اعمدة طريق الشعب

التكامل بين القطاعين العام والخاص / ابراهيم المشهداني

اثير بعد التغيير في عام 2003 موضوع جدلي يتعلق بالانتقال من الاقتصاد المركزي الأوامري الى اقتصاد السوق، وطريقة هذا الانتقال لم تقم على اساس دراسة عملية معمقة لطبيعة الاقتصاد كواقع راهن وانما استندت الى توصيفات نظرية جاهزة فرضتها القوى المحركة للتغيير واملاءات المؤسسات المالية الدولية التي لعبت دورا في تخفيض مديونية العراق الخارجية لاحقا.
ان الاستناد الى اقتصاد السوق في تنظيم عملية الانتقال من الاقتصاد المركزي واصلاح الاختلالات البنيوية في الاقتصاد وتحفيز التنمية التي راهن عليها المسؤولون من خلال الخصخصة والتكييف الهيكلي كمسلمات نظرية لم تعط ثمارها في اي من القطاعات الاقتصادية وكان من جراء ذلك اهمال القطاع الحكومي وابقاء الشركات الحكومية التي وضع الحاكم الاداري الامريكي 179 منها على قائمة الخصخصة، بدون تأهيل مع الانفاق على العاملين من خزينة الدولة وفي ذات الوقت ابقاء القطاع الخاص يعاني من الامراض التي تفتك به وفي الحالتين كرست الدولة اهتمامها بالقطاع النفطي والاعتماد على موارده التي شهدت اسعاره صعودا غير مسبوق بدلا من توظيف هذه الموارد في بناء مصادر تمويل جديدة من خلال تأهيل المصانع الحكومية وتنشيط دور القطاع الخاص.
ان وجود قطاع حكومي امر في غاية الاهمية لأنه يمتلك تاريخا طويلا ففي عام 1955 ظهرت اول عملية تأميم لشركة التنوير والقوة الكهربائية وكان خلال مرحلتي الستينيات والسبعينيات قطاعا مربحا ومصدرا اساسيا من مصادر تمويل الخزينة العامة كما انه امتلك خلال هذه الفترة خبرات غنية في مختلف القطاعات لا يمكن الاستغناء عنها ولكنه انتكس خلال فترات الحروب او تعرضه للنهب بعد الفلتان الامني الذي تلا عام 2003.
إن القطاع الخاص يمكن ان يكون قاطرة للنمو والاستقرار الاقتصادي الى جانب القطاع العام بدلا من اقصار الاعتماد على الموارد النفطية اذا ماتمت معالجة المشاكل التي تواجهه والتي تتمظهر في عدم وفرة القدرات المالية التي تؤهله لإنشاء مشاريع اقتصادية قادرة على الاسهام في قطاع الانتاج والتعقيدات الادارية والتشريعية التي تعرقل توفير القروض الاستثمارية طويلة الامد والاستيراد المنفلت الذي يشكل منافسة قوية للإنتاج الوطني للقطاعين العام والخاص معا في ظل ارتباك التطبيق الصحيح للتشريعات الحمائية التي سنتها الدولة بالإضافة الى غياب البرامج المتقدمة للتدريب والتأهيل التي تساعد في تمكين قوة العمل الماهرة من تغذية القطاع الخاص واخيرا وليس آخرا عدم التعامل الحكومي بجدية مع المبادرات التي يطرحها الصناعيون ورجال الاعمال لتفعيل دورهم في عملية التنمية الاقتصادية.
اننا نعتقد انه بدلا من التنظير وتسطيح المفاهيم الملتبسة بشأن الخصخصة والانتقال التدريجي السلس من القطاع العام واقصائه من ميدان الانتاج الى القطاع الخاص والتي يطرحها اقتصاديون وبرلمانيون ومسؤولون حكوميون في وسائل الاعلام وكأنها قدر محتوم دون وجود الارضية المناسبة لتطبيقها، من الانسب وضع البرامج الواقعية لإعادة الترجمة في العلاقة الحقيقية بين القطاعين مع الاخذ في الاعتبار ما يلي:
• ايجاد توازن وشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتحقيق التكامل في النشاط الاقتصادي والتأسيس لنمو ديناميكي للقطاعين معا وتمكين الحصول على فرص افضل امام القطاع الخاص لتوسيع نشاطه وتعزيز مكانته في الاقتصاد بما يعود بالفائدة.
• العمل على ايجاد سوق تنافسي بين القطاعين العام والخاص بعيدا عن الاحتكار عبر سن القوانين والتشريعات التي تؤطر العلاقة بين القطاعين.
• من الضروري ان يكون انخفاض اسعار النفط منطلقا لإعادة رسم سياسة رشيدة تقوم على اساس ايجاد ايرادات متنوعة للخزينة المركزية اساسها تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال تفعيل القطاعات العام والخاص والتعاوني.
• كخطوة اولى العمل على مختلف المستويات القانونية وهيئة الاستثمار والوزارات ذات العلاقة لجذب الرساميل العراقية المغتربة لما يتمتع به المستثمرون العراقيون في الخارج من خبرات ورؤى لتحريك الاقتصاد العراقي ومن ثم جذب المستثمرين الاجانب مع ما لديهم من رؤوس اموال وخبرة وتكنولوجيا متقدمة.