فضاءات

فالح عبد الجبار: المصالح المشتركة اساس بناء الدولة المعاصرة

عادل محمد
ضيّف الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، الاربعاء الفائت، الباحث المعروف د. فالح عبد الجبار، الذي تحدث عن "بناء أو تفكك العراق في إطار نظريات سوسيولوجيا القوميات والامم".
الجلسة التي احتضنتها قاعة الجواهري في مقر الاتحاد، حضرها حشد نخبوي من المثقفات والمثقفين، وعدد من الشخصيات السياسية، وجمع من المهتمين بالشؤون السياسية والاجتماعية والتاريخية.
أدار الجلسة الناقد علي حسن الفواز، الذي نوه باستثنائيتها، باعتبارها تمثل حضور الثقافي امام السياسي.
د. فالح عبد الجبار، وفي معرض حديثه، عبّر عن حزنه لعدم اهتمام الجامعات العربية بدراسة سوسيولوجيا الأمم والدين، على الرغم من حاجة مجتمعاتنا لفهم تفاصيلها. ثم طرح تساؤلات عدة حول مفهوم الأمة، وأشار إلى ان الأمة هي صناعة بشرية وكيان مصنوع.
وسلط الضيف الضوء على مقاربتين اعتبرهما رئيستين لمفهوم الامة وبناء الامم، هما: المقاربة الألمانية، والمقاربة الفرنسية، مبينا ان الأولى وضعها الفيلسوف الألماني يوهان فيخته وحدد فيها مفهوم الامة على اساس اللغة، واواصر الدم، وشبهها بـ"القبيلة" نظرا لجهة قرابة الدم والجماعة المغلقة بثقافتها ولغتها. ولفت إلى ان هذا النموذج استبدادي فاشل، وقاد إلى قيام النظام النازي بزعامة هتلر، الذي أخذ منه صدام حسين عناصر نظامه الأساسية.
وعد د. عبد الجبار النموذج الفرنسي، نموذجا ناجحا، لا يعتبر أواصر الدم أو اللغة اساساً لبناء الامة، موضحا ان واضع هذا المفهوم هو المفكر الفرنسي ارنست رينان، الذي في رأيه ان الامم تقوم على عنصرين: وحدة المصالح المشتركة لأعضائها، ونسيان الماضي. فبدون نشوء مصالح مشتركة، وبدون نسيان احقاد الماضي، لا يمكن بناء الامة.
وأشار الضيف إلى اننا إذا اعتمدنا النموذج الألماني الذي تبلور في ظل تجزؤ المانيا وتخلفها الصناعي وغياب الديمقراطية، سنواجه مشكلة عصية "فهناك ٨٠٠٠ مجموعة لغوية في العالم، بينما توجد اقل من ٢٠٠ دولة. وهذا يعني ان الدولة متعددة الثقافات - اللغات هي القاعدة وليست الاستثناء. وان الدولة المتجانسة قومياً - لغوياً هي الاستثناء وليس القاعدة".
وأضاف قائلا ان معظم مجتمعات اوربا وأمريكا الشمالية، دخلت عصر القوميات قبل مجتمعاتنا، وذلك بفضل تطور الصناعة الرأسمالية، بما تخلقه من أسواق وتداول وترابط عضوي، وبفضل وسائل الاتصال والمواصلات التي تحطم عزلة الجماعات المحلية، وبفضل انشاء جهاز حكم مركزي، ونظام تعليم مجانس للثقافة. متابعا قوله "اما في العراق، فقد كنا مجتمعاً زراعياً- حرفياً متجزئاً مفتتاً، تنغلق اجزاؤه في قبائل وعشائر ومدن، كما تنغلق مدنه في احياء، وينقسم سكانه بين حضر وزراع وبدو، وينقسم لغوياً إلى كرد وعرب، كما ينقسم دينياً ومذهبياً".
وافرد الضيف حيزا في حديثه لمحضر اللقاء التاريخي بين الملك فيصل الأول والمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس، الذي اراد التعامل بشكل ميكانيكي مع عملية تشكيل الدولة العراقية الحديثة، منطلقا من ضغط التكاليف التي يسببها الصراع مع الثوار في العراق، وبيّن ان الملك فيصل كان واعياً بأن شعب المنطقة يعيش مرحلة ما قبل قومية (يسميها ملّة)، وان هويتها، بل هوياتها، قبلية ودينية ومذهبية. فحسم فيصل النقاش، وعليه اصبح العراق دولة ثنائية القومية.
وشدد د .عبد الجبار على إن الدولة نجحت، على الأقل خلال الثلاثينيات والاربعينيات، في بناء الجماعة الوطنية، المؤلفة من قوميات عدة، ومجموعات دينية وثقافية متنوعة. واعتمدت في ذلك النموذج الفرنسي، أي خلق مصالح مشتركة، وفتح أبواب المشاركة سياسيا واقتصاديا وثقافيا في ادارة الدولة، وبناء ذاكرة جديدة تدعم الوحدة الحالية للأبعاض المبعثرة. فيما انقلاب الدولة من النموذج الفرنسي الى النموذج الألماني القائم على القسر، كان بداية السير على طريق الفشل المحتوم.
وختم د. عبد الجبار حديثه مؤكدا أهمية تفتت الايديولوجيا الطائفية التي لا تزال سائدة حتى الآن، "لأنها تعتمد على وجود خطر خارجي يهدد وجود الجماعة، وعلى قمع المعترضين على وحدة الجماعة داخليا. وعندما يزول الخطر الخارجي يبدأ الصراع على من يمثل الجماعة للسيطرة على الثروة والسلطة".
وشهدت الجلسة مداخلات قدمها عدد من الحاضرين، وعلق عليها الضيف باستفاضة.
وفي الختام قدم الرئيس السابق للاتحاد، الناقد فاضل ثامر، لوح الجواهري إلى الباحث د. فالح عبد الجبار. فيما قدم له عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق د. جاسم الحلفي، باقة ورد باسم الحزب.