اعمدة طريق الشعب

موسم الكوليرا / د. سلام يوسف

المفاهيم العلمية في علم الأمراض قد تطورت فأصبح من المفيد علمياً(أوسع وأشمل) ان يُطلق على مثل هذه الأمراض المعوية بـ (الإسهال الوبائي)، وأن الدراسات والبحوث العلمية العالمية والمحلية تشير الى العلاقة الطردية بين الأجواء المناخية (وتحديداً ارتفاع الحرارة) وبين انتشار مرض الكوليرا، وأن السبب في هذه العلاقة يعود الى وسائل وطرائق انتقال العدوى، ناهيك عن الكثير من الأسباب المساعدة الأخرى.
بكتيريا الكوليرا موجودة في البيئة العراقية، ومتى ما توفرت لها الظروف المناسبة للتكاثر والنمو والانتشار فأنها ستفعل. وهذا ما يحصل في كل عام تقريباً ولكن بنسب متفاوتة، هذا التفاوت يعتمد على عوامل عدة منها، سلامة البيئة، توفير المياه والأطعمة الصالحة للاستهلاك البشري، الوعي الصحي المجتمعي، سعة حدود العدوى، النظافة الشخصية وغيرها.
وفي كل عام تضع وزارة الصحة خطتين لمواجهة احتمالات الكوليرا، خطة استباقية وأخرى إجرائية، أما الإجرائية فهي آلية التعامل مع الإصابات حينما تحدث والتي تتطلب كافة الإجراءات المختبرية والتمريضية واللوجستية، أما الاستباقية وهي الأهم فهي التي تحد من احتمالات انتشار المرض بين السكان، فالخطة الاستباقية تشتمل على كافة الإجراءات التي بواسطتها تمنع أو على الأقل تعرقل ظهور وانتشار المرض.
الكوليرا من الأمراض المعوية الخطيرة جداً، وخطورته لا تكمن في صعوبة التشخيص والعلاج وإنما في سرعة انتشاره بين الناس، لكون وجود بؤرة ملوثة واحدة بإمكانها أن تصيب عشرات بل مئات الناس وخلال فترة قصيرة جداً لا تتجاوز الساعات.
والخطة الاستباقية تضع جل اهتمامها في السيطرة على تلك البؤر، وهذا لا يمكن أن يكون من الناحية العملية الاّ بتضافر كافة الجهود سواء من قبل الحكومة أو من منظمات المجتمع المدني أو من الناس أنفسهم. إن ذلك يشتمل على تعليم الناس وتدريبهم على أساليب النظافة الشخصية وخصوصاً نظافة اليدين (الأداة الرئيسة في نقل العدوى)، وكذلك تحاشي تناول الأطعمة والأشربة المكشوفة للحشرات(الذباب تحديداً)، والحرص كلياً على تناول الطعام داخل البيوت، مع الاهتمام الاستثنائي بتعقيم المواد الغذائية الأولية خصوصاً تلك التي لا تدخل في تحضيرها عملية الطهي، يضاف الى ذلك متابعة الباعة الجوالين ومراقبة المعامل المنتجة للمواد الغذائية وصناعة الثلج ومياه الشرب..الخ. وهذا لا يكفي فالبيئة ونظافتها هي العامل الحاسم في الموضوع، فقد كانت وما زالت أكداس النفايات المنتج الرئيس للحشرات والقوارض التي تنقل المرض، والمعطيات الحالية تشير الى أن هناك تراجعاً وتخلفاً كبيرين في موضوع التعامل مع هذه النفايات وتأخر التعامل معها سواء بالطمر الصحي أو بالتكنولوجيا الحديثة.
لدى وازرة الصحة والبيئة خريطة واضحة ومعلومة لأماكن توطن بكتيريا الكوليرا وهذا ما يساعد على تطبيق خطة السيطرة على الكوليرا.
إن المسؤولية مشتركة بين المواطن وبين الجهات الرسمية الصحية فالمطلوب تطبيق كافة الإرشادات الصحية والتي تم استنباطها من خلال رحلة تتبع سلسلة المرض ابتداءً من بؤر تواجد الجرثومة وانتهاءً بأخر تحليل سلبي(أي عدم وجود الجرثومة) في خروج المريض وشفائه التام.
أن ما مطلوب من المواطن الكريم مهمة ذات طبيعة مزدوجة، طبيعة وطنية وطبيعة شخصية، فلابد له أن يسهم في تحاشي الإصابة بهذا المرض وبالتالي سيسهم في حماية صحة المجتمع ككل، وبذلك فهناك جملة من الإجراءات الوقائية الذاتية والمنزلية والمجتمعية عليه أن يتبعها ليؤدي دوره الإنساني المطلوب، وأهمها التطبيق الفعلي عالي الالتزام بإرشادات وزارة الصحة وأن يشيع بين الناس هذه الإرشادات ويحث على الالتزام بها.
أن كل شعوب العالم تطبق وبقناعة تامة ما ترشدهم اليه مؤسساتهم الصحية حينما تقترب مواسم أنتشار بعض الأمراض وهذا هو أحد أسرار تقدمهم وتطورهم.