اعمدة طريق الشعب

الديون الخارجية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية / ابراهيم المشهداني

تشكل الديون العراقية الخارجية ، بمختلف توصيفاتها قروضاً او تعويضات ، عبئا ثقيلا يكبل الاقتصاد العراقي ويقيد نشاطه التنموي ويؤدي الى تحويل الموارد المالية الوطنية الى الخارج، ولها انعكاساتها السلبية عليه.
لقد كانت الديون الخارجية الناشئة عن قروض سابقة اقدم عليها النظام السابق والتعويضات التي ترتبت على العراق من جراء حروبه العدوانية ، هي المشكلة الاشد التي واجهت النظام الجديد بعد عام 2003 ، ومن جرائها دخلت الحكومات العراقية في مفاوضات عسيرة مع المؤسسات المالية الدولية والدول الدائنة والدول المطالبة بالتعويضات. ومنشأ هذه الصعوبة ، الارقام الكبيرة المفترضة للديون والتعويضات وخاصة من قبل المؤسسات المالية الدولية الممثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، والتي قدرت بمئات المليارات من الدولارات والتي تخفي وراءها اهدافا سياسة واقتصادية مخلة بسيادة العراق ، اثبتتها تجربة السنوات الماضية. وقد اسفرت هذه المفاوضات التي استمرت سنتين عن تخفيض ديون نادي باريس الى 80في المئة ، اعتمادا على تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، المصممة على معايير محددة .
ان المفاوضات التي خاضها العراق على النطاق الدولي لم تقتصر على ديون نادي باريس او غيره ، وتسوية مشكلة التعويضات مع دول الخليج وخاصة الكويت والتي انتهت الى الاقرار بتعويضات الكويت تستقطع بنسبة 5 في المئة سنويا واجل الدفع بعد الازمة المالية الاخيرة ، بل تناولت ايضاً ديون القطاع الخاص (الدائنين التجاريين )والتي قدرت في حينها بـ 20 مليار دولار وجرت تسويتها وحسب ترتيبات معينة ملخصها ، ان بالإمكان شراء هذه الديون التي تقل عن 35 مليون دولار بما يعادل 10 في المئة من قيمتها الاسمية في الاسواق المالية الدولية وإصدار سندات دين بمقدار ملياري دولار تسدد لمدة 20 سنة وبفائدة سنوية بنسبة 5,8في المئة .وبهذا اصبح العراق مدينا بعشرات المليارات اذا حسبنا الديون السابقة المتبقية مضافا اليها ديون صندوق النقد الدولي منذ عام 2005 والقرض الاخير الذي تم الاتفاق عليه زائدا الديون التي ينوي العراق اقتراضها من البنك الدولي والدول الصناعية السبع وبعض دول الخليج .
ان كافة التسويات التي تم الحديث عنها بايجابيتها وتسهيلاتها لم تأت لوجه الله بل انها جاءت مقرونة باشتراطات والتزامات قاسية ومن ضمنها قروض صندوق النقد الدولي التي تعبر عن فرض وصاية على السياسة الاقتصادية والمالية العراقية مخلة بالمصالح الوطنية وتلزم العراق بالسير على نهج اقتصاد السوق على وفق منهج الليبرالية الجديدة المعولمة وإلغاء الدعم الحكومي للأسعار وتخفيض النفقات على الخدمات والالتزام بنظام التجارة الحرة.
واستنادا الى هذه المقدمات المثيرة فان الدولة ترتكب خطا كبيرا ان هي توجهت إلى الاقتراض كحل وحيد لمعالجة ازمتها ، بل عليها ان تفكر بطرق اكثر رشادا في معالجة الازمة ، وان تستبق الازمات بإصلاح اقتصادي عقلاني قبل ان تلوذ مضطرة بسياسة الاقتراض ، من خلال التدابير التالية :
• ادارة الموارد النفطية والغاز بشكل سليم بشفافية عالية ، في حركة اموال الميزانية عبر انشاء صناديق الادخار التي تضمن مصالح الاجيال القادمة وصناديق التثبت التي تحقق انتظام الانفاق العام .
• اعادة تقييم نشاط مشروعات القطاع الحكومي بما يؤدي الى تحقيق الارباح وتقليل اقصى ما يمكن من دعم الدولة مع احتفاظ ملكيتها للدولة .
• تطوير الانظمة الضريبية بما يعزز موارد الدولة والأخذ بالاعتبار امكانية توسيعها في المستقبل وتنظيف اجهزتها من الادارات الفاسدة والفاشلة .
• العمل على رفع كفاءة القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية من خلال معالجة مشاكلها وزيادة مساهمتها في المؤشرات الكلية للاقتصاد .
• ربط مستويات الديون من خلال تحليل المؤشرات الاقتصادية الى نسبة التصدير والاستيراد والناتج المحلي الاجمالي وربطها ببرنامج التدبير الاحتياطي عن طريق تخفيض الديون لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي