اعمدة طريق الشعب

الى اين يتجه القطاع المصرفي ؟ / ابراهيم المشهداني

معروف للاقتصاديين بكل عناوينهم وتخصصاتهم ان القطاع المصرفي يلعب دورا بارزا في حشد الموارد المالية والاقتصادية وتمويل عمليات التنمية الاقتصادية لما يحققه من استقرار مالي واقتصادي خارج اطار المضاربات المالية وتحقيق الربح السريع. فهل نهض هذا القطاع بدوره المفترض ؟
ان تقييما سريعا لمؤشرات هذا القطاع تنبئنا بغير الصورة المفترضة، فالقطاع المصرفي في العراق لا يزال صغيرا ومتواضعا في ادائه والمسافة لا تزال بعيدة عن النهوض بدوره المطلوب في حركة الاستثمار واغترابه عن عمليات التنمية فان نسبة مساهمته في الانتاج المحلي الاجمالي لا تتجاوز 5 في المئة وضعف دور القطاع الخاص ازاء هيمنة القطاع الحكومي الذي يستحوذ على 85—90 في المئة وتدني الائتمان الممنوح الى الناتج الاجمالي التي تتراوح بين 9—10 في المئة من هذا الانتاج مقارنة بنسبة الائتمان التي تقدر بـ 55 في المئة في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، زد على ذلك ان نسبة حجم الائتمان الى رؤوس اموال المصارف لا تتجاوز 2,1 في المئة فيما تسمح تعليمات البنك المركزي في ان تكون اكثر من ثمانية اضعاف هذه النسبة من رؤوس اموال المصارف واحتياطاتها. ويظهر ان التخوف من مخاطرها في ظروف غياب الاستقرار الامني هو ما يدفع المصارف الى تقييد حركة الائتمان اذا علمنا ان السيولة في المصارف عالية وتقترب من 60 في المئة يدلل على عجز هذا القطاع بما فيه القطاع الحكومي عن استثمار موجودات المصارف وودائعها بما يخدم نمو الاقتصاد الوطني. وفي الحقيقة لا يمكن القاء اللوم على القطاع المصرفي فقط بل يتحمل البنك المركزي جزءاً من هذا العجز نظرا إلى ان من بين مهماته تطوير عملية التنمية الاقتصادية وهذه المسؤولية ترتب عليه اشرافه على النشاط الاستثماري للمصارف ومراقبة ادائها في هذا المجال خاصة وان المصارف الخاصة تتمتع بنسبة عالية من كفاية رأس المال تفوق النسبة المعيارية المقدرة 8 في المئة حسب ضوابط بازل.
ولابد لنا ونحن نتحدث عن واقع الجهاز المصرفي ان نشير الى الدور السلبي للمصارف الخاصة ومكاتب الصيرفة المملوكة للسياسيين النافذين في الدولة حيث لم تستطع رفد السوق بالعملة الاجنبية، بل كان بعضها مهربا للعملة الاجنبية، لما لدخول العملة الاجنبية من المهاجرين العراقيين والشركات العراقية الناشطة في الخارج من اهمية في اسناد الوضع المالي في العراق، كما هو الحال في لبنان الذي يعتمد نصف ميزانيته على موارد اللبنانيين المهاجرين والمغتربين. فضلا عن ان ظاهرة التزوير المتفاقمة تدخل بشكل فعال في مصادرة العملة الصعبة وتهريبها لاسيما وان الكثير منها لم تستحصل الاجازة التي تسمح لها بممارسة نشاطها المصرفي وفقا لتصريح محافظ البنك المركزي.
ان معالجة الإختلالات في القطاع المصرفي وإعادة التوازن في بنيته تحتمان تدخل الدولة والبنك المركزي في اعادة النظر بالسياسة المالية والنقدية التي تحتم على هذه المصارف ان تتحول الى قوة ايجابية لا سلبية في تنشيط دورها الاقتصادي عبر سلسلة من التدابير نذكر منها:
1. قيام المصارف الحكومية الكبيرة ،مصرف الرافدين ومصرف الرشيد بإيداع جزء من اموالهما لدى المصارف الاهلية نظير فوائد ميسرة على ان تقوم الاخيرة باستثمارها في المشاريع الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة وتشغيل الأيدي العاملة، وفق دراسة جدوى اقتصادية ووفق آليات وضمانات محددة.
2. قيام البنك المركزي ووزارة المالية بتحليل الموقف المالي للمصارف في (31/ 12) من كل عام وتحديد الحاجة الفعلية للسيولة لإدامة التداول النقدي في السوق العراقية ووضع الخطط الاستباقية لتفادي افلاس وانهيار بعض المصارف.
3. اعادة تصنيف المصارف الاهلية وفق معايير كفاءة الاداء والنشاط على ان تقوم بعملية المراجعة والتقييم، مؤسسات محاسبية مستقلة معتمدة وتحت اشراف البنك المركزي.
4. امكانية الاستفادة من الاحتياطي النقدي القانوني للمصارف الخاصة بمنح قروض استثمارية بإشراف البنك المصرفي.
5. اعادة تفعيل الشركات الساندة مثل شركة التأمين على الودائع وشركة اخرى للتأمين على القروض وإبعادها عن الروتين القاتل .