اعمدة طريق الشعب

إنّ الكرام قليل / ابراهيم الخياط

قرأت كلمتين حلوتين للشاعر عبد الزهرة زكي والناقد علي الفواز، يقول الشاعر: (أن تخرج تظاهرات محدودة العدد لا يعني أن حركة الاحتجاج الشعبية محدودة، لا تظاهرات تخرج من دون عمل منظم. لا يخدعنك أن الشعب الفلاني خرج بالملايين احتجاجا ولم نستطع نحن ذلك، لم يخرج أيّ شعب من دون قوى منظمة ومحركة وفاعلة داخل المجتمع)، ويقول الناقد: (رغم اعتراضات البعض ونظرتهم السطحية للأمور، لكن لدينا تيار مدني حقيقي وشجاع، ومؤمن بجدية الفكر والحرية والديمقراطية والاحتجاج السلمي، وبقطع النظر عن العدد إلا ان المواقف الجسورة والإصرار هما كفيلان بصناعة رأي عام يمكن ان يكون نواة للتغيير).
لقد قالا خير ما يقال، ويتبّين صدق كلامهما إذا أخذنا المفتاح من العزيز (أبو زاهد) وولجنا السفر الخالد، ففي القرآن الكريم آيات بيّنات تذمّ الكثير والأكثر، فكثير من الناس لا يؤمنون، وكثير منهم لا يعلمون، وكثير منهم لا يشكرون، وقد وردت ثلاث عشرة آية في القرآن تنصّ على أن (أكثر الناس لا يؤمنون)، وكذلك لو تأملنا في الآيات التي اختتمت بأن الأكثرية (لا يعلمون)، نجد أنها مجتمعة سبعا وعشرين آية، منها إحدى عشرة آية خُتمت بقوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، وثمة تسع أخريات خُتمت بقوله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون)، وست آيات تضمنت قوله تعالى: (بل أكثرهم لا يعلمون)، ووردت آية واحدة مغايرة ولكن بالمضمون نفسه: (ولكن أكثرهم يجهلون).
وفي باب الشكر، فقد خُتمت ثلاث آيات بالقول: (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، وخّتمت آيتان بقوله: (ولكن أكثرهم لا يشكرون)، وخُتمت أربع آيات بالقول: (قليلا ما تشكرون)، وخُتمت آية واحدة فقط بـ : (ولا تجد أكثرهم شاكرين).
وفي باب الكفر وردت آيات مشابهة، وفي باب العقل وردت أيضا آيات نظيرة، وهذا ما يجعل ساحة التحرير تتباهى أمام الله وأمام العالم وأمام العراق.
وفي القليل، حريّ أن أورد مساجلة حدثت بين الخليفة عمر بن الخطاب وأحد الأعراب، فهذا الأعرابي كان يطوف حول الكعبة ويقول: اللهم اجعلني من القليل، فسأله عمر: ما هذا الدعاء؟
أجابه الرجل: أردت قوله تعالى: (وقليل من عبادي الشكور).
فقال عمر: كل الناس أعلم منك يا عمر.
وهنا أطلّ (بهلول) برأسه، وتقمّص دور الأعراب وقال:
ـ ولا تنس يا عمّ، ما قاله عزّ وجل: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة)، وكذا لا تنس قول شيخنا السموأل:
تعيّرنا أنّا قليــــــــــلٌ عديدُنا فقلتُ لها إنّ الكــــرام قليلُ
وما ضرّنا أنّا قليلٌ، وجارنا عزيز، وجارُ الأكثرين ذليلُ
صفونا فلم نكدر، وأخلص سرّنا إناثٌ أطابتْ حملنا وفحـولُ
وننكرُ إنْ شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القولَ حين نقولُ
إذا ســـيّدٌ منا خلا، قامَ ســـيّدٌ، قؤول لما قال الكرام فعولُ
وما أخمدت نارٌ لنا دون طارقٍ ولا ذمّنا في النازلين نزيلُ