اعمدة طريق الشعب

صناعة الغاز بين الوعود والتحديات / إبراهيم المشهداني

تحتل صناعة الغاز أهمية كبيرة في عملية التنمية الاقتصادية وتحسين الخدمات الاجتماعية التي حرم منها العراقيون بالرغم من اكتشاف النفط في العراق منذ مطلع القرن العشرين وتطور تكنولوجيا الصناعات الغازية على المستوى العالمي .
إن مما يدفع الحكومات إلى مزيد من الاهتمام بصناعات الغاز كون هذه المادة تدخل في عشرات الاستخدامات الاقتصادية والخدماتية وهي طاقة نظيفة أصبحت من السلع الإستراتيجية على المستوى العالمي التي تدخل في التجارة الدولية . وعلى الرغم من ان العراق من الدول الاولى في اكتشاف النفط الا انه ظل متخلفا في مجال الاستثمار في صناعة الغاز رغم انه يمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز تقدرها وزارة النفط بـ 137 تريليون قدم مكعب ما وضعه في المرتبة 11 بين دول العالم التي تمتلك احتياطيات كبيرة من هذه المادة وخاصة من الغاز المصاحب .
لقد سبق للعراق ان خطى خطوات واعدة في إنتاج الغاز منذ عقد الستينات حيث شهد خطوات مضيئة في استثمار الغاز في جانب الإنتاج من خلال شركة النفط الوطنية التي كان لها دورا متميزا في حركتها ونشاطها وبالفعل فقد قامت خلال فترة السبعينات بتنفيذ مشروع غاز الجنوب العملاق بطاقة مقدارها 1050 مقمق في اليوم بالإضافة إلى مشروع غاز الشمال وهذه الجهود اقترنت ببناء شبكة وطنية للغاز تمتد من الجنوب إلى بغداد والوسط لتلتقي بالشبكة الشمالية وصولا الى كركوك، اضافة الى تنفيذ مشروع الخزن الجوفي للغاز السائل في كركوك. وحصل تقدم في تجهيز محطات الكهرباء في الناصرية والهارثة وخور الزبير والنجف والحلة ومجمعات الأسمدة والبتروكيمياوات والحديد والصلب في خور الزبير ومعامل الأسمنت في السماوة والنجف وكبيسة وغيرها .
لقد كان من الممكن ان تستمر مسيرة التطور والنمو في هذه الصناعة لولا التحديات التي واجهتها والتي تتمثل باندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي أتت على تدمير المنشآت النفطية والغازية التي تحولت بفعل الحرب إلى ثكنات عسكرية وما استتبع هذه التداعيات من إلغاء شركة النفط الوطنية في عام 1987 وتحويل إدارة قطاع النفط الى منظومة الإدارة البيروقراطية والإجهاز على المنجزات النفطية بما فيها مشاريع الغاز الواحدة بعد الأخرى إضافة عدم تضمين العقود والاتفاقات النفطية مع الشركات العاملة ما يلزمها باستغلال الغاز المصاحب. وفي حين حصل تطور في إنتاج النفط للفترة بين 2011 و2015، حصل المزيد من حرق الغاز بمستوى غير مسبوق خلال هذه الفترة حتى وصل إلى ما قيمته 15 مليار دولار وقد وصل حرق الغاز في عام 2016 إلى ما يزيد عن مليار ونصف قدم مكعب بالإضافة إلى الخسائر المادية الأخرى . من هنا فان الحكومة مدعوة لتجاوز هذه الإخفاقات بمراجعة سياستها النفطية بما يتطلب وضع استرايجية واقعية للنهوض بقطاع الغاز ونقترح في هذا المجال ما يلي:
• التعجيل في تشريع قانون النفط والغاز وإنهاء الاختلافات غير المبررة المعطلة له وايلاء إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية أولوية خاصة لتأخذ مكانها الطبيعي في رسم استراتيجيات النفط وتنفيذها .
• إيجاد نوع من الشراكة مع الشركات الأجنبية الرصينة بما يسهم في الاستفادة من خبراتها وامتلاكها لناصية التكنولوجيا المتقدمة في إنتاج الغاز وتفعيل اتفاقية الشراكة مع شركة شل لاستثمار الغاز المصاحب المبرمة عام 2008 وإعادة بناء شبكات الأنابيب التي تم تخريب قاعدتها التحتية بسبب الحروب وما صاحبها من إهمال في مختلف إنحاء العراق .
• التنسيق المبرمج بين كافة الوزارات العراقية مثل وزارة النفط والكهرباء والصناعة ووزارة الصحة مع الشركات الأجنبية المطورة لحقول النفط .
• بناء إستراتيجية إيصال الغاز السائل إلى المنازل في مختلف المدن العراقية كما يجري في بلدان الجوار من خلال الاتفاق مع الشركات التي تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال وقطف ثمارها الاقتصادية والاجتماعية .