اعمدة طريق الشعب

حان الوقت لإعادة النظر في السياسة المالية / إبراهيم المشهداني

يمر العراق في هذه المرحلة بظروف اقتصادية غاية في الصعوبة والحراجة بسبب انخفاض أسعار النفط الذي كان العراق يعتمد على موارده اعتمادا يكاد يكون كليا نظرا الىتخلف القطاعات الاقتصادية السلعية وبالتالي قلة مصادر التمويل الداخلي حيث كانت الموارد النفطية تشكل 70 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن قلة موارد النفط لم تكن السبب الوحيد فالسياسات الاقتصادية التي اتبعت بعد 2003 لم تكن جدية في تدعيم القطاعات الاقتصادية وتفعيل دورها وتنظيم إدارتها بالمستوى الذي يتناسب مع المرحلة الجديدة التي دشنها العراق بعد ذلك التغيير. وكان جل اهتمام الحكومات منصبا على الاهتمام بإدارة قطاع النفط فأهملت الصناعة والزراعة والخدمات وعملت على تضخيم الوظيفة العامة ومعها اشتعال الاضطراب الداخلي بسبب الصراع الطائفي المقيت عامي 2006 و2007.
وكان من بين القوانين الصادرة بعد التغيير قانون إدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 الذي يعتبر الدالة الأساسية للمعادلة الاقتصادية التي تمت صياغة منهجيتها من قبل إدارة الاحتلال على أساس الاقتصاد الحر. وكان الغرض من هذا القانون إنشاء هيكل شامل لمباشرة السياسة الضريبية وسياسة الموازنة وتطبيق أفضل الممارسات الدولية ومن خلال وضع مراحل منظمة لصياغة الموازنة الفيدرالية وعدد من التقارير المطلوبة لتقييم مسار السياسة المالية . فهل أدت الإدارة المالية مهمتها ، كما أراد بريمر ، في صياغة الموازنات السنوية ورسم السياسيات الضريبية ومعالجة إشكاليات الموارد العامة والإنفاق العام بما يسهم في عملية التنمية الاقتصادية ومعالجة ظاهرة التضخم جنبا إلى جنب مع البنك المركزي من خلال التنسيق والتكامل بينهما ؟
كل المؤشرات عن سير السياسة المالية تشير إلى ضعف في الأداء فان عملية الإنفاق العام كانت تفتقر إلى الدقة والكفاءة كما أنها أخفقت في ضبط إيقاع الموارد المالية ، عدا موارد النفط. ولو كانت هناك رقابة حقيقية على الموارد والنفقات كما ينبغي، لما انتشر الفساد بنطاق غير مسبوق ورائحته انتشرت في كل بقاع الأرض.ولا احد يعرف أين ذهبت الفوائض المالية التي بلغت حتى عام 2014 ، 125 مليار دولار، وكيف جرى التصرف بالموارد التي دخلت العراق والبالغة 928 مليار دولار خلال الفترة بين 2004 و2016 ومنها 684 مليار دولار عوائد نفطية و244 مليار دولار عبارة عن ضرائب ورسوم ومساعدات وقروض جديدة داخلية وخارجية. ولم تكن صياغة الموازنات السنوية والأنظمة المحاسبية تتم وفق المعايير الدولية وفوق هذا وذاك هناك 77 تريليون دينار سلف إلى الحكومة لم تتم تسويتها وإنفاق عن طريق السحب على المكشوف يقدر بـ 10 تريليون دينار تم إطلاقها بدون وجود تخصيصات لها في الموازنات إلى جانب ذلك فان السياسة الضريبية والتعرفة الكمركية لم تكن مفهومة وينتشر فيها الفساد .
ان مراجعة هذه السياسة باتجاه اتباع معايير شفافة واستحضار الجدية والإرادة التامة في قلب المعادلة كاملة تتطلب اتخاذ منظومة من الإجراءات والتشريعات المهمة لمغادرة خطايا الماضي والانتقال إلى مرحلة جديدة وكما يلي :
1. إعادة النظر في صياغة الموازنات السنوية في كافة الوزارات بإلغاء نفقات الترفية بكل اشكالها من أثاث وسيارات وحمايات ومخصصات مكتبية وايفادات غير ضرورية ووضع تعليمات واضحة ومحددة بشأن صلاحيات الصرف وإعادة النظر في رواتب الدرجات العليا . وتنظيم الموازنات على أساس البرامج ومغادرة صيغة البنود .
2. العمل مع ديوان الرقابة المالية على إعداد الحسابات الختامية لمناقشتها مع الموازنات السنوية لمعرفة أوجه الصرف في نفقات الموازنة السابقة وتشخيص مظاهر الهدر المالي وظواهر الفساد فقد تبين من خلال تصريحات بعض نواب البرلمان اثر مناقشة الحسابات الختامية لعام 2007 ان 100 مليار دولار لم يعرف مصيرها .
3. تنظيم عملية الرقابة والتدقيق للموارد المالية المتأتية من صادرات النفط والضرائب بكافة أنواعها وتجريم ظاهرة التهرب الضريبي والرسوم .
4. إجراء التعديلات المطلوبة في قوانين الإدارة المالية والدين العام وقانون الضريبة وقانون التعرفة الكمركية وكافة القوانين المتعلقة بالرسوم بما ينسجم مع الأوضاع التي يمر بها العراق .