اعمدة طريق الشعب

تجريف البساتين تهديد خطير للاقتصاد الوطني / ابراهيم المشهداني

تتعرض الاراضي الزراعية الى عمليات تجريف منظمة ابطالها سماسرة العقارات الذين انتهزوا انشغال الدولة في مكافحة الارهاب ، ضاربين عرض الحائط بالقوانين غير ابهين بنتائج اعمالهم العبثية على الاقتصاد الوطني وتأثيرها على البيئة والتصاميم الاساسية للمدن وقتل جماليتها بدعم واسناد من السياسيين الفاسدين وحيتانهم المنتشرة في معظم الوزارات العراقية والذين يتحركون بأريحية كاملة في ممارسة النهب والسلب .
ان عملية تجريف البساتين التي تجري على قدم وساق تنتشر في كافة المحافظات العراقية وخصوصا في المدن العراقية المحاطة بالأحزمة الخضراء ما تسبب بتردي البيئة وتخريب جمالية المدن وفقدان الاسيجة التي تحمي تلك المدن من اثار العواصف الترابية والتصحر الذي تحول الى ظاهرة خطيرة. وفي التحليل النهائي تعرض الامن الغذائي الى تهديد جدي ، وحرمان البلاد من افضل المحاصيل الصناعية الغذائية المتمثلة بالتمور التي يملك العراق افضل انواعها ، اضافة الى انواع الفاكهة الاخرى حتى اضطر الى استيراد التمور من الامارات والسعودية في مفارقة لم يألفها من قبل حيث كان من اوائل الدول المصدرة لها. كل هذه الممارسات بالإضافة الى الاهمال الحكومي للقطاع الزراعي ، تسببت في انخفاض الاراضي الصالحة للزراعة من 11 مليون هكتار الى اقل من خمسة ملايين هكتار .
ان عمليات تجريف البساتين شملت مختلف المحافظات والمدن وبالرغم من فقر الاحصائيات الحكومية بشان المساحات الزراعية التي تعرضت للتجريف ، تشير المعلومات الى مساحة البساتين التي تم تجريفها في محافظة ذي قار فقط حيث بلغت ٤٢ الف دونم تضم اصنافا مميزة من التمور الشويثي والاستعمران والخضراوي والبريم والكنطار . وشملت عمليات التحريف محيط مركز مدينة الناصرية وصوب الشامية وقضاء سوق الشيوخ وناحيتي الفضلية والعكيكة فضلا عن قضاء ابي الخصيب في البصرة ومحافظة ديالى وداخل العاصمة بغداد في مناطق الدورة وعلى الصالح والاقضية والنواحي المرتبطة بمحافظة بغداد .
ولكن هذه العملية بما تتضمنه من مخاطر اقتصادية بالدرجة الاساس لم تأتي من فراغ بل لها اسبابها وفي المقدمة منها اهمال الحكومة وعدم تنفيذ القوانين والتعليمات التي تحرم التجريف وضعف الرقابة على تنفيذ القوانين والقرارات الحكومية ومنها على سبيل المثال قرار مجلس الوزراء رقم 1187 لسنة 1982 والتشريعات الخاصة بالأراضي الزراعية الواردة ربط كتاب مكتب رئيس الوزراء ذي الرقم م. ر. و/15951/16بتاريخ 12/11/2015 بالإضافة الى ان هذه البساتين اصبحت عبئا على اصحابها وفقدان الجدوى الاقتصادية بسبب زيادة التكاليف مع ضعف الدعم الحكومي وخاصة في مجال التسهيلات المصرفية وقلة المياه او زيادة الملوحة كما في قضاء ابي الخصيب . ولا شك ان مشكلة السكن وارتفاع اسعار الاراضي المخصصة للسكن واستغلال الاراضي المجرفة للاستثمار كل هذه العمليات قد تسببت في ظهور الاحياء العشوائية وما تتطلبه من توفير الخدمات التي تعجز الدولة بإمكاناتها الحالية من توفيرها فاتيحت الفرصة للفاسدين من التطاول على مشاريع الدولة القائمة من الماء والكهرباء لتوفير هذه الخدمات مقابل اموال طائلة لموظفين فاسدين .
وانطلاقا من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تسببها عمليات التجريف اصبح من واجبات الدولة التي لا تحتمل التأجيل ، اتخاذ الاجراءات الفورية لحماية الاقتصاد الوطني التي نلخصها بما يلي :
• التشدد في مراقبة عمليات التجريف بما في ذلك الإجراءات العقابية التي تتخذها الاجهزة الامنية ضمن عمليات مكافحة الارهاب، والحرص الكبير على معاقبة المخالفين للقوانين والقرارات الحكومية .
• قيام الدولة بوضع استراتيجية للنهوض بالقطاع الزراعي من خلال العمل على ادخال المكننة الحديثة في عمليات الاستزراع ومكافحة الآفات الزراعية التي تفتك بالنخيل وفي جني المحاصيل الزراعية وتنشيط صناعة تعليب التمور الصالحة للتصدير ومخرجات صناعية عديدة .
• قيام وزارة الزراعة بوضع خطة عاجلة لمكافحة افات النخيل مثل الدوباس والحميرة باستخدام الطائرات الزراعية .
• تطبيق القوانين النافذة وقرارات مجلس الوزراء ومنها القانون رقم 71 لسنة 1968 وتطبيق الشروط الواردة في قرار مجلس الوزراء المتخذ في شباط من عام 2016 والصلاحيات الحصرية بالمجلس .