اعمدة طريق الشعب

حاجتنا إلى رؤوس الأموال العراقية الهاربة والمهربة / إبراهيم المشهداني

تتجه الأنظار شاخصة إلى الدور الحكومي في التخطيط لإعادة اعمار البنى التحتية بعد الانتصار على الوحش الداعشي الذي عاث في العراق قتلا وتخريبا. ولا شك ان هذا التخطيط لابد ان يجد تعبيره في عملية استثمار مفترضة يقوم بها القطاع الحكومي والقطاع الخاص وهي في كل الأحوال عملية كبرى ومعقدة وطويلة الأمد ولا تتم بمعزل عن إمدادات المنح الدولية ، واستثمارات العراق الخارجية .
موضوعنا ينصرف قبل كل شيء إلى خارطة طريق حكومية تتشكل على آلية واضحة تتعلق بكيفية استعادة الأموال الهاربة والمهربة وقدرتها الذاتية على تحقيق النجاح في هذا المشروع المتخيل في ظل وجود صوادم كثيرة تواجه تنفيذه، لعل في مقدمتها غياب الإحصاءات والبيانات عن حجم هذه الأموال التي استوطنت في البلدات الخارجية ومنها على وجه الخصوص دول الإقليم فالأرقام المنشورة عن حجم هذه الاستثمارات متناقضة ولا توجد جهة حكومة تستطيع تحديد الأرقام الحقيقية .فتقديرات اللجنة الاقتصادية البرلمانية تتحدث عن عشرات مليارات الدولارات المستثمرة في الأردن وإيران وتركيا ومصر فيما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن حجم الأموال التي هربت بطريق غسيل الأموال على المستوى العالمي بلغت 950 مليار إلى تريليون ونصف دولار أمريكي وتقديرات ثالثة تشير إلى إن حجم الاستثمارات العراقية في الخارج تصل إلى 250 مليار دولار على المستوى العالمي منها 11مليار دولار عاملة في الأردن. هيئة النزاهة من جهتها أعلنت عن تهريب تريليون و14 مليون دولار إلى الأردن ولبنان والإمارات ومن قام بتهريبها وزراء عراقيون سابقون . وما زالت الرؤية الاستراتيجية العراقية غامضة وقليلة الاهتمام بهذه الأموال وخاصة التي جرى تهريبها عبر عمليات غسيل الأموال وما تركته من اثار خطيرة لإضعاف الدخل الوطني من خلال استنزاف العملة الصعبة سواء عبر نافذة البنك المركزي او الأنشطة الاقتصادية الموازية التي تمارسها مافيات عراقية بدعم وإسناد من الكتل الحاكمة المتنفذة بالاقتصاد العراقي من خلال مشاريع وهمية او إنشاء مصارف أهلية بأسماء رموز حكومية وبرلمانية مارست دورا قذرا في الاستحواذ على الأموال عبر نافذة البنك المركزي .
ومن كل ذلك يتضح ان الحديث عن استعادة هذه الحجم الهائل من الأموال العراقية التي هربت وخاصة عن طريق غسيل الأموال التي كلفت العراق خسارة كبيرة تقدر بـ360 مليار دولار لا يمكن معالجتها بكلام عابر وإنما بدراسة معمقة من قبل الدوائر الحكومية المسؤولة والاستعانة بخبرات اقتصادية في الداخل والخارج ، لمواجهة التحديات والمعوقات التي تقف باستمرار امام عودة الرأسمال العراقي الهارب وعرقلة اتخاذ الإجراءات القانونية لاستعادة الأموال المهربة ورفع الحصانة عن حيتان الفساد المسؤولة عنها.
من كل ما تقدم فان أية خارطة طريق لعودة رؤوس الأموال العراقية لا ترسم بالأماني والتأملات وإنما بالإرادة والجدية التامة ومستلزمات إدارية وتشريعية وأمنية ملموسة وفاعلة نذكر منها الاتي :
1.تشكيل مجلس استشاري من الوزارات العراقية، التخطيطية والاستثمارية وممثلين من مجلس القضاء الأعلى ومن الاقتصاديين ورجال الإعمال وخبراء من المؤسسات المالية الدولية لوضع الخطط والآليات المناسبة والاستعانة بممثلين عن الأمم المتحدة للاستفادة من القوانين والاتفاقات الدولية المتعلقة بإعادة الأموال المهربة .
2.التنسيق الكامل بين وزارة التخطيط والهيئة الوطنية للاستثمار للقيام بما يلزم لفك الاشتباك بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في عملية البناء بما لاينفر المستثمرين العراقيين العائدين من الخارج والراغبين في الاستثمار ضمن مشروع إعادة الاعمار .
3.توفير التسهيلات المصرفية إمام رجال الإعمال العراقيين العائدين في مجال تحويل رؤوس أموالهم من المصارف الخارجية مع الأخذ بعين الاعتبار تفعيل دور وزارة الخارجية للتنسيق مع الدول الأجنبية لتسهيل عودة الأموال العراقية .
4.تهيئة الظروف الأمنية المناسبة لحركة رؤوس الأموال ضد محاولات الابتزاز من قبل الفاسدين في الجهاز التنفيذي والبيروقراطية الإدارية والمنظومات المسلحة التي تحاول فرض أجنداتها على المستثمرين وهذه مهمات الحكومة بالدرجة الأولى .