اعمدة طريق الشعب

السياسة الضريبية في العراق إلى أين ؟ / إبراهيم المشهداني

تعتبر الضريبة في العالم كله عمود السياسة المالية للدولة، وتجسيدا لمبدأ السلطة والسيادة. وهي تعد في الأوضاع الطبيعية مصدرا رئيسا من مصادر تمويل الإنفاق العام، ومحفزا فاعلا لعمليات الاستثمار والتنمية الاقتصادية وأداة مهمة في توزيع الثروة.
ذلك هو التوصيف الطبيعي والعام لأهمية الضريبة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية. لكن هذا التوصيف حتى الآن لا يشمل العراق بالرغم من وجود تشريعات قانونية ناظمة للضريبة لكن هذه التشريعات بصياغاتها وقدمها وتطبيقاتها على ارض الواقع عرضة للانتهاك والترهل بسبب جملة من التحديات يمكن إجمالها بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والإدارية. وكل هذه المشكلات اجتمعت مع بعضها لتشكل حاجزا ومعرقلا لهذه الأداة الفاعلة في تحقيق أهدافها على مختلف الصعد. حيث ان التضخم الركودي الذي يواجه الاقتصاد العراقي ينعكس سلبا على تحفيز النشاط الاقتصادي وأثره على ضعف قدرة قطاعات واسعة من المكلفين على دفع هذا الاستحقاق الوطني بالإضافة إلى ضعف الموثوقية بأداء السلطة في نواح عدة مما يضعف ثقة المواطن بأداء هذا الواجب الوطني. زد على ذلك ان الصياغات العمومية في مواد قانون الضريبة تفتح باب الاجتهاد في تفسير هذه النصوص بما يتناقض مع متطلباته ويتيح الفرص أمام الفاسدين للنفاذ والتجاوز على المال العام والخضوع إلى مختلف الضغوط للفئات المنتفعة من التهرب الضريبي .
وعلى الرغم من إن الضريبة في البلدان المتقدمة تنعكس ايجابيا على حياة مواطنيها، فإن الضريبة في العراق لا تقدم مثل هذه المنافع، لان هم الدولة يتركز على الموارد البترولية بشكل خاص. وهذا ما قلل من دور الضريبة في التمويل، كونها تشكل جوهر السياسة المالية التي شدد عليها قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 95 لسنة 2004 .
لهذه الأسباب كانت اتجاهات السياسة الضريبية متذبذبة ومتفاوتة في نسبة مساهمتها في مجال الإيرادات العامة نتيجة للتهرب الواسع من الأداء الضريبي وفشل الإدارة الضريبية فقد كانت هذه النسبة في عام 1998، 76 في المائة وفي عام 2003 كانت 90 في المائة، فيما كان معدل هذه النسبة للفترة بين 1998 و 2010 بحدود 72 في المائة.
إن التأثير المركب للنهج الاقتصادي الذي سارت عليه الدولة بعد عام 2003 أدى إلى التفاوت بشكل صارخ في الدخل والثروة وبروز طبقات جديدة استحوذت على الجزء الأكبر من الثروة يقابلها تفاقم بارز في الفقر وصلت نسبته حسب إحصاءات وزارة التخطيط إلى 35 في المائة في عام 2016 بعد إن كانت 23 في المائة في عام 2010 حسب الوزارة نفسها وان مساهمة هذه الطبقات الجديدة في دفع ما يتوجب عليها تكاد لا تذكر قياسا الى الثروة الكبيرة التي استحوذت عليها لأنها عازمة على إن لا تفصح عن حجم ثروتها المهربة إلى خارج العراق والموجودة في داخله.
ان فشل السياسة الضريبية ومنهجها يتطلبان من الحكومة ووزارة المالية وكافة المؤسسات الاقتصادية ذات العلاقة مراجعة كاملة وجادة لمجمل النظام الضريبي وأعداد دراسة تقييميه لأسباب هذا الفشل ورسم سياسة واستراتيجية مالية ضريبية مختلفة ونقترح التالي :
• تنشيط الجهد الضريبي في العراق والبحث الدقيق عن الطاقات الضريبية المعطلة وتشغيلها اذ لابد من إيجاد مسارات جديدة في توسيع نطاق الدخول المشمولة بالضريبة.
• العمل الجاد من اجل إيجاد نظام ضريبي تصاعدي يشمل الجدد من أصحاب الثروات الجدد التي تراكمت خلال السنوات العشر الأخيرة جراء النهج الاقتصادي للدولة.
• إعادة النظر في إدارة الجهاز الضريبي وتخليصه من العناصر الفاسدة والاهتمام برفع كفاءة موظفي الجهاز المكلفين بإدارة التحصيل الضريبي وتطوير قدراتهم الوظيفية وإتباع نظام الحوافز، وإدخال التكنولوجيا في عمل الجهاز.
• تفعيل الجهاز الرقابي للهيئة العامة للضرائب وضبط الوعاء الضريبي والحد من مظاهر التهرب الضريبي وتشديد العقوبات على المتخلفين عن دفع الضريبة.