اعمدة طريق الشعب

هل حان الوقت لتخفيض قيمة العملة العراقية ؟ / إبراهيم المشهداني

اثار هذا التساؤل جدلا بين الاقتصاديين، بين مؤيد ومعارض، ولكل حججه ومبرراته، فيما الجميع يستند في موقفه على المشكلة الاقتصادية التي تضرب إطنابها في معظم القطاعات الاقتصادية وتداعياتها . وهذا هو الشيء المشترك بين الجميع ولكن ظروف البلد العامة ، الأمنية والسياسية والاجتماعية ، تجسد في نهاية الأمر الاختلاف بين خبراء الاقتصاد .
ويرجع دعاة تخفيض العملة العراقية الأسباب إلى استمرار السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي في تثبيت سعر الدينار الذي يتسبب في تقييم العملة العراقية بأكثر من قيمتها الحقيقية، وهذه السياسة تؤدي بالضرورة الى هروب رأس المال نظرا للقيمة المنخفضة للدولار في مواجهة الدينار، ومن الممكن ان يؤدي في ظروف معينة إلى انخفاض متكرر في قيمة الدينار مما يضطر المواطنين إلى التحول من العملة الوطنية إلى العملة الأجنبية من اجل تجنب الخسائر المحتملة .
غير ان قرار تخفيض قيمة العملة في الظرف الراهن وتعقيداته عند الكثير من خبراء الاقتصاد يحمل معه مخاطر كبيرة تتمثل في التوقعات التضخمية والاضطرابات في مستوى الأسعار ورفع التكاليف المتغيرة على الموازنة وبالتالي ضعف إمكانية سد العجز فيها . ويقف وراء كل ذلك هشاشة البنية الاقتصادية والضعف الكبير في قطاعات الإنتاج مما يشكل حائلا أمام دخول الصادرات العراقية في منافسة مع الصادرات الأجنبية وشكوكا قوية في عدم تحول ميزان المدفوعات إلى الحالة الايجابية تبعا لذلك، والعكس تماما لو حصل اي انتعاش في القطاع الإنتاجي فانه بالتأكيد سيكون سندا متينا في مرونة السياسة النقدية، وعندئذ تتحقق إمكانية تخفيض العملة ودعم ميزان المدفوعات عبر تكثيف الصادرات ومراجعة السياسة الاستيرادية التي أثقلت الميزانية الاتحادية .
ونعتقد ان الحديث عن تخفيض العملة العراقية سابق لأوانه في ظل غياب الشروط الأساسية المتمثلة في توفر الطلب المرن على استيراد البضائع من الخارج وعدم إمكانية تخفيض كلف الإنتاج وخاصة أجور العاملين ضمن مستوى معيشي متدنٍ وصعوبة وضع سعرين للدينار العراقي خاصة مع استيراد الاحتياجات الضرورية كالغذاء والدواء ومستلزمات تطوير الصناعة والزراعة، وما يؤديه مثل هذا التخفيض من فوارق في مداخيل المواطنين وتعميق فوارق طبقية تكون مدعاة لصراع اجتماعي حاد في ظل سياسة ضريبية تتحمل وزرها الطبقات الفقيرة والمتوسطة .
ان السعي الجاد لبناء اقتصاد متوازن ومنتج وبمعدلات نمو متصاعدة يتطلب إستراتيجية شاملة في مجال التنمية المستدامة وبناء سياسة نقدية تأخذ في الاعتبار خيبات السنوات الماضية، عندئذ يصبح الحديث عن تخفيض العملة ذا معنى، وهذا يتطلب منظومة من التدابير نوجزها في الآتي :
1. تخفيض النفقات التشغيلية وبالذات رواتب الدرجات الخاصة وإلغاء امتيازاتها المالية التي ترهق الموازنة العامة في البلاد ورفع كفاءة الإدارة الاقتصادية .
2. إصلاح شامل للقوانين والإدارة الضريبية وضبط إيقاع تحصيلات التعرفة الكمركية عبر فرض سيادة الدولة التامة على كافة المنافذ الحدودية وإجراء تغييرات جذرية في إداراتها .
3. تنشيط دور القطاع الزراعي والقطاع الصناعي بشقيه الحكومي والخاص عبر إعادة تأهيل المصانع الحكومية إداريا وتقنيا ليكون مساهما نشطا في الإنتاج المحلي الإجمالي والابتعاد عن رومانسية الخصخصة والتكيف الهيكلي .
4. الجرد الشامل لكافة عقارات الدولة وضبط مواردها واستعادتها من المتجاوزين وإعادة تقييم مواردها ابتداء من فترة إشغالها من قبل المتجاوزين عبر نظام محاسبي شفاف وتفعيل قانون بيع وإيجار أموال الدولة .
5. التعامل الشفاف مع مشروع قروض البنك المركزي البالغ 6 تريليون دينار والإسراع بوضع التعليمات الواضحة وإبعاد المتصيدين للالتفاف على هذا القرض التنموي .
6. التحرك السريع على المجتمع الدولي لتقديم الدعم المالي لمعالجة نتائج الحرب على الإرهاب التي خاضها العراق نيابة عن العالم ، عبر مؤتمر دولي يعقد لهذا الغرض بإشراف الأمم المتحدة ويمكن إن تلعب أمريكا دورا محوريا في هذا المؤتمر وممارسة التأثير على حلفائها .