- التفاصيل
-
نشر بتاريخ السبت, 06 كانون2/يناير 2018 17:29
لماذا لا يبدأ الحوار الشامل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم؟! هل بقي هناك ما يعيق انطلاقه بعد ان اعلن الطرفان الاستعداد لذلك من حيث المبدأ، واعلنت حكومة الإقليم قبولها بقرار المحكمة الاتحادية عبر ترحيبها به، سيما وانه ملزم شأن قرارات المحكمة الاتحادية كافة؟
من المؤكد ان هناك مشاكل تراكمت خلال السنين الماضية، ولم يسعَ الطرفان الى حلها على نحو شفاف ولصالح ترسيخ تجربة فيدرالية ديمقراطية حقيقية. فكان التمترس والعناد سيد الموقف احيانا، فيما الصفقات والمساومات والمصالح الشخصية كانت تقفز الى المقدمة في أوقات اخرى.
وهكذا لم تستقر العلاقة على حال ، فهي بين القطيعة وتبادل الاتهامات، وبين الغزل المفتعل والحديث عن التحالف التاريخي الذي لا انفصام له. وفي اثناء ذلك كان ينشط نهازو الفرص والمتصيدون في الماء العكر، وكان هناك من يسعى الى توظيف ما حصل ويحصل لغايات ضيقة انانية، غير مكترث حتى وان حصل الطوفان.
وكان هناك في كل هذا الشد والجذب خاسرون ورابحون. وكان الخاسر الأكبر هو شعب الإقليم، حيث اشرت تظاهراته الاخيرة ان البناء المتحقق في كردستان لم يوفر الارضيّة الديناميكية لبحبوحة مستقرة قابلة للتطور اللاحق، ولم تنطلق بعد تنمية مستدامة ولم تباشر العمل إدارة كفوءة تحسن استثمار العوامل المتاحة لبناء تجربة - مثال يحتذى في العراق والمنطقة. في حين ظلت الممارسة الديمقراطية، على الرغم من الحريات النسبية، عرجاء هجينة، القول الفصل فيها لمنطق القوة والحزبية الضيقة في غياب المؤسسات الدستورية التمثيلية الحقة، كما هو الحال في العراق ككل. الى جانب الحديث الواسع عن الفساد والرشى والغنى الفاحش للمتنفذين.
وبينت التجربة ايضا، خاصة خلال أزمة الاستفتاء وبعدها، والتي كان يمكن تلافيها أساسا، ان في العراق وبغض النظر عن معسول الكلام والحديث المنمق عن الحقوق، شوفينيين حد النخاع يتمنون لو يستيقظون صباحا ليسمعوا "الخبر السار" عن انتهاء الإقليم ككيان، أو الخبر الأسعد عن اختفاء الكرد من ارض الرافدين!
ان في تجربة العلاقة المتبادلة للكرد مع الحكومات في بغداد الكثير من الدروس الغنية، اضافة الى الحقائق الثابتة التي تبقى على حالها موضوعيا، قَبِل بها البعض ام رفضها. ففي العراق تركيبة تعددية ليس في مقدور احد تجاوزها، خصوصا من الحكام، وهناك حقوق وطموحات واحلام للكرد ولغيرهم من منتسبي اطياف شعبنا الاخرى، وهي لن تضيع تحت اي ظرف وحتى لو استُخدم السلاح الكيماوي وغيره كما فعل المجرم المقبور. وبينت التجربة على نحو ساطع ايضا ان لا ضمان لأية حقوق، قومية كانت ام غيرها، الا في ظل نظام ديمقراطي مؤسساتي. ويبقى مطلوبا على الدوام قدر كبير من الواقعية، وتفادي قتل طموحات شعب على سفود حسابات خاصة خاطئة، سواء كانت محلية او خارجية مستشعرة عن بعد.
وهذا كله حصل ومضى وفيه الكثير من الدروس الغنية، والعبرة آخر المطاف في كيفية التمعن فيها واستلهامها. ولكن وفي جميع الأحوال لا يمكن القبول بان يعاقب شعب الإقليم بجريرة هذا الخطأ او ذاك، او موقف هذا الزعيم او ذاك، او انطلاقا من حسابات انتخابية ضيقة او من التعويل على تفكك داخلي في الإقليم، او التذرع بأوهام فنية واضحة الأهداف.
واذ لا يمكن القبول بمعاقبة اي شعب، فليس مقبولا ايضا جرجرة الشعوب الى مزالق مفتوحة على شتى الاحتمالات، وفيها ما قد يكون مهلكا!