخرى وآخر مشاركاته في باريس كانت في معرضي :
لعامين متتاليين 2011-2012ART-VO6+ART-VO7
كما عمل جداريات ولوحات من الحديد ومواد أخرى بلغ عددها الـ 68 عملا موزعة على ثلاث كنائس بغدادية هي : كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك – المنصور وكنيسة العذراء للكاثوليك – المنصور وكنيسة شفيع العمال – قرب نفق الشرطة.
يهتم الفنان والمهندس قيس يعقوب في الوقت الحاضر بالتراث وحضارة بلاد وادي الرافدين ويعيد بناء معالمها ومدنها في أعمال ثلاثية الأبعاد ويستخدم في تنفيذها عدة برامجيات حديثة .
ويقول قيس مخاطبا الحضور عبر الشاشة:" انا بدأت بهذا المشروع ،لأنه من النادر الدخول له والأشتغال عليه، لأنه يحتاج الى فريق عمل ..ولأن لديّ ألماما بالرسم وبالنحت وبالتصوير وبالبرامجيات الحديثة وكأنني خمسة أشخاص في واحد .وبقدرتي على السيطرة والتحكم بعملي بحاسبة واحدة وبجلسة واحدة..ومشروعي هو المساهمة في بناء العراق الحضاري أفتراضيا، عبر تقنية ثلاثية الأبعاد". وأضاف انه قدم تصوراته للمدن القديمة اعتمادا على :" المخطوطات الآثارية والكتابات على الرقم الطينية ..وكل ما أصل اليه من الوثائق التي تم العثور عليها ، مع العمل وفق نظريات هندسية .. لأن المشكلة هي ان آثارنا تختلف عن حضارات أخرى كالمصرية مثلا التي اعتمدت على الحجر والتي بقيت صامدة على مر العصور ، بينما آثارنا تعتمد على الطين والطابوق المفخور بالشمس فلم تصمد .. وحتى كتب التاريخ التي درسناها لم تحو على صور توضيحية مما تجعل من الصعوبة على الطفل ان يستوعب المادة .. فهو يحتاج الى صورة حمورابي مثلا لتترسخ في ذهنه أعمال هذه الشخصية ..".
وأكد الفنان التشكيلي قيس يعقوب ان ما ينطبق على التاريخ القديم ينطبق تماما على التاريخ القريب ، وخاصة بعد أن تعرضت كثير من حاضراتنا (مدننا) الى التخريب المتعمد فمثلا الموصل :" (عوجاتها) أي أزقتها ، التي انا أصلا ولدت فيها ، جسدتها بشكل جميل وتنقلت فيها وكأنني سائح أحمل بيدى كاميرا وألتقط لها صورا الى ما لا نهاية وبزمن مفتوح وبفضل البرامجيات الألكترونية تتيح لي تنفيذ ذلك". وأكد ان مثل هذا العمل يتطلب :" فريق عمل متخصص ، يتعاون معي ، وينبغي توفير كافة أدوات التنفيذ ، وحتى الى متخصص يضع لهذه الأعمال الموسيقى المناسبة ، والى جميع الأختصاصات السينمائية التي تتطلبها افلام ذات الأبعاد الثلاثية .. يصعب عليّ تحقيق كل ذلك لوحدي.. ثلاث جهات ينبغي ان تشترك بهذا المشروع هي التربية والثقافة والمتاحف .. فمثلا على المتحف العراقي ان ينشيء قسما خاصا للعرض السينمائي للمدن القديمة وعمل بوسترات وأطالس وبروشورات مطبوعة بشكل أنيق وتصاميم جميلة تفيد تعريف السواح بحضارتنا قبل مشاهدة المواقع الآثارية أو اللقى التاريخية ، فهذه وسائل تغني تصوراتهم وتخيلاتهم قبل تجوالهم بين الأطلال على ارض الواقع ".
بعد هذه المقدمة التعريفية بشخص وأبداع التشكيلي قيس دعا مدير الأمسية الحضور لمشاهدة العرض ثلاثي الأبعاد والتي نوه عنها الفنان علي رفيق انها جهود فردية للفنان المهندس قيس وهي مقدمات بسيطة (نماذج) لمدن وادي الرافدين لفترات ما قبل الميلاد وهي : أوروك، نيبور (نفر) ،بابل ، خفاجة، شادوبوم (تل حرمل) ، نينوى ، خرسباد، آشور، نمرود.. وأكد على ما يطرحه قيس من أنه ليس آثاريا انما يعتمد في تصاميمه على ما يتوفر من مصادرووثائق وتحقيقات آثارية..وأن الفنان يعمل على انجاز اعمال لكل مدينة على حدة لتغطية جميع المدن السومرية والأكدية والبابلية والآشورية.
تابع الحضور العرض بأهتمام بالغ وبانتباه شديد ..وكان العرض يبث على الهواء بواسطة الفيسبوك عبر حساب صديق المقهى سمير طبلة وعلمت (طريق الشعب) ان اكثر من ثلاثة آلاف مشاهد كانوا يتابعون الأمسية في مختلف بقاع العالم .
وحسب برنامج الأمسية الذي أعده المقهى كان المعماري نعمان منى قد هيأ مداخلة بعنوان "وقفة عند تأملات قيس يعقوب أسحاق" أستهلها بنبذة تاريخية عن ظهور العمارة وتنوعها بتنوع حضارة وادي الرافدين من سومرية الى اكدية الى بابلية الى آشورية الى رجوع الى البابلية وبعد سقوط بابل وظهور دويلات مستقلة مثل الساسانية في المدائن والحضر في الشمال والمناذرة بالحيرة . ثم انتقل الى مناقشة اعمال الفنان فقال:" ليس فقط قيس انما جل الأثاريين طرحوا تأملات ،لأنه المعلومات عن كيفية بناء المدينة السومرية او الآشورية او البابلية هي شحيحة جدا ..أول مرة تذكر بالكتب او الرقم الطينية في الكتابات المسمارية عن تخطيط وبناء المدينة كانت في ملحمة "كلكامش" التي تم التحدث بها عن بناء السور."
بهذا أكد منى ان المعطيات بقيت معتمدة على الأجتهادات لتحديد الشكل المعماري ..واكبر مثال على ذلك تصورات عن صرحين مهمين هما الجنائن المعلقة وبرج بابل اللذين تم تخطيطهما ورسمهما من قبل آثاريين وفنانين بأشكال مختلفة بناء على وصفهما من الأغريق والتوراة ايضا .وما قام به الفنان قيس يضاف الى ما قام به في انجاز عمله هو من ضمن استلهامات ما قام به الآخرون في تقديم تصوراتهم لتلك المدن .
وواصل المعماري نعمان منى مداخلته قائلا :" انا سأناقش المادة المعروضة من نقطتين الأولى جانب التخطيط المعماري والحضري لما طرحه قيس والجانب الثاني هو الانتاج الفني وهل افلح في اخراج الفكرة التي نتوقعها او نتمناها .. لنعطي شكل العمارة آنذاك علينا العودة الى ما تبقى من أبنية تلك المدن وصخورها وتماثيلها وزخرفتها ورسومها والكتابات عنها .هناك تفاصيل معمارية كقضايا الدفاع او ما يطلق عليها المسننات في أعلى الجدران ". واضاف :" ان ماطرحه قيس نرى في أور تلك المسننات لكن في تل حرمل غابت هذه المسننات ، وأجد صعوبة في تقبل وجود سور يخلو من المسننات ..وهذا ينطبق على نمرود..وايضا توقفت عند بعض التفاصيل المعمارية التي وجدت صعوبة في تقبلها هو ما شاهدته في تصميم تل حرمل حيث البناية فيها تشبه اي بناية حديثة وعلى طابقين ، فحسب علمي لم توجد آنذاك الطوابق المتعددة في حضارة وادي الرافدين انما ترتفع على شكل مدرجات وكذلك شاهدنا في اوروك وغيرها المعابد من طوابق عديدة ورأينا هناك اعمدة في البنايات في حين من المعلوم ان حضارة وادي الرافدين لم تعرف الأعمدة في البناء وشكلها يشبه بناء القرن العشرين ".
وأورد المعماري نعمان منى ملاحظات أخرى منها انه رأى في عرض قيس ان المدينة كانت مخططة لكنه يرى عكس ذلك لم تكن المدن وقتذاك مخططة بل كانت على شكل عشوائي ومستوطنات متناثرة .
اما الجانب الفني فقال منى:" استخدم قيس نوعان من البرامج هما (ليمونون وسكيج آب) الأول لا أعرفه اما الثاني فأعرف انه يستخدم من كثير من المعماريين وهو بسيط وهو يبدأ من اساسات البناية ثم يصعد الى اعلاها ويتيح لنا الدوران حول البناية .وهذه هي ما يعرف بالأبعاد الثلاثية ..أستخدم هنا بدون حياة .. فيما عدا مشاهدتنا اليوم لطيور محلقة في سماء المدن".
ثم عرض منى فيلما قصيرا عن بناء مدينة روما لمقارنتها بعمل قيس ولكنه أكد:" ان تجويد العمل كما قال قيس ، وانا أعطيه الحق ، يحتاج الى جهود اكثر..يحتاج الى اشخاص اكثر..الى متخصصين .."
وشكر علي رفيق المعماري نعمان منى على ما أبداه من ملاحظات تقييمة ووضح ان سبق لقيس في مطلع الأمسية وشدد على حاجته الى فريق عمل وهذا الشغل ليس فرديا انما عمل ينبغي ان تقوم به مؤسسة فشركة أنتاج سينمائي كبيرة مثل "والت ديزني" رصدت امكانات بشرية ومالية هائلة لتحقيق افلام الرسوم المتحركة المعروفة الثلاثية الأبعاد وقال ان قيس عبر الأتصال به يعرف هذه الحقيقة ولهذا هو يتطلع الى مؤسسة بامكانات واسعة تتبنى أعماله .
وكانت آخر مداخلة للسيد كريم سبع حيث أحضر كتابا لنوح صموئيل كريمر الألماني شيخ الآثاريين والذي احتوى على خريطة لمدينة نفر قال عنها :"هذا اللوح وجدته البعثة الألمانية للتنقيب في 1899 في مدينة نفر ..صموئيل كريمر الذي يعتبر أبا للسومريات .. شرح ما موجود في الرقم وخارطة للمدينة والتي تعتبر اول خارطة في العالم تظهر فيها معالم المدينة بمعابدها ومعبد الأله أنليل ونهر الفرات والحديقة المركزية الأسوار وابوابها ..والخارطة مرسومة بمقياس الرسم الحقيقي الذي نعرفه اليوم ".
انتهت الأمسية لكنها تركت اسئلة بدون أجوبة وخاصة رأي الفنان قيس يعقوب لغيابه عن الأمسية وتعذر سفره من باريس الى لندن ، لكن "طريق الشعب " سعت للأتصال به لأستيضاح رأيه بما تم طرحه في الأمسية وأفلحت بالأتصال به واجابنا الفنان قيس مشكورا بما يلي :
" أشكر أعضاء المقهى الثقافي العراقي في لندن وأخص بالذكر الأخ فيصل لعيبي والأخ رفيق توفيق لتقديم أعمالي في منتداهم الثقافي الموقر وأشكر الأخ سمير طبلة للبث المباشر الذي مكنني من المتابعة... هناك ملاحظة أو غصة يجب أن أذكرها ..فقد قيل لي قبل أيام من المحاضرة من قبل الأخوان ...بما انك لا تتمكن من القدوم الى لندن فسيكون المعماري نعمان منى هو من سيكفل بتقديمها بدل عنك وهذا ما فهمته وتأملت خيرا.. عند متابعتي العرض على الهواء وبعد الأنتهاء من عرض النماذج العشرة للمدن التاريخية لوادي الرافدين دون اكمال عرض 50 صورة ملحقة لها صلة بالمدن ..وقبل ان يهضم المشاهد او المتلقي الأعمال جاء دور المقدم واذا به يتحول الى ناقد للأعمال وفي كل المجالات والجوانب (تاريخيا وفنيا وبرامجيا) واكتشفت من خلال متابعتي للنقل الحي ان المقدم نعمان ليس لديه خبرة ومعرفة باستعمال تلك البرامجيات الهندسية مجرد معلومات بسيطة سردها على الحضور والمتابعين كما انه لا يميز بين الفلم المتحرك ومشاهد لصور ( لقطات ثابتة) ضمن الافلام للمدن العشرة هي نماذج تعريفية فقط وليست الافلام الكاملة، فكيف له الحق بمناقشة موضوع ليس له المام ومعرفة به ؟ !.. اما ما يخص ما سرده من معلومات تاريخية عن (المسننات في القلاع والجدران والأعمدة وابنية الطابق والطابقين ...الخ) فانا على استعداد لمناقشتها معه واحدة تلو الأخرى فمعلوماتي مستندة على مناهج كنت قد درستها في كتب تاريخ العمارة في الكلية ، ومن المفترض ان يكون هو قد درسها ايضا بالأضافة لمتابعتي لآخر ما يحصل من معلومات آثارية ولهذه الساعة..وختم انتقاداته بانه جلب مثال لعمل من شركة للانتاج السينمائي لأحدى الشركات الأجنبية والتي كادرها يقدر بالعشرات وفي كل المجالات ان لم يكن بالمئات ليقارنها باعمالي التي أنجزها بمفردي وعلى حسابي الخاص وانا على يقين لو كانت اعمالي منجزة من قبل شخص غير عراقي لكان كلامه مختلفا 100%!! ".